القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

دخان

170

بقلم/ سالي جابر

في غرفةٍ مظلمة إلا من ضوءٍ خافت لشمعة ذو رائحة الياسمين، تعالت أصوات شهيقها الذي تغمره الدموع، حاولت فقط أن تتنفس بطريقة صحيحة؛ لكن بدموعها الغزيرة أضحى ذلك عسيرًا، وبعد دقائق قليلة بدأت ترتخي وتتنفس ببطء حاولت أن تركز على هدف إيجابي إلا أنها لم تستطع ذلك، وفجأة فُتح شباك غرفتها على مصراعيه وانطفأت الشمعة، وانبثق منها دخان بسيط إلا إنها رأت فيه ورودًا تتطاير، وترتفع لأعلى، ويدها تتمسك بيد إلا إن الثانية تحاول الفكاك منها، أغمضت عيناها وشعرت كأنها تغرق في بحر ظلام الذكريات، وكأن دقات قلبها تستشعر الخوف وتطلب يد المساعدة، تحتاج الدفء … حاولت أن تنام، وبعد ساعات بدأت تغط في النوم، وكررت ذلك المشهد يوميًا وفي اليوم الأول هي من أطفأت الشمعة محاولة منها أن ترى ما تتمنى؛ فرأت فتاة جميلة تمسك بيدها كتابًا تغوص بين سطوره، منسجمة مع أحرفه، ثم وجدت سبابتها اليمنى تخشى تلامس اليسرى، وفقدت تركيزها، فنهضت إلى الفراش، وعندما استيقظت أمسكت بروايتها المفضلة وقرأت السطر الذي توقفت عنه” حبيبتي أنا معك….” بكت بشدة وأحرقتها نار شوقها الذي لا يطفئه ماء ولا يجديه البكاء، كان نهارها بائس تمسك بهاتفها تارة، ثم تقلب بجهاز التلفاز تارة، ثم تنهض لعمل مشروبها الذي كانت تعشقه وبات اليوم لا طعم له إلا من ذكرى جميلة لها صور متعددة مع من كان يوهمها بالحب، وبعد عدة أيام وليالٍ ثِقال قررت الخروج هروبًا من حزنها سارت خُطاها دون تفكير ووقفت على شاطيء البحر تنفست نقاء الأمل، تغنت مع صوت الموج نغمات حزينة مؤلمة كما كانت معه، في كل مكان تجد له ذكرى… أين الفرار؟!
لامهرب من ذاك الحب اللعين الذى أصاب قلبها، كلما تتذكره تحاول أن تنساه، وكلما تفكر في نسيانه تتذكره أكثر، تجده في دخان شمعتها، وسط أرفف كتبها، الطبقة الأولى في فنجان قهوتها، اسمه محفور على خاتمها….
أغمضت عيناها وتذكرت حين قال لها” الحب ليس كافٍ، وأنت مجرد حب” أيقنت وقتها معنى كلمته، أدركت أنها لم تكن كافية، صارت دموعها تغزو وجنتيها، شلالات أضاعت جمال عيونها، وحاولت أن تُخرس الصوت الذي يئنُ بداخلها ” لم تكونِ كافيةً له” حاولت أن تبحث عما يعيبها، لما لم تكن كافيةً، فهي كانت حبيبة وصديقة وكل شيء، اهتمت بكل ما يخصه، لم تستطع إخماد تلك النيران إلا عندما انغمس فكرها في عمل جديد، لم تحاول نسيانه بل حاولت أن تتذكر نفسها وحياتها قبله كيف كانت، وحاولت أن تكتب فإنها عاشقة للكتابة وتعتبرها مجالًا للتنفيس عن الذات، وتذكرت كم كان يكره ذلك، وبدأت الورقة البيضاء تتحول إلى دخان، وكأن قلبها يحترق وترتفع أدخنته من شدة الحزن والبكاء، فهي لا تريد أن تنسى؛ هي تود أن تتعافى، ووضعت نقطة بعدما تركت لقلمها الحرية وكتبت حقًا “لا يبقى في الذاكرة سوى مانريد نسيانه ” كما قال دوستويفسكي، ودخلت جلسة الاسترخاء التي تقوم بها يوميًا وأغمضت عيناها فرأت دخانًا وكأنه الورود تتطاير عليها وبيدها كتاب تحمله تنسجم مع حروفه مبتسمة حالمة بالخير.

قد يعجبك ايضا
تعليقات