القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن مشروعية الصيام ” الجزء العاشر “

90

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء العاشر مع مشروعية الصيام، وإن فى الصوم يتذكر المرء الفقراء والمعوزين فربما لا يذكرك بحال المحتاج خطب رنانة ولكنك حين تبقى ساعات بلا طعام ولا شراب تعرف حينها ماذا يعنى الفقر، وتسعى بعد ذلك لعون الفقراء والوقوف معهم، فيا أيها الصائمون حين يمسكم حرّ الجوع والعطش ليكن من أموالكم لإخوانكم نصيب فما المال إلا وديعة وما الأحوال إلا غير وربما كان منفق اليوم محتاج الغد، فقدم ليوم أحوج ما تكون فيه للإنفاق، وليس من التقوى أن يبيت المرء شبعان مرتوى وهو يرى الفقراء يئنون فلا يمد لهم يدا، ولا يبالى باستغاثة مستغيث وأنين محتاج، فإن فى الصوم قهر للنفس في كبحها عن شهواتها وهي التي لطالما تمنعت عن ترك محرمات اعتادتها وها هي اليوم تترك ذلك بمجرد بدء النهار برغم طوله حين عزمت عليها فاستفد ذلك فى الصوم ودع ذنوبا بها بليت غلبتك نفسك مرار فجاء رمضان فكنت أنت الغالب لأنك قررت أن تقهر نفسك وهواك، أما عن حكم صيام الجُنب.

فقد ذهب أهل العلم إلى جواز تأخير الغسل لمن جامع زوجته فى الليل أو لحقته جنابة إلى أن يصبح من غير أن يؤثر ذلك فى صحة صيامه، وذهب الإمام النووى إلى أن إجماع جمهور العلماء قد استقر على ذلك، ومن جملة ما استدلوا به ما أخرجه الإمام مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها قالت ” أن رجل جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يستفتيه، وهى تسمع من وراء الباب، فقال يا رسول الله، تدركنى الصلاة وأنا جنب، فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وأنا تدركنى الصلاة وأنا جنب فأصوم” فقال لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال صلى الله عليه وسلم” والله إنى لأرجوا الله أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى” وأماعن حُكم المُداعبة بين الزوجين أثناء الصيام، فإن حُكم المُداعبة بين الزوجين أثناء الصيام من أحكام الصيام المتعلقة بالمتزوجين، وقد ذهب أهل العلم إلى جواز المداعبة بين الرجل وزوجته أثناء الصيام، بشرط التأكد من عدم اشتداد الشهوة.

إلى الحد الذى يتم فيه إنزال المذى أو المنى، وفى حال خشية أحدهما، أو كليهما من إنزال المني أو المذي، فلا تجوز المداعبة لأن ذلك مما يعرّض الصيام للفساد، وأما عن أحكام الدورة الشهرية والصيام أجمع أهل العلم على حرمة صيام المرأة حال حيضها، سواء كان صيام فرض في رمضان أو صيام نافلة، فإن صامت لم يصح صومها، وللعماء فى الحكمة من تحريم صوم الحائض أكثر من رأى أحدهما أن الأمر تعبدى لا علاقة له بالطهارة، حيث يصح الصوم من الجُنب، والرأي الآخر أن صوم الحائض فيه ضرر على بدنها إذ يجتمع عليها ألم الحيض، وتعب الصيام، وحكم الطهر من الدورة الشهرية أثناء النهار إذا طهرت الحائض خلال نهار رمضان فهى فى لزوم الإمساك، وعدمه بين قولين، فالقول الأول أنه يلزم الحائض إذا طهرت خلال نهار رمضان أن تمسك، ويلزمها قضاء هذا اليوم، وهذا مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، واحتجّوا لذلك بوجوب صيامها إذا طهرت قبل الفجر، ولذا، إن طهرت بعده أمسكت.

وقاسوا المسألة على من ظهرت له البينة برؤية الهلال فيلزمه الإمساك مع القضاء، وهي كذلك تحقّق لها الطهر فلزمها الإمساك مع القضاء، وأما عن القول الثانى فأنه لا يلزم الحائض إذا طهرت أن تمسك خلال نهار رمضان، وهذا مذهب المالكية والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وحجتهم في ذلك أن إباحة الفطر لها فى أول النهار أباح لها أن تستديم الفطر إلى آخره كما لو أن العذر استمر معها، ولأن العلماء اتفقوا على وجوب قضاء هذا اليوم على الحائض، فيصح أنها غير صائمة، فلا معنى لإمساكها، وهي بذلك لا تعصى الله في ترك الصيام، ولا تؤدى بصيامها فرضا لله، واليوم وحدة كاملة، والصيام فيه عبادة واحدة فإن فسد آخره، فسد أوله، والعكس صحيح، وأما عن حكم تناول أدوية تأخير الدورة الشهرية فى رمضان فإنه يجوز للمرأة أخذ أدوية لتأخير الدورة إن لم يكن ثمة ضرر عليها، أما فى حالة كان الدواء يسبب ضررا عند أخذه فيعد تناوله من الأمور المحرمة وهذا ما يحدده الطبيب، وفى حالة تم أخذ الدواء.

فإن الصوم في حالة تأخر الدورة الشهرية صحيح إذ لا علاقة بين حكم أخذ الدواء وصحة الصيام، ومن الأفضل للمرأة أن تترك الأمور على طبيعتها كما أرادها الله، ولكن هل يشترط الاغتسال من الدورة الشهرية لصحة الصوم، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة صيام الحائض إذا طهرت من الحيض قبل الفجر، حتى وإن لم تغتسل، ووجه الاستدلال فى ذلك أن للرجل أن يباشر زوجته حتى يطلع الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الاغتسال بعد الفجر، وصيامه صحيح، وأما عن حكم صيام المستحاضة، فإن الاستحاضة تعنى استمرار نزول الدم على الحائض بعد انقضاء مدة حيضها المعتادة، والدم الذى ينزل عليها هو دم نزيف، أو ما يُعرف بدم الاستحاضة فإن كانت دورتها الشهرية منتظمة بحيث يكون لها عدد ثابت من الأيام، وتنزل فى وقت ثابت، فإنّها تتطهر، وتصوم، وتصلى حال انقضاء مدة دورتها، حتى وإن نزل عليها دم الاستحاضة إذ إن سببه قد يكون مرضا، او إجهادا، وما إلى غير ذلك من الأسباب.

ولا يمنع نزول دم الاستحاضة المرأة من أداء العبادات، وحكمها حكم الطاهرة، ويمكن للمرأة أن تميز دم الحيض عن دم الاستحاضة بالعلامات المميزة لكل منهما فهما مختلفان فى اللون، والرائحة، والكثافة، فإن لم تستطع التمييز، التزمت بعد الأيام الثابتة لدورتها الشهرية، وما يترتب على الإفطار بعذر الدورة الشهرية يجب على الحائض أن تقضي ما أفطرته فى شهر رمضان بسبب الحيض، وقد حكى ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على ذلك، ويجوز للمرأة التى أفطرت فى رمضان بسبب الحيض أن تؤخر القضاء إذا لم يكن الوقت ضيقا، مع بقاء الأصل فى الإسراع بقضاء الصوم الواجب، وفرق أهل العلم بين من جاء عليه رمضان آخر ولم يقضِ بعذر، ومن لم يقض بغير عذر فمن ترك القضاء بعذر كالمرض ونحوه لا حرج عليه، ولا يأثم بتأخير القضاء، ويبقى القضاء لازما فى ذمته دون الكفارة، أما من أخر القضاء بلا عذر فجمهور أهل العلم على أنه آثم بتفريطه، ويجب بحقه مع القضاء كفارة إطعام مسكين عن كل يوم.

واستندوا في ذلك لعدة أدلة، منها أن الصوم عبادة متكررة، كالصلوات المفروضة فلا يصح تأخير الأولى عن الثانية، وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس، وابن عمر رضى الله عنهما، ولم يرد خلاف في ذلك عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وخالف فى هذا الحنفية وبعض أهل العلم فقالوا لا تلزمه الكفارة بتأخيره لأنه صوم واجب أصلا، فهو كمن أخر النذر، إذ لا يجب عليه فى تأخيره كفارة، لكنهم استحبوا المسارعة إلى إسقاط الواجب، وهكذا فإن فى الصوم قمع للشيطان، وسد لمسالكه، وتضييق لمجاريه ولذا فالمرء حين تورث شهواته الكامنة ويخشى من المحذور فعليه أن يهرع للصوم والشيطان ذا كيد ضعيف وأنت تقدر على التغلب عليه ورمضان أراك أنك قادر، وكل هذه الحكم وأضاعفها كثير مع ما يقرره أهل الطب من فائدته الطبية حتى غدت مراكز الصحة الغربية تعالج بعض المرضى بالصيام وكلامهم في هذا كثير لكنه لا يعنينا كثيرا لأن المسلم على يقين أن الأمر يأمر به الله فيه النفع والخير.

قد يعجبك ايضا
تعليقات