القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

شهر رمضان شهر العزة والنصر ” الجزء الخامس “

96

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع رمضان شهر العزة والنصر، ولم يؤخر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان، مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر، وفي الحديث عن أبى الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله قال ” غزوة فى البحر خير من عشر غزوات فى البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها” فلم يُؤخروا الجهاد لأن الجهاد لا يُؤخر، والمسلمون في جهاد دائم لذلك لم ينتظروا انتهاء رمضان، بل منَّ الله عليهم بفتح الجزيرة في رمضان سنة ثلاثة وخمسين من الهجرة، ويتسلسل بنا التاريخ لنصل إلى رمضان سنة واحد وتسعين من الهجرة ليفتح المسلمون أولى صفحاتهم فى سفر الأندلس الضخم، فى رمضان حيث تنزل الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير رحمه الله بقيادة طريف بن مالك لاستكشاف الأندلس، وفي رمضان سنة اثنين وتسعين من الهجرة يلتقي المسلمون وهم إثنتى عشر ألف رجل بقيادة طارق بن زياد بمائة ألف إسبانى صليبى بقيادة رودريك أو في الروايات العربية يسمونه لوذريق.

 

وكانت معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفي عقر دارهم، والفارق هائل فى العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، وقد استمرت ثمانية أيام متصلة ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من ثمانى مائة سنة، وهذا الانتصار الباهر كان فى رمضان سنة اثنين وتسعين من الهجرة وذلك فى فتح الأندلس أو موقعة وادى برباط، فهى معجزة عسكرية بكل المقاييس، تغير على إثرها كل تاريخ المنطقة في شمال إفريقيا وفى غرب أوربا، بل تاريخ أوربا كله، ولقد كان من أهم الغزوات التي سجلها التاريخ الإسلامى خلال شهر رمضان المبارك، هى غزوة بدر الكبرى فى السنة الثانية من الهجرة فى اليوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك، وفى السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، دارت رحى معركة فاصلة بين الإسلام والكفر، بين الإيمان والطغيان، بين حزب الله وحزب الشيطان، تلكم هي غزوة بدر الكبرى، إنها موقعة فاصلة فى تاريخ الإسلام والمسلمين، بل فى تاريخ البشرية كلها إلى يوم الدين، إنها معركة الفرقان.

 

فيقول تعالى فى سورة الأنفال ” إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير” وهذه الموقعة شكلت محطة بارزة فى رد العدوان الشركى إذ مكث النبى صلى الله عليه وسلم بضع عشرة سنة ينذر بالدعوة من غير قتال، صابرا على شدة إيذاء العرب بمكة المكرمة، واليهود بالمدينة المنورة، فكان يأتيه أصحابه ما بين مضروب ومجروح، يشكون إليه حالهم، ويطلبون منه السماح لرد العدوان بالمثل، فيقول لهم النبى صلى الله عليه وسلم “اصبروا لأني لم أؤمر بالقتال” حتى إن بعض أصحابه قتل من جراء العذاب، ومنهم سمية أم عمار بن ياسر، وزوجها ياسر، فقد عذبهما المغيرة على إسلامهما ليرجعا عنه، وماتا تحت العذاب، والغزوة ليست للاعتداء والظلم، كما هو حال الدول الباغية الظالمة المستكبرة فى الأرض، بل وسيلة لدفع العدوان وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى كما جاء فى سورة الحج ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ”

 

وإلى ذلك ما مُني به المسلمون من الظلم والاعتداء، وما أكرهوا عليه من الإخراج من الديار والأوطان بغير حق ويقول الله سبحانه وتعالى، كما جاء فى سورة النساء ” وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذة القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا” وتلبية للنداء الربانى، وسعيا للقضاء على الظلم بأنواعه خرج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا لاعتراض قافلة تجارية قادمة من الشام، فيها أموال عظيمة لقريش، يقودها أبو سفيان بن حرب، فلما علم أبو سفيان بخطة المسلمين انحاز بالقافلة، ولحق بساحل البحر، واستنفر قريشا للدفاع عن تجارتهم وأموالهم، فخرجوا في ألف شخص مزهوين بقوتهم وعتادهم، يعلنون التحدى والطغيان، فيقول تعالى فى سورة الأنفال ” ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل والله بما يعملون محيط” فالتقى الجيشان صبيحة يوم السبت

 

السابع عشر من شهر رمضان، في منطقة بدر بين مكة والمدينة، فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لأختلفتم فى الميعاد ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حى عن بينه وإن الله لسميع عليم” وكان المسلمون لضعفهم وقلة عتادهم يودون الظفر بالقافلة، ولا يتمنون لقاء الجيش المكى فيقول تعالى ” وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين” وعندما بدأت المعركة، وحمى وطيسها، واشتد أوارها، واشتعلت نارها، أيد الله سبحانه وتعالى أهل الحق بملائكة السماء، فقال تعالى ” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين” بل وقاتلت الملائكة مع المؤمنين، فإنها ليست بطولات أرضية محضة، بل هى مؤيدة من قِبل الله سبحانه وتعالى وتستمد قوتها من خلال دعائه صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة به، واللجوء إليه.

 

والتوكل عليه، فيمُد أصحابها بتأييده ونصره، فقال تعالى ” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” فكانت النتيجة هزيمة ساحقة وقعت على الظلم والشرك وأهله، وأعوانه ومؤيديه، وتمخضت عن هلاك عدد كبير من فراعنة قريش وصناديدها، وهكذا فإن دعوة الإسلام اليوم تواجه ظروف المسلمين الذين خاضوا معركة بدر، فنصرهم الله وأعزهم، وجدير بنا أن نتلمس العبر والعظات من هذه الغزوة المباركة لتكون لنا نِبراسا وهاديا، ونحن نخوض معركتنا مع أعداء الله تعالى، وتظهر للمتأمل جملة من الحقائق التي تنير الطريق، وهى إن الدعوات الأرضيةَ لن تجمع الأمة، ولن تنشئ قاعدة صلبة تحفظ الأمة، وتعيد لها كرامتها، فلا اللغة، ولا القومية، ولا الأنساب، أغنت يوم بدر، بل العقيدة الإسلامية، وإن النصر ليس بالعدد الكثير ولا بالسلاح الوفير، بل إنه مقرون بالإخلاص في العمل، وجميل التوكل على الله، وإن النصر فى غزوة بدر، لم يكن لفئة خاصة أو دولة معينة، بل لعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

فعلى المسلم ألا يستعجل النتائج، ولا يطلب منه سوى القيام بالواجب وهو الإخلاص في العمل، الاستعداد، العدة العسكرية، وكان فى شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، فتح عظيم وهو الفتح الأكبر، ألا وهو فتح مكه، حيث يقول تعالى فى ذلك الفتح ” إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا” وقد ورد فى تفسير هذه السورة الكريمة أن المراد بالنصر، هو العون، وأما الفتح، فهو فتح مكة، كما قال مجاهد، وعن الحسن رضي الله عنه قال “لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، أى طاقة فدخلوا فى دين الله أفواجا، وكان فتح مكة فى الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة وقد شكل الآية العظمى على مدى الأخلاقية النبوية الإنسانية التى التزم بها الرسول صلى الله عليه وسلم مقدما أرفع نموذج للتسامح والتواضع والسمو الذى عرفته البشرية عبر تاريخها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات