القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

عطاء موقد

94

بقلم/ سالي جابر

وددت أن أكون الشمعة التي تحترق من أجل الجميع، فاحترقت أنا … صديقة للجميع ألبي احتياجات من يطلب مساعدتي، كنت طالبة متميزة الكل يحبني ويطلبني للمساعدة وكنت أفتخر بهذا؛ لكني عندما مرضت ومكثت في سريري طويلًا، واقترب موعد الامتحان لم أجد من يشعل لمبة حبه لي لينير عتمتي، عندما اتصلت بزميلتي للمساعدة قالت: “ليس لدي متسع من الوقت لأُحضر لكِ المراجعات إلى البيت” هذه زميلتي التي لا أتأخر عنها، لا أبخل عنها بما ذاكرت، ولا بالوقت حينما تطلبني، وهكذا مع الكثيرات منهن إلا واحدة لم تطلب مني شيئًا ذات يوم.
فعلمت أن الشمعة تحترق ولا يبقى منها شيء، وحينما لا نريدها نطفئها بأيدينا، وإذا احتجنا لها نوقدها وهكذا التعامل مع كل شخص تخيل أن الإفراط في حبه للآخرين عطاء لا مثيل يورثُّه الحب الحقيقي ليس مشاعر مزيفة خالية من الأمان.
ثم أهدتني الأيام زوجي الغالي، بعد سنوات عديدة من الحب، أغمضت عيني فيها عن كل مساوئه؛ أعلم جيدًا أن لكل شخص عيب في شخصيته؛ لكني تغافلت عنه حبًا في ذاك الرجل الذي أثقلني بالأعباء، بدأت تلك الزيجة بحماسة مشتعلة في قلبي رغبة في بقاء البيت سعيدًا، كي أظل دائمًا الزوجة المثالية، الأم الرائعة -كما كانت تنصحني أمي- وكما قرأت في وصية أمامة بنت الحارث لابنتها “الخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة، التفقد لوقت منامه وطعامه فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة” وأردت أن أكون المرأة المؤمنة “التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته” ومن أول يوم في ذلك البيت وأنا أدور في ساقية، أخدم زوجي وحماتي بكل حب؛ بل وأخوات زوجي أيضًا ثم ضاقت عليَّ الدنيا بما رحبت، زوجي لا يهتم بي، أم زوجي تشعل في قلبه الكراهية نحوي، بدأ يتغير معي لا يجلس في البيت إلا قليلًا، لا يتحدث إليَّ وعندما بدأت أتذمر قال لي: “انظري إلى مرآتك ستجيبك هي، نظرت فإذا بوجه شاحب، شعر مشيب، عيون منتفخة… لكن لماذا؟! لأنني اهتممت بك، بالمنزل
والأبناء أكثر من نفسي، ليس لدي الوقت لأستريح قليلًا، لأنك لم تقم بمساعدتي.
– قال: “لم تطلبي”، ترك الغرفة وخرج، انحبس الصراخ داخلي، تجمدت الدموع في عيني، سقطت أرضًا…
‏كنت مخطئة حينما توقعت أن تفانيَّ في حبي لهم يطرح حبًا، يُجني ثماره جنة على الأرض؟!
وبعد فترة من التفكير اكتشفت صحيح كلامه، من قال أن ترك المرأة حياتها للأيام تبلي فيها حبًا؟!
وكان عليَّ أن أهتم بالبيت والزوج والأبناء ونفسي، نفسي أولًا لأنني عمود هذا البيت، وبدأت بالفعل أبحث في داخلي عن هوايات كانت، أصدقاء، ذكريات، حياة انتهت لكني أبحث عنها تحت الأنقاض، وتعلمت الدرس جيدًا، التفاني في الحب ليس التفريط في الحق، لا زيادة ولا نقصان في حب نفسي وحبي لهم، المعنى التام للحب الحقيقي الصادق القائم على الأخذ والعطاء، نجهله أو ربما لا نستشعره ونحن نسير داخل دائرة القوى الخارقة، نفعل كل شيء من أجل إثبات الذات، والافتخار بالقدرة على عمل أشياء كثيرة في نفس الوقت.
واليوم بعدما كنت الفتاة الصديقة التي تقدم كل شيء لزميلاتها، ولم تتعلم الدرس؛ أتقنته بعدما صارت زوجة أفنت عمرها في سراب، أدركت المعنى التام للحب الصادق، وهو أن أحب نفسي أولًا، أعمل على ذاتي، أرى الكون من مرآة قلبي، أعتني بالجميع لكن لن أتجاهل نفسي، حاولت أن أجدد علاقتي بأبنائي كصديقة لهم أهتم بهم وأحبهم، أترك لهم مساحة شخصية احترامًا لهم وإشباعًا لرغبتي أن أكون وسأحاول جاهدة أن أكون مثلما أود الآن.

قد يعجبك ايضا
تعليقات