بقلم د/ حنان عبد القادر محمد
عزيزي القارئ كُلّ شيء جَدِيد في البِداية يَحتاج وسائل وَطُرُق مُخْتَلِفَة ويَحتاج أيضاً لتقبل أفراد المجتمع، فتغير اَلْعُرْف اَلسَّائِد وَالطُّرُق التقليدية يَحتاج وقَت لَيس بالقليل، وفي عالمنا اليوم أصبح هُنَاكَ الكثير والكثير من أشياء جَديدة فرضتها اَلْعَوْلَمَة وَالثَّوْرَات اَلصِّنَاعِيَّة ومِنها اَلتَّحَوُّل للعصر الرقمي وظَهر مُصْطَلَح اَلتَّحَوُّل الرقمي وبِقوة عَلى اَلسَّاحَة العالمية والحَاجة أَصْبَحْت مُلِحَّة لمٌواكبة هَذا التطور لجميع الِدول وخَاصة الَدول النَامية.
وإذا تحَدثنا عن اَلتَّحَوُّل اَلرَّقْمِيّ فإنه يَحتاج اَلْكَثِير من إدارة التغيير، وَرُبَّمَا يَتِم إنفاق اَلْمَزِيد مِن اَلْمَال والوقت وَالطَّاقَة في البداية في هذا التحول أكثر من أي شيء آخر، ولكن الاستثمار سَيَكُونُ مُبْهِر في اَلْمُسْتَقْبَل، فقَد تَحتاج اَلْمُؤَسَّسَات في اَلرِّحْلَة اَلرَّقْمِيَّة إلى إِعَادَة اَلتَّفْكِير في الأدوار والعَمليات الأساسية. وأي عَملية جَديدة لِلتَّحْدِيثِ وَالتِّكْنُولُوجْيَا لا بُدّ أن تُوَاجِه بَعض اَلْمُقَاوَمَة، وَهُنَا أولاً وقبل هَذا اَلتَّحَوُّل لا بُدّ من دراسة اَلْمُؤَسَّسَة، هَل الثقافة فِيها تُشَجِّع على اَلتَّحَوُّل الرقمي لأننا نُرِيد تَفْعِيل اَلْإِجْرَاءَات، تَفْعِيل الأنظمة، تَفْعِيل الهيكليات، إلغاء نِظام تقليدي ووضع نِظام تِقني جَديد.
فبِقَدر ما قَد يَحْدُث لِلْمُؤَسَّسَاتِ مِن اِضْطِرَاب خَارجي في جُزْء من هذه اَلتَّغْيِيرَات لِلْوُصُولِ لأهدافها في اَلتَّحَوُّل، من اَلْمُحْتَمَل أيضًا أن يَكُون هُنَاكَ اِضْطِرَاب داخلي حَاد. هَذا هو السبب في أن الأفكار اَلرَّقْمِيَّة اَلرَّائِعَة في واقع اَلتَّحَوُّل الرقمي قد لا تَبدو رائِعة أو صَديقة لأصحاب المَصلحة داخل اَلْمُؤَسَّسَة، فهم اَلْمُسْتَفِيدِينَ من اَلطُّرُق اَلتَّقْلِيدِيَّة والتي لا يُمْكِن اَلتَّحَكُّم بأغلبها بِشكل يَمْنَع الفَساد وَالْمُجَامَلَات وغَيرها، وقد يَكُونُونَ مُعَادِيَيْنِ للغاية وبِطريقة مُنَظَّمَة أيضاً، لِيُسَلِّطُوا اَلضَّوْء على نَواحِي اَلْقُصُور وعَدم اَلْمُسَاعَدَة في عِلاجها بَدلاً من تَسليط اَلضَّوْء على النواحي الإيجابية التي تُحَقِّق اَلنَّجَاح والتغيير.
