القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

زكاة الفطر ” الجزء الخامس “

230

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع زكاة الفطر، ويندب إخراجها بعد فجر يوم العيد وقبل الذهاب لصلاة العيد، ووقت مكروه، فيكره تأخيرها إلى آخر يوم العيد، ووقت محرَّم، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد بلا عذر، وإذا فات يوم العيد لزمه القضاء، وأفضل وقت لإخراجها قبل الخروج لصلاة عيد الفطر، ويجوز إخراجها بعد دخول شهر رمضان، ولا يجوز تقديمها عنه، ويكره تأخيرها عن صلاة العيد، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات، لكنها لا تسقط بالتأخير، ولو لم يؤدها ثبتت دينا في ذمته يجب عليه دفعها، ولو أخرها حتى مات فإن دفعها الورثة أو غيرهم أجزأت وبرئت ذمته، وإن أوصى بها تخرج من الثلث، وإذا أراد المسلم أن يخرج زكاة الفطر، فكم يخرج؟ ما مقدارها؟ وماذا له أن يخرج من أنواعها؟

وهو أن مقدار زكاة الفطر هو صاع من قوت البلد الذى يأكله الناس، والصاع المعتبر هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفى الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّا، ووزنه فيما قدرة العلماء بالكيلو هو ما بين اثنتين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو تقريبا، ولكن متى تجب زكاة الفطر؟ فإنها تجب زكاة الفطر بدخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر، والدليل على ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان” وذلك يكون بغروب الشمس، من آخر يوم من أيام شهر رمضان، فزكاة الفطر لا تجب إلا بغروب شمس آخر يوم من رمضان فمن أسلم بعد الغروب، أو تزوج، أو وُلد له ولد، أو مات قبل الغروب لم تلزم فطرتهم، وأنه يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، فقال الإمام مالك “أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذى تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة” ويستحب إخراج زكاة الفطر يوم الفطر قبل صلاة العيد.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، كما في حديث ابن عمر في صحيح مسلم، وفيه ” وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة” واعلم أيها المسلم، أنه لا يجوز تأخير أداء زكاة الفطر بعد صلاة العيد على القول الصحيح، فمن أخّرها بعد الصلاة بدون عذر، فعليه التوبة، وعليه أن يخرجها على الفور، ولكن ما مصارف زكاة الفطر؟ إلى من ندفع زكاة الفطر؟ هل مصارف زكاة الفطر هي نفسها صارف الزكاة؟ فإن لزكاة الفطر خصوصيتها في مصارفها، فهى لها مصرفان فقط لا ثمانية كما هو للزكاة، ومصارف زكاة الفطر وأهلها الذين تدفع لهم، هم الفقراء والمساكين، وهذا هو الصواب والأرجح من أقوال أهل العلم، وقال الشوكانى “وفيه دليل على أن الفطرة تصرف في المساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة” وقال ابن تيمية “ولا يجوز دفع زكاة الفطر إلا لمن يستحق الكفارة” وقال الإمام ابن القيم”وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة.

ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم” ويجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص، واتفق العلماء على أنه يجوز إخراج زكاة الفطر من الطعام الذي يعد قوتا للناس، أى ما يقتاته الناس، ولا تقتصر على ما نص عليه من الشعير والتمر والزبيب، بل نخرج من الأرز والذرة والعدس وغيرهم مما يعتبر قوتا، وقال الشافعى “يجب فى زكاة الفطر صاع من غالبا قوت البلد في السنة” وقال ابن تيمية “أوجبها الله تعالى طعاما كما أوجب الكفارة طعاما” وأما إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية بدلا عن الطعام، فللعلماء قولان، القول الأول وهو عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وقال النووى كما في المجموع “لا تجزئه القيمة في الفطرة عندنا وبه قال مالك وأحمد وابن المنذر” والقول الثانى وهو جواز إخراج القيمة فى زكاة الفطر مطلقا، وهو مذهب الحنفية.

فذهبوا إِلى أنه يجوز دفع القيمة فى صدقة الفطر بل هو أولى لتيسير للفقير أن يشترى أى شئ يريده فى يوم العيد، لأنه قد لا يكون محتاجا إلى الحبوب بل محتاج إلى ملابس، أو لحم أو عير ذلك، ويقول العلماء “والسنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي، ولا بأس بنقلها، ويجزئ إن شاء الله في أصح قولي العلماء، لكن إخراجها في محلك الذى تقيم فيه أفضل وأحوط، وإذا بعثتها لأهلك ليخرجوها على الفقراء في بلدك فلا بأس” فزكاة الفطر، هي شرعة مباركة من شرعة الإسلام العظيم، شرعها الله الحكيم سبحانه، وكل شرائع الله فيها الحكمة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وزكاة الفطر فيها حكم ظاهرة جلية نص عليها الشارع، فزكاة الفطر فيها حكمتان عظيمتان، الحكمة الأولى ويعود خيرها على الصائم نفسه فهي تطهير لصيام المؤمن، مما يكون قد اعتراه من خلل ونقص وتقصير، فتجبره زكاة الفطر، وتنقيه، وتزكيه، حتى يعود أكمل ما يكون، فلله الحمد والمنة، والحكمة الثانية يعود خيرها على غير الصائم.

على الفقراء والمساكين من عباد الله المؤمنين، فتسد حاجتهم يوم العيد، وتدخل عليهم السرور، وتحفظ لهم مكانتهم فى فرحة المجتمع، ومشاركة الناس عيدهم، وتغنيهم عن السؤال والشعور بالمذلة في يوم جعله الله فرحة للمسلمين، فإن الزكاة من بين أركان الإسلام شرعة الحق، والتكافل الاجتماعى الذى يحفظ على المجتمع توازنه، بالعطف، والمودة، والإيثار، ونقاء السريرة، ونبذ سموم الأَحقاد والتحاسد، هذه منزلتها، وهذا أَثرها كما رسمه الإسلام العظيم لأتباعه إلا أن الواقع يعطي شهادة بالإدانة على الأغنياء لصالح الفقراء، فلو أعطى كل غنى حق الله من مال الله لعباده الفقراء، ما بقى فى الدنيا فقير، ولا مسكين، ولا جائع، وأغنياء المسلمين فى العالم لا يحدهم التعداد من كثرتهم ولكن أرقام الذين يفارقون الحياة بسبب الجوع، أو المرض، يصيب النفس بالهلع والغثيان، إضافة إلى قائمة الضرورات الحياتية المهمة التى يفقدها المحرومون من أدنى الحقوق فى أقطار المعمورة من المسلمين، وإذا هدم الأثرياء من المسلمين ركنا عظيما.

 

من أركان هذا الدين، فإن إيمانهم كله فى خطر، على اعتبار أن القائم بأركان الإسلام الخمسة، والمراعى لها يقيم الدين كله، فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما، قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” بُنى الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” رواه مسلم، وكيف ينسى المؤمن حقا أوجبه الله عليه لأخِيه الفقير، فقال تعالى ” وفى أموالهم حق للسائل والمحروم” فالزكاة هى بركة مال الغنى وسد حاجة الفقير، وبها يعيش الطرفان في جو من الود والمحبة، وإن للزكاة فضائل مهمة، وآثار اجتماعية، ومنافع دينية، تلخص هدف الإسلام فى إرساء قواعد البِر، والتعاون المبني على أسس شرعية، ولذلك كانت من أهم وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، حين ابتعثهم للبلاغ، وبيان الإسلام، فعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال “إنك تأتى قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله”

قد يعجبك ايضا
تعليقات