القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

شهر رمضان ” الجزء السادس “

84

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء السادس مع شهر رمضان، وإن الله عز وجل نهانا أن تلهينا الدنيا عن الآخرة، فقال تعالى كما جاء فى سورة العنكبوت” وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان” ويعنى ذلك الحياة الدائمة التى لا زوال لها ولا انقضاء، الحيوان الممتلئة بالحياة المستديمة للحياة، وإذا كانت الشياطين تصفد فى رمضان فإن المصيبة في شياطين الإنس، فكل الشياطين قد باتت مصفدة فما السبيل إذا الشيطان إنسان، ولذلك فقد حرص أرباب الفساد، وأعداء الأمة، لما عرفوا فضل الشهر، وكثرة من يتوب فيه، واجتهاد الناس فيه بالطاعة، والإقبال على الله، والترك للمنكرات، عمدوا إلى إفراغ الشهر من محتواه ومضمونه، وإلى قطع الطريق، فهم لصوص في الحقيقة، لصوص رمضان، يشغلون الناس بالطرب والألحان، والأمسيات الفارغات، وهذا شهر التوبة والإنابة إلى الله، فكيف يملئ بمثل هذا، فإنه توظيف للباطل، وإشغال للناس، ساعات هائلة فى هذا اللهو والعبث، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه.

لا ينقص ذلك من آثامهم، فإذا كان الأمر كذلك، فإنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فوزر هؤلاء عليهم، ومثل ذلك أوزار الذين التهوا بما قدموه من الباطل دون أن ينقص من أوزار المشاهدين شيء، والواجب مقاطعة كل قناة تصد عن سبيل الله، وتلهي عن طاعة الله، وتعرض ما يغضب الله تعالى، وينبغى أن يغار المسلم على صومه، وأن يحفظه، وهذا الصوم عبادة عظيمة، وركن ركين من أركان الدين، ولقد لسلفنا فيه حياة الليل والنهار، فكانوا يحيون ليلهم بطاعة ربهم بتلاوة وتضرع وسؤال، وعيونهم تجرى بفيض دموعهم مثل انهمال الوابل الهطال، ولقد قال تعالى ” أياما معدودات” فلا تستطيلوها، ولا تستكثروها، إنها تنقضي سراعا، وهكذا ما أن يبدأ الشهر حتى يتصرم الثلث، ثم الثلثان، ثم تنقضي العشر الأواخر، وإذا كان الله تعالى قد فرضه لأجل التقوى، فقال تعالى ” لعلكم تتقون” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر” فلا بد من صيانة العبادة.

عما يبطلها، وعما يحبطها، وحتى عما ينقص أجرها، فلماذا لا نلغى فى رمضان كل شيء يلهي عن ذكر الله، ويجر الناس حتى للتأخر عن صلاة العشاء والتراويح لتسمرهم وانجذابهم إلى مثل هذه الملهيات، ولماذا لا يكون عندنا صبر، وإرادة، فلا نفتح أي باب للشر، فقال تعالى ” تلك حدود الله” فينبغى أن يكون هذا الشهر فرصة لتربية أنفسنا، وأولادنا، وأهلينا على طاعة الله تعالى، وليس المطلوب أن يفاجئ الأئمة بظهور الناس بكثرة في رمضان في أوله فقط، فلقد كان السلف يجتهدون في شعبان أيضا، والتوبة لا تؤخر إلى رمضان، بل الآن حتى قبل دخول رمضان، وتعظم في رمضان، والدعاء الآن، ويعظم إذا دخل رمضان، والقرآن الآن، ويكثر إذا دخل رمضان، فإنها الفرصة المواتية لكل مسلم، والدنيا فرص إن اغتنمها المرء بلغ منتهى الآمال، وإن فرط فيها أو فوتها فهو المغبون الخاسر، إنها فرصة من فرص الآخرة من تعرض لنفحاتها وأحسن التعامل معها بصدق غُفر ذنبه وتفتحُ له أبواب الجنان، وكم تمر بنا الