القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رأفة بالشباب ” الجزء الأول “

91

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن غلاء المهور مشكلة تواجه جميع الشباب، وإن ظاهرة غلاء المهور لم تأتى من فراغ، وإنما لها أسباب كثيرة ولعل أبرزها هى رغبة الزوج فى الظهور بمظهر الغنى القادر، وحرصه على إقناع أولياء الزوجة، وكذلك طمع بعض الأولياء، وعدم إدراكهم لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسية، بالإضافة إلى ما سيتحملونه من كثرة المصروفات والالتزامات التى يرون أنها ضرورية لذلك حتى لا ينسبوا للتقصير، وأيضا تغير النظرة إلى الزوج الكفء واختلاف الناس فى فهم ذلك، بحيث تصبح عملية الزواج عملية بيع وشراء، الرابح فيها من يكسب المال الكثير ولا يهمه بعد ذلك لون النتائج وآثارها، وكذلك التقليد الذى استولى على مشاعر الناس جميعا وسلبهم التفكير وعطل عقولهم فما عمله فلان لابد أن يعملوه ولا يقصروا عنه، بل يجب أن يزيدوا عليه، وهكذا يتزايد الأمر حتى يبلغ هذا الحد، وهذا أهم سبب، وهو اسناد الحكم فى هذه الأمور إلى النساء، وسماع آرائهن وتنفيذ طلباتهن، وهن من نعلم عاطفة ورغبة في الفخر والظهور. 

 

حتى لا تقول فلانة كذا، ولا تتحدث علانة بكذا، ونتيجة لانتشار هذه الظاهرة فإن لها أثارا ونتائج وخيمة من أهمها هو بقاء الرجال أيامى، وبقاء البنات عوانس، وهذا معناه تعطيل الزواج، وإيقاف سنة الله في الحياة، وأيضا حصول الفساد الأخلاقى فى الجنسين عندما ييأسون من الزواج إذ يبحثون علن البديل لذلك، وأيضا كثرة المشكلات الاجتماعية بسبب عدم جريان الأمور بطبيعتها، ووضع الشيء فى غير موضعه، وحدوث الأمراض النفسية في صدور الشباب من الجنسين بسبب الكبت وارتطام أفكارهم بخيبة الأمل، وكذلك خروج الأولاد عن طاعة آبائهم وأمهاتهم، وتمردهم على العادات والتقاليد الكريمة الموروثة، وكذلك عزوف الشباب عن الزواج بالمواطنات ورغبتهم في الزواج بالأجنبيات وذلك إذا كانت المرأة المراد أن التزوج بها من دولة فقيرة، وهذا أمر من الخطورة بمكان، إذ يترتب عليه مشكلات لا حصر له فيشقى الرجل بحياته الزوجية التي ارتبط بها بامرأة تخالفه في الفكرة، والبيئة والعادات والرغبات وتشقى الفتيات المواطنات. 

 

ببقائهن عوانس دون ذنب جنته أيديهن وإنما جنته التقاليد، وتصرفات خاصة من عدد قليل من الناس، إنها مشكلة عويصة، وظاهرة فظيعة، إنها ظاهرة المغالاة في المهور والتزايد فيها، وجعلها محلا للمفاخرة حتى بلغت إلى الحال التي هي عليها الآن، ولقد صار بعض الناس الآن يزيد في تطويرها ويدخل في المهر أشياء جديدة تزيد الأمر كلفة وصعوبة، حتى أصبح المهر في الوقت الحاضر مما يتعسر أو يتعذر على كثير من الناس فتجد الكثير يتعب تعبا كبيرا في أول حياته وعنفوان شبابه ولا يكاد يدرك ما يحصل من المرأة التي تحصنه كل هذا بسبب هذا التصاعد الذي لا داعي له في المهور، وإن التغالى في المهور مشكلة تعوق وتعكر عن الزواج الذي أمر الله به ورسوله، وهو خلاف المشروع، فإن المشروع في المهور تخفيفها فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه وضر من صفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم “مهيم “؟ قال يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار.

 

قال “ما سقت إليها؟ قال نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب، قال صلى الله عليه وسلم ” أولم ولو شاة ” والسيدة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة” وعن سهل بن سعد الساعدى رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أهب لك نفسي فنظر إليها رسول صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها؟ فقال “فهل عندك من شيء ؟ فقال لا والله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم “اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع فقال لا والله ما وجدت شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “انظر ولو خاتم من حديد” فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتم من حديد ولكن هذا إزارى قال سهل ما له رداء، فلها نصفه. 

 

فقال رسول الله ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي فلما جاء قال ماذا معك من القرآن؟ قال معي سورة كذا وكذا “عددها” فقال صلى الله عليه وسلم” تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال نعم، قال صلى الله عليه وسلم” اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن” وعن أبي العجفاء السلمي قال خطبنا عمر رضي الله عنه فقال ألا لا تغالوا بصدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتى عشر أوقية، فاتقوا الله أيها الناس واتقوا الله أيها الأولياء وزوجوا من ترضون دينه وخلقه ولا تمنعوا النساء، فإن في ذلك تعطيلا للرجال والنساء وتفويتا لمصالح النكاح وانتشارا للمفاسد، إذا لم يتزوج أبناؤنا ببناتنا فبمن يتزوجون؟ وإذا لم نزوج بناتنا بأبنائنا فبمن نزوجهن؟ 

 

أترضون أن يتزوج أبناؤنا بنساء أجنبيات بعيدات عن بيئتنا وعاداتنا ولهجاتنا، فتتغير البيئة والعادة واللهجة بجلبهن، وربما حصل منهن إتعاب للزوج بكثرة طلبهن السفر إلى بلادهن أو غير ذلك، أترضون أن تبقى بناتنا بدون أزواج يحصنون فروجهن وينجبن منهن الأولاد الذين بهم قرة أعينهن، إنه لا بد من أن يتزوج أبناؤنا ببناتنا، ولكن علينا أن نتعاون لتسهيل الطرق أمامهم مخلصين لله قاصدين بذلك تحصيل ما أمر الله به ورسوله، فإن الخير كل الخير في طاعة الله ورسوله، ولقد منع رجال تزويج من لهن عليهن ولاية لينالوا حطاما من الدنيا فباءوا بالخسران والندامة، فلقد عُني الإسلام بالزواج عناية خاصة تفوق عنايته بأية علاقة إنسانية أخرى، ويبدو ذلك جليا في كل ما عرض له الإسلام من مسائل الأسرة، ابتداء بالخطبة وانتهاء بالطلاق عند الضرورة، ولما كان الزواج أساس بناء الأسرة، ولا يمكن أن تقوم أسرة بدون زواج شرعي وجب أن يقوم الزواج على الرغبة والاختيار والرضا المشترك، ومن ثم.

 

فلا عجب أن أجمع علماء الاجتماع على أن الأسرة عماد المجتمع وأنها إذا قامت على أسس ودعائم قوية استقرت أحوال المجتمع وتوطدت أركانه، وإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلاف أشكالها، اضطربت حياة المجتمع واختلّ توازنه، ولقد تحفظ الاقتصاديون حوالي قرنين من الزمن عن الكلام عن الأسرة أو في شؤونها وتركوا تلك المهمة لعلماء الاجتماع والمحللين النفسيين، أما اليوم، فقد أثبت غير واحد من الاقتصاديين المعاصرين أن الزواج بمثابة عقد لتوزيع العمل، فكل من الزوجين يتخصص في مجال معين وطبقا للعادات والتقاليد الاجتماعية، فإن الزوج هو الذي يعمل فى الخارج وتبقى الزوجة في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية وممارسة الأمومة، حيث يحقق التخصص أفضل تنظيم لموارد الأزواج وأقصى قدر من الرفاهية، لا شك أن الزواج ضرورة من ضروريات الحياة، إذ به تحصل مصالح الدين والدنيا، ويحصل به الارتباط بين الناس، وبسببه تحصل المودة والتراحم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات