القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

كفّ الأذى عن الناس الجزء الثامن

94
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع كفّ الأذى عن الناس، وقال ابن حجر رحمه الله ” فيقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام الواجب إذ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة، وأذى المسلم حرام باللسان واليد، فلا بد لكل امرئ ينتسب إلى دين الإسلام، ويطلق على نفسه لفظة مسلم، وينطق لسانه بالشهادتين، أن يعرف أولاً تمام المعرفة، ويدرك كل الإدراك، تعريف المسلم الذي بينه نبينا عليه الصلاة والسلام في قوله “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” إذ إن هذا التعريف بمثابة القواعد والأسس الأصيلة، التي تبنى عليها الأركان المتينة، حتى يرتفع المبنى، ويبقى شامخا لا يتضعضع بساكنه في الدنيا، ولا يقوّض عليه في الآخرة، ولنلقي على الحديث السابق نظرة متأمل، تنفذ إلى فوائده القيمة المكنونة كمون اللآلئ في الأصداف، تشع من نور المشكاة المحمدية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قسم الأذى إلى نوعين، نوع معنوى يكون باللسان، ونوع آخر حسي يكون باليد.
وقد قدم أذى اللسان المعنوي، على أذى اليد الحسي لسببين، لكونه أكثر انتشارا وشيوعا، بتحريض من الشيطان عدو الإنسان، لذا قال الله تعالى ” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا” ولكونه أشد وقعا وإيلاما، على حد قول الشاعر جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان، فإن إيذاء المسلمين سبب لدخول النار، وكف الأذى عنهم من أسباب دخول الجنة، وإن من صور الأذى وضع القاذورات والأحجار و تضيق الطرقات على المسلمين و المسلمات، ومن صور الأذى أيضا هو التخلى في طرق الناس وأفنيتهم، وقضاء الحاجة في أماكن تنزههم، وجلوسهم، وتنجيسها، وتقذيرها بالأنجاس والمهملات ومن ذلك أيضا في تسريب مياه الصرف الصحي فيها، فيتأذى الناس بالرائحة، إضافة إلى تنجيسهم، وتأذى الناس بذلك أعظم من تأذيهم بقضاء الحاجة في الطريق، وكذلك أذية أهل الكتاب بغير حق، وإن من الأذى المحرم هو أذية أهل الكتاب بغير حق.
فعن صفوان بن سليم، عن عدد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال “ألاَ من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة” وكذلك فإن الصبر على أذى الغير من مكارم الأخلاق والصبر على أذى الغير من علامات قوة الإيمان، وصفة من صفات الرجال، ولقد عفا النبي صلى الله عليه وسلم عمن أذاه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى” ولقد ضرب أنبياء الله صلوات الله عليهم أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله، وقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاق في سبيل نشر الإسلام، وكان أهل قريش يرفضون دعوته للإسلام ويسبونه، ولا يستجيبون له، وكان جيرانه من المشركين يؤذونه ويلقون الأذى أمام بيته، فلا يقابل ذلك إلا بالصبر الجميل، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت.
فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتى الباب، فقال لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا نقول خيرا، ونظن خيرا، أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال صلى الله عليه وسلم” فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” اذهبوا فأنتم الطلقاء” وكذلك عفو ابو بكر الصديق رضي الله عنه عمن أذاه وعن أبي هريرة رضي الله عنه “أن رجلا شتم أبا بكر الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب، ويتبسم، فلما أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام فلحقه أبو بكر، فقال يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال صلى الله عليه وسلم “إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان” ثم قال “يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة، فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره.
وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة” وأيضا عفو مصعب بن الزبير رضي الله عنه، و من جميل العفو هو عفو مصعب رضي الله عنه عمن قتل أباه فعن مصعب بن الزبير أنه لما ولي العراق، جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى، أين عمرو بن جرموز؟ وهو الذي قتل أباه الزبير، فقيل له” أيها الأمير، إنه قد تباعد في الأرض، فقال أو يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفرا” فليكن الحلم والصبر على أذى الناس شعارنا ولنعفو ونصفح عمن أساء إلينا بكلمة أو قول ولنقابل السيئة بالحسنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد.
قد يعجبك ايضا
تعليقات