وقَد تَتضمن هَذه اَلتَّغْيِيرَات بإيجابياتها وسلبياتها مُنْحَنَيَات تَعلم وخبرة عَمِيقَة للقَائمين بالتغيير، مَع خَسائِر أولية في الكَفاءة أو اَلْفَعَّالِيَّة، حَيث أن اَلنِّظَام الأساسي يَمُرّ بِمرحلة انتقالية، فَمِنْ اَلْمُرَجَّح أن تَسُوء اَلْأُمُور أولاً قَبل أن تتحسن، ولو أعطينا مِثال ولادة طِفل جَديد ومَا تَمُرّ به اَلْأُمّ بمراحل عَصيبة قَبل ولادته، وحَتى بَعد اَلْوِلَادَة قَد يَحْدُث انخفاض شَديد في نِسبة بَعض اَلْهُرْمُونَات في الجِسم قد تُسَبِّب بعض الاكتئاب، ولكن لا يَمْنَع من وجَود طِفل جَديد بِحَيَاة جَديدة، يَجب أعطاءٌة اَلرِّعَايَة والاهتمام، وَالِاسْتِمْتَاع به بعد فترات اَلتَّعَب والإجهاد، وهَذا شيء طبيعي في أي شيء جديد يتم تطبيقه.
وقَد يَقع اَلْعَدِيد مِن قائدي وفِرق مَشاريع اَلتَّحَوُّل اَلرَّقْمِيّ وتَحويل الأعمال في فَخ اَلتَّفْكِير في أن جَميع اَلْعَامِلِينَ بِالْمُؤَسَّسَةِ يَدْعَمُونَ التغيير. قد يكون هذا صحيحًا على اَلسَّطْح، لكن الكَامن تَحْت السطح هُوَ مُقَاوَمَة للتغيير مقصودة أو غَير مقصودة ولكنها قوية من بَعض العَاملين بِالْمُؤَسَّسَةِ. بِمُجَرَّد أن يُدْرِك بعض العَاملين من مٌقاومِى التغيير بِالْمُؤَسَّسَةِ أن وظائفهم تتغير، يشعرون أن معرفتهم القَبلية تُصْبِح أقل قيمة، ويَخشون فِقْدَان اَلْقُوَّة وَالتَّأْثِير وَالْمُجَامَلَات وَالنُّفُوذ وغَيرها.. مما يُؤَدِّي إلى مُقَاوَمَة شديدة للتغيير.
فالرحلة مليئة بالمَطبات والمصَاعب والتحديات حَيْثُ يُمْكِن لوتِيرة اَلتَّغْيِير ومدى اَلتَّغْيِير أن يُزْعِج بعض العَاملين بِالْمُؤَسَّسَةِ ويَتجَلى في شَكل مُقَاوَمَة، تَحُول أو تُؤْثِر في أخَذ المَسار الجَيد لِلتَّحَوُّلِ اَلرَّقْمِيّ وتحقيق الأهداف اَلْمَرْجُوَّة. وقد يَرجع ذلك لبَعض الأسباب أهمها:
السبب الأول مُقَاوَمَة تَعَلُّم طُرُق وَتِقْنِيَّات جَديدة: فالتغيير يتطلب تَعَلُّم طُرُق جَديدة، وقَت أكثر لِلتَّعَلُّمِ، إجراءات جَديدة، والتعاون على نِطاق أوسع والذي أَصبح الآن عُنْصُرًا جَوْهَرِيًّا. فَمُعْظَم الأفراد اَلرَّافِضُونَ لِلتَّغْيِيرِ في اَلْمُؤَسَّسَات يَرْفُضُونَ طُرُق اَلتَّحَوُّل عَن طُرُق عمل تَم مُمَارَسَتهَا لسنوات عَديدة وأصبحت جُزْء مِنْهُمْ ومِن تَقْيِيمهمْ دَاخل اَلْمُؤَسَّسَات وخَوفهم مِن أن اَلطُّرُق الجَديدة قَد تَكُون سَبب في تَرَاجُعهمْ عن مُسْتَوَيَاتهمْ الوظيفية، وَظُهُور مَن هُمْ أَكْثَر كَفاءة وإبداع، فَالْمُقَاوَمَة تَكْمُن في شُعُورهمْ بِفِقْدَان وظائفهم أو تَغْيِير عملهم وَهُنَا يُصْبِح اَلتَّحَوُّل الرقمي بِالتِّكْنُولُوجْيَا لا يكفي، يَجب أن يَكون هُنَاكَ تحَول بالثقافة وَهُنَا يُمْكِن أن يكون مِن اَلْمُتَطَلَّبَات برَنامِج تَحول ثَقافى رَقمى يَتم التٌوعية مِن خِلاله.
السبب الثاني التهديد اَلْمُتَصَوِّر لِلتَّغْيِيرِ: فَيُرِي معارضي اَلتَّغْيِير لِلتَّحَوُّلِ الرقمى لِلْمُؤَسَّسَاتِ أن هَذا اَلتَّغْيِير سيتسبب في إرباك العمل وان العَاملين بِالْمُؤَسَّسَةِ لَيْسَ لَديهم اَلدَّافِع لِلتَّغْيِيرِ وأنه سَيُؤَدَّى لِخسارة اَلْمُؤَسَّسَة، وَيُرَوِّجُونَ لِذلك بِشدة حَتى تُصْبِح ثَقافة خَوف من التغيير، وهي أَسباب غَالباً لا تَنْبُع مِن خَوفِهم عَلى خَسَارَة اَلْمُؤَسَّسَة المَادية بِقدر خَوفِهم مِن تَهْدِيد أوضاعهم وَنُفُوذهمْ دَاخل مُؤَسَّسَة يُمْسِكُونَ بأهم قراراتها ومواردها.
السبب الثالث هو قِيمة الإجراءات: فالإجراءات اَلْمُتَّبَعَة جُزْء مِنْهَا آلي وَجُزْء مِنْهَا بَشري يدوي وَهُنَا يُمْكِن أن تُلْغَى اَلتِّكْنُولُوجْيَا جُزْء مِن الإجراءات اليَدوية، وهَذا ما يُسَبِّب انزعاج لَدى الكَثيرين مِن اَلْمُنْتَفِعِينَ بِالنُّظُمِ القَديمة، وَيُمْكِن إدخال مَجموعة من الأنظمة تُلْغَى إِجْرَاء يدوي كَامل وَهُنَا تَأتى إِعادة هَنْدَسَة الإجراءات المَطلوب إدخالها بعمق اَلْمُؤَسَّسَة بما يَتناسب مع التطوير التكنولوجي والاستراتيجية المستخدمة، ولا بُدّ أن يَتم تغيير ثقافة أن الإجراءات لا تُؤَدَّى لتَخفيض العَاملين بِالْمُؤَسَّسَاتِ، ولكن تغيير طريقة عملهم، لِطَرِيقَة أفَضل لهم وَلِلْمُتَعَامِلِينَ مع اَلْمُؤَسَّسَة.
السبب الرابع عَدم مَعْرِفَة اَلْمُتَوَقَّع مِن اَلتَّغْيِير: فَغالبًا مَا تَحْدُث اَلْمُقَاوَمَة بِسبب عَدم مَعْرِفَة مَا هُوَ مُتَوَقَّع مِن فرد أو فَريق أثناء اَلتَّغْيِير. فَيجِب إِدارة حَالة عَدم اليَقين هَذه مِن خِلال تَوْفِير اَلْوُضُوح بِشأن الإجراءات وَالسُّلُوكِيَّات التي يَجِب أن تَتَوَقَّف، والتي يَجب أن تَتَغير (وإلى ماذا) وَاَلَّتِي يَجب أن تَستمر، ويَجب تَغْطِيَة كل نِظام وعَملية تَأثرت بالتحَول اَلرَّقْمِيّ.
ويَحتاج القَادة الَرقميٌون تَوَخِّي الحَذر حَتى لا يَخلطوا بَين اَلتَّهْدِيد اَلشَّخْصِيّ مِن الأَفراد دَاخل اَلْمُؤَسَّسَات محاربي اَلتَّغْيِير (أي من يُمْكِنهمُ أن يَقوموا بالمساعدة في اَلتَّغْيِير ولَكن لا يُسَاعِدوا ويهاجموا لأنهم سيفقدون نُفُوذ أو فَساد أو. . . ) وغَيرهم مِن مُقَاوِمِي اَلتَّغْيِير (من لا يُرِيدوا اَلتَّغْيِير حَتى لا يُرْهِقوا أنفسهم في اَلتَّعَلُّم الجَديد أو تَغْيِير النظام اَلْمُعْتَاد)، وبَين مُحِبِّي اَلتَّغْيِير ويعَرفون قيمته لِلْمُؤَسَّسَةِ ويحاولون المساعدة؛ فالأول يَجِب الاحتراس منه وإبعاده حتى يتم التنفيذ والثاني إعطائه ثقافة يَشترك فِيها الجَميع وَالثَّالِث إعطائه فُرْصَة جَيدة لِلْمُشَارَكَةِ والابتكار.
وعلي اَلرَّغْم مِن أي مُعَوِّقَات أو مُقَاوَمَة؛ يَجب على اَلدُّوَل اَلْمُضِيّ قُدُمًا نَحو العَصر اَلرَّقْمِيّ، ولا يَتم اَلتَّرْحِيب بالابتكار فحَسب بَل يَتم تَشْجِيعه، وَتَمْكِينه بِشكل أسرع لتَحقيق اَلنَّتَائِج اَلْمَرْجُوَّة وَالسِّير نَحو اَلنَّجَاح، وتَوفير إستراتيجية لخَلق قِيمة تَنافسية أَعْلَى، وفِرق عَمل مُتَطَوِّرَة، وَاسْتِدَامَة ثَقافة اَلْإِبْدَاع، ويَجِب إِعَادَة تَشْكِيل اَلطَّرِيقَة اَلَّتِي يَعِيش ويَعمل وَيُفَكِّر ويتفَاعل ويتواصل بها الأفراد، اعتماداً على التقنيات اَلْمُتَاحَة، وتحسين الكفاءة وتقليل الإنفاق، وتَطبيق خِدْمَات جَديدة بِسُرْعَة وَمُرُونَة، وَتَحْقِيق تَغيِير جَذري في اَلْخِدْمَات اَلْمُقَدَّمَة للأفراد في مجالات الصحة والتعليم والسلامة والأمن، وتحسين تجاربهم وإنتاجيتهم، والاستفادة من التقنيات الحديثة لتَكون أكثر إدراكاً وَمُرُونَة في العَمل وَقُدْرَة على اَلتَّنَبُّؤ وَالتَّخْطِيط لِلْمُسْتَقْبَلِ.
وأخيرا عزيزي القارئ يجب أن نعلم أن عَملية اَلتَّحَوُّل الرقمي هي مَجْمُوعه من اَلتَّحَوُّلَات وَلَيْسَتْ اَلتِّكْنُولُوجْيَا فَقط، فَالتحول الرقمي يُسْتَدْعَى تَحولاً تنظيمياً يَحتاج قِيادات واعية مِن اَلنَّاحِيَة التخطيطية واَلتِّكْنُولُوجِيَّة، بفريق عمل جيد، فالقَائد والقَائم على اِسْتِرَاتِيجِيَّة اَلتَّحَوُّل الرقمي يَجب أن يَكُون لِدِيَة عَقلية قِيادية جَديدة مُتَخَصِّصَة في القِيادة الإدارية والقيادة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة وأن يَكُون مُقْتَنِع بهذه الاستراتيجية، حَيث يَتطلب اَلتَّغْيِير اَلرَّقْمِيّ اَلرَّائِد من القِيادات وَالْمُدِيرِينَ الأكفاء أن يَفهموا أولاً نِقاط مُقَاوَمَة اَلتَّغْيِير قَبل أن يَتَمَكَّنُوا من التعَامل مَعها بِنَجَاح. . وللحديث بقية، ،