القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

رمضان ويوم الفرقان ” الجزء الرابع “

94

إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الرابع مع رمضان والفرقان، وقد توقفنا عند، بقدر الجهد وبذل التعب، يكون الجزاء والثمن، وليس للكسالى إلا الخسار والدمار، والذل والعار، فلما أراد الله تعالى أن يُظهر دينه وينصر نبيه، جاء وفد من أهل المدينة إلى الحج، فلقيهم رسول الله صلى الله عله وسلم عند العقبة، فقال لهم “من أنتم؟ قالوا نفر من الخزرج، قال “أمن موالى يهود؟ قالوا نعم، ثم عرض عليهم الإسلام فأسلموا، فلما عادوا إلى المدينة نشروا الإسلام فيها، ثم تمت بيعة العقبة الأولى والثانية فيما بعد، وقد بين النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فى سنته النبويه الشريفه أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال ” ما من نبى بعثه الله تعالى في أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل “

والمراد بجهاد القلب هنا هو بغضهم وبغض حالهم التي هي عقيدة الولاء والبراء، وبدونها لا يصير الإنسان مؤمنا، فلما أذن الله بالحرب، وبايعه الأنصار، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فهاجروا سرا، ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له من غيرهم أصحاب في بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم أصبحوا آمنين أعزاء، فخافوا من خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وعرفوا أنه يريد حربهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما بينهم، وقد كان منظر بيوت المسلمين الخالية من أهلها يبعث على الإشفاق، ويثير في النفس الأحزان، وبعد أن تم اجتماع قريش فى دار الندوة، قال أبو جهل لعنه الله أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى قويا، ثم نعطى كل واحد منهم سيفا يضربون به محمدا ضربة رجل واحد، فيقتلونه، فنستريح منه، ويتفرق دمه في القبائل، فلن تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا، واتفقوا على هذا الرأس الرهيب.

فنزل جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له لا تنم على فراشك هذه الليلة، فلما أظلم الليل، اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام، فيقتحمون عليه الباب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، قال لعلى بن أبى طالب ” نم على فراشى وتسج ببردى، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه” وألقى الله تعالى القادر النعاس والنوم على المشركين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينثر التراب على رؤوسهم، ويتلو قول الله تعالى ” وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون” ولما أصبحوا، قام علي بن أبى طالب رضى الله عنه من الفراش، وفتح القوم أجفانهم، وصاروا ينفضون التراب والرمل عن رؤوسهم، وجُن جنون قريش، وجعلوا لمن يقتل محمدا أو يدل عليه مائة ناقة، وكان الطريق الذى سيسلكه المشركون ليلحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم هي الجهة من الجنوب إلى الشمال، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذكيا عبقريا، حيث سلك طريق العكس من الجنوب إلى الجنوب.

وهو عكس الطريق، فذهب إلى غار ثور فى جنوبى مكة المكرمة، وهكذا ينبغى للمؤمن أن يحدث نفسه بالجهاد، وشرف نصرة الدين، وإذا صدق فى سؤال الله الشهادة، بلغه الله منازل الشهداء، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث سهل بن حنيف عن أبيه عن جده عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” من سأل الله الشهاده بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ” ويجب علينا أن نعلم أن الابتلاء هو سنة من سنن الله تعالى في هذه الحياة، فدار الدنيا دار بلاء، فقد قال الله عز وجل، موضحا فى كتابه الكريم فى سورة البقره ” ولنبلونكم بشئ من الخوف، والجوع، ونقص من الأموال، والأنفس، والثمرات، وبشر الصابرين” وهذا الابتلاء ميدان تظهر فيه مكنونات النفوس، ومخفيات الصدور، كما قال الله تعالى فى سورة الأنفال “ليميز الله الخبيث من الطيب” وقال سبحانه وتعالى أيضا فى سورة آل عمران “وليعلم الذين نافقوا” والمؤمن الصادق شاكر فى السراء، وثابت في الضراء، وفى حكمة الابتلاء تستيقظ النفوس.

وترقّ القلوب، وتصدق المحاسبة، وفى ساعات الابتلاء يتجلى الثبات في الشديد من اللحظات، وسط صرخات اليائسين، وتبرم الشاكين، وقلق الشاكين، وإن الاستقامة على الحق، وملازمة العمل الصالح، من أعظم أسباب الثبات في الأزمات والملمات، ولا تطمئن إلى ثبات من الكسالى والقاعدين إذا أطلت الفتن برأسها، وادلهمت الخطوب بويلاتها، وقد وصل المشركون إلى هذا الغار، وفي داخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فخاف على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا يقول الله تعالى كما جاء فى سورة التوبه ” إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى إثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا” وقال صلى الله عليه وسلم لأبى بكر في الغار “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ وبعد ثلاثة أيام توجه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن هدأ الطلب، وكما قلنا أن فى الطريق رآهما سراقة سيد بنى مدلج، فتقدم شاهرا سيفه طامعا في الجائزة.

فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه إلى بطنه فى أرض صُلبة، فقال سراقة يا محمد، علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فدعا له فنهض الفرس، ورجع سراقة يعمي عنهما الطلب، وقد سمع المسلمون فى المدينة بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حوالي خمسمائة صحابى بأسلحتهم يستقبلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت النساء والصبيان ينشدون طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع ، أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع ، جئت شرفت المدينة مرحبًا يا خير داع ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بناء المسجد، ولما تَم بُنيت حجرات سكن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن أول عمل مدنى قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة أنه آخى بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك رضى الله عنه، وأيضا المعاهدة مع اليهود، حيث كان فى المدينة يهود بنى قينقاع وبنى النضير وبني قريظة.

فكتب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عهدا بين المهاجرين والأنصار واليهود، وأهم بنودها هو ألا ينصر ساكن المدينة من فعل شرا ولا يؤويه، وعلى اليهود أن ينفقوا على المسلمين ما داموا محاربين، ولا يخرج منهم أحد إلا بإذن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا نشأ خلاف بين أطراف هذه المعاهدة، فإن مرد الحكم فيه إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن بين أهل هذه الصحيفة النصر على من داهم المدينة، وأصبح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المرجع الأول والأخير في الحقوق المدنية، وهو القائد الأعلى في الشؤون العسكرية، وهو مؤسس الدولة الإسلامية، لها قاعدتها، ولها أرضها، ولها حدودها، ولما اقتربت قافلة أبي سفيان من هذه الحدود، خرج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لملاقاتها، وكانت غزوة بدر أول معركة حربية كبيرة وقعت بين المسلمين والمشركين، حيث كان الطريق من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة يمر من مدينة بدر، فترى قوافل الحجاج والمعتمرين، والمدينة متفجرة بالحيوية والحياة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات