القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

كفّ الأذى عن الناس ” الجزء الأول “

76

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن المؤمن سهل العريكة، جميل العشرة، حسن التعامل، لين الجانب، يبذل الندى ويكف الأذى، وكف الأذى أفضل خصال الإسلام، وإن أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله أداء حقوق المسلمين، والكف عن أعراضهم، وإن الإسلام حين جاء بشرع جديد للناس، حدد لهم الطرائق الصحيحة للتعامل، وذلك من خلال رسم الخطوط العريضة وتنبيه المسلم إلى الأمور التي تؤذي أخاه المسلم ليجتنبها، ومن الحقوق المشروعة للمسلم على أخيه المسلم ست خصال يرويها أبو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين يقول “ست خصال واجبة للمسلم على المسلم، من ترك شيئا منهن فقد ترك حقا واجبا، يجيبه إذا دعاه، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا عطس أن يشمته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا استنصحه أن ينصح له ” فهذه الأمور واجبة لكل مسلم على أى مسلم، وتركها هو ترك حق قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم صراحة، ويلحظ في هذا الحديث أنه يدعو إلى المودة بين المسلمين، كما يدعو إلى كف الأذى.

وإن كف الأذى عن كل مسلم عبادة جليلة دل الكتاب والسنة على فضلها وعظم منزلتها، فعن أبي موسى الأشعرى قال قلنا يا رسول الله أى الإسلام أفضل ؟ قال ” من سلم المسلمون من لسانه ويده” متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتناج اثنان دون واحد فإن ذلك يؤذي المؤمن والله عز وجل يكره أذى المؤمن” رواه الترمذى، فإن الشارع نهى عن أذى المسلمين لعظم حرمة المسلم ولأن ذلك يفضي إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى انتشار الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأصحاب، وإن المسلم كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن المسلمين لأن ذلك من المعروف وداخل في معنى الصدقة، فقال أبو ذر رضى الله عنه قلت يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال “تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك” متفق عليه، وإن الله عز وجل كما تعبدنا بفعل الطاعات.

تعبدنا أيضا بحفظ حرمة المسلمين وعدم التعدي عليها بنوع من الأذى، وبعض الناس هداهم الله لا يستشعر في حسه عظم هذا الأمر فتراه مع حرصه على الصلاة والصيام وسائر العبادات يتعدى على أخيه المسلم ويؤذي المسلمين ويتهاون في هذا الأمر تهاونا شديدا، وإن الباعث على الاستخفاف بحرمة المسلم والتساهل في إيذاء المسلمين ناشئ عن الجهل وقلة الوعي وبلادة الطبع وقد تكون البيئة عاملا مؤثرا في تكوين هذه الشخصية العدائية ولا شك أن تربية الأسرة عامل مؤثر أيضا على سلوك الفرد هذا السلوك والتخلق به، ولقد بنى الإسلام أسسه فى تنظيم العلاقة الاجتماعية بين بني المجتمع على قواعد مُثلى وركائز فضلى، في مثل قول الله تعالى فى سورة الحجرات ” إنما المؤمنون إخوة” ونحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا يبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى ها هنا، فأشار بيده إلى صدره ثلاثا.

بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه” رواه مسلم، وفى مثل قوله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمِن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخارى، وفي نحو قوله عليه الصلاة والسلام ” من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتى إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه” رواه مسلم، فتأسيسا على ما تقدم جاءت النصوص المتضافرة في آيات قرآنية وأحاديث نبوية كلها تتضمن المنع الأكيد من أذية المؤمن، والزجر الشديد من الإضرار بالمسلم بأى وجه من الوجوه أو شكل من الأشكال، القولية أو الفعلية، أو الحسية أو المعنوية، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار، وإن المسلم يدرك يقينا أن من مقتضيات كونه مسلما اجتهاده في أن يجعل حياته كلها موافقة لمراد الله ومراد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فيعمر أيام حياته وسني عمره التي كتبها الله له في طاعة الله وعبادته والتزام شرعه.

ويبتعد المسلم على أن تكون حياته حياة يبغضها الله ويبغضها رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ويحذر المسلم أن تكون حياته حياة اللاهين، حياة الغافلين، حياة المعرضين، الذين لا يرجون لله وقارا، يسخّر جميع ما أنعم الله عليه في مراضي الله ومحابّه، ويحذر من أن يصرفها فيما يغضب الله ويسخطه، وهو مع ذلك كله لا ينظر في دنياه إلى كثرة الهالكين، ولا إلى كثرة الضالين عن الصراط المستقيم، ولا كثرة المبتعدين عن الجادة القويمة، لا ينظر إلى من باعوا دينهم بدنياهم، ولا من قدموا شهواتهم وملذاتهم على طاعة مولاهم، يستحضر قول الله تعالى كما جاء فى سورة الزمر ” قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين” ثم هو يدرك أنه غير معصوم من الخطأ والزلل، فقد تقع منه المعصية والزلة والهفوة لكنه لا يجعل من معصيته لربه ولا من زلته وهفوته لا يجعلها سببا لكره الدين، ومعاداة أهله من العلماء والناصحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والدعاة إلى الله عز وجل.

قد يعجبك ايضا
تعليقات