بقلم/رانيا ضيف
تلك الفتاة التي كانت تتعرف على الحياة من نافذة الكتب، لاترى فى الناس سوى الوجه الطيب والقلب النقي؛ فتاة مفعمة بالحب متقدة الشغف ينهل من براءتها القمر فيكتمل نوره. روحها رقراقة تضاهي جداول المياه العذبة فى انسيابها بيسر ورقة، ترى الصدق مبدأ وغاية. تخالط الناس فلا ترى سوى بواطن الجمال فيهم. تزور الأماكن فترى فيها شخصيات رواياتها. تُجري حوارات مطولة معهم، وتنسج مشاهد من الحياة فتكتب؛ فتخلق من الواقع قصة ومن القصة أحداثا حية؛ تلك الفتاة الحالمة التي كانت تنام على عبق الورود وصوت الكروان، وتستيقظ علي أصوات العصافير وحديثهم المعلن مع نسمات الصباح الأولى، وهم يغادرون الشجرة التي تعاكس أغصانها شباك غرفتها، فتقرر كل يوم أن تنزل لحديقة منزلها فتقلم تلك الأغصان؛ فتتراجع رحمة بها وبالطيور التي تقيم أعشاشها هناك.
صاحبة القلب الرحيم؛ كانت أهم صفاتها الطيبة.
أنظر فى مرآتي اليوم فأجد شبيهتها، وقد غزت بعض الشعيرات البيضاء سواد شعرها الحالك،
وظهرت بعض التجاعيد الخفيفة بجانب عينيها؛ تلك العيون التي أضحت تصدر القلق للمرآة، فتلتقطه منها ليستقر بنظرة فى القلب
لم تعد حالمة بعد أن احتلت الحيرة منابر الروح، أصبحت تعي أن الصدق ليس الوسيلة الأمثل للوصول بعد أن دخل الزيف والمصالح فى المنافسة.
مازال الحب حيا فى القلب لكنه مهموم يصارع الدنيا ليتنفس، ومازال الإصرار يطل من عيونها، ولكن الطرق وعرة والطريق طويلة؛ أضحت الثقة كسفينة فى بحر لجي تغالب الأمواج لتستقر، والشغف يتوهج وينطفئ كشمعة يشاكسها الهواء يُوشك أن يطفئها، وما أن تنطفئ فيعود ليبث فيها الحياة فتشتعل من جديد.
تلك الفتاة علمتني أن أنظر دوما خلفي لأستلهم من نورها قبسا عندما يضيع من قدمي الطريق .