كتبت /سهام سمير
توجنا قصة حبنا أيام الجامعة بالزواج، وبدأنا سويا في تأثيث منزلنا بذوق لا نختلف عليه كثيرا.
يقولون الزواج نهاية كل قصة حب، فهمت أنهم يقصدون نهاية سعيدة ونعيش في تبات ونبات ونجيب أولاد وبنات.
لكن بمرور الوقت اكتشفنا سويا، أن النهاية التي يعنيها القول هي نهاية الحب ذاته.
وهكذا انتهت قصة حبنا بالزواج، لكننا أكملنا ما بدأناه فقط لنثبت للعالم أن اختيارنا كان صحيحا.
تغافلنا ومررنا مرور الكرام بالمشاكل التي تبروز خلافاتنا يوميا.
اعتقدنا أننا كلما تجاهلنا المشكلة، وتجنبنا النقاش فيها، أننا بذلك نرسي الاتفاق بيننا أكثر، لكن ما حدث أن المشاكل تكبر حتى لو في الظل والخلفية وأن كوننا لا نراها، لا يعني أنها غير موجودة.
انتظر كل منا أن يواجه الآخر ونضع حدا لهذه الحرب الباردة، بالحصول على الاستقلال والانفصال.
لم يمضي وقت طويل حتى نشبت مشاجرة، وكعادتنا كنا سنجمع بقاياها ونخفيها تحت السجاد، ونطويها كما طوينا مثيلاتها، لكن ما حدث فاجئني أنا شخصيا.
طلبت الطلاق وأصررت عليه، كان الكوب قد امتلأ عن آخره وفاض فلم يعد عندي مجال للمفاوضات ولا المداراة كما اعتدنا.
لم نرزق بأطفال، فلم يكن من حقي الشقة، لكنه عرض أن أخذ منها كل ما أريد وعن طيب خاطر.
رتبت حاجياتي في صناديق واتصلت بشركة لنقل الأثاث.
أول يوم لي في المنزل الجديد، أفرغت محتويات الصناديق، ووضعت كل شيء في مكانه الجديد المخصص له.
كنت أفتقد شيئا ما، بحثت في المنقولات، وجدت أني أفقد الخلاط الكهربائي.
اتصلت بطليقي لأطلبه منه.
أجابني من أول مرة، أخبرته بما نسيت، فأخبرني أنه خير أني نسيته، لأنه يحتاجه.
لم أعرف ما جعلنا نكمل في النقاش، وكل منا يدافع عن ملكيته له.
طالبته بشراء آخر جديد، فرد بنفس الطلب لي.
احتدت المناقشة، وعلى أثرها طلقني مرة ثانية ونحن ما زلنا نتمم اجراءات الطلاق الأول، فعرفت أننا تطلقنا كثيرا قبلها، كل مرة احتدت المناقشة وانتهت بمعادلة صفرية، كنا نصل لطريق مسدود وهذا أصعب من الانفصال بكثير.
تمسكت بأحقيتي في الخلاط، من ناحيته تمسك هو الآخر، وفي لقاءنا لإثبات من منا يحق له الاحتفاظ به، كانت له الغلبة بالقوة البدنية، وكانت لي جولة بإطلاق شتائم وألفاظ فتشاجرنا بالأيدي وسقط الخلاط بيننا صريعا على الأرض.
بكيت كسره، وبكي خسارته، واحتجنا لأن نتعانق ونواسي أنفسنا في فقد أغلى ما امتلكنا طيلة فترة زواجنا.
أما لماذا أحب الخلاط لهذه الدرجة؟ فلأنه كان أنيسي في أيام خصامنا، وتجاهل كل منا الآخر.
كان يحل مشاكلى مع زوجي، أرمي بكل المكونات وأضغط على الزر فيصير سائلا متجانسا، فيأخذني هذا المشهد المهيب.
حتى الجماد له القدرة على الانسجام، وهضم مكوناته، وخلطها ببعض لتكون هذه الخلطة السرية والنكهة المميزة.
حين عدت إلى بيتنا، بعد أن تصالحنا، سألت زوجي في أول ليلة لي في بيتي: ما سر تعلقك بالخلاط؟
أجابني: بأنه يحب كل ما أحبه.
وكانت المرة الأولى التي نعيد سيرة الحب المنهية من فترة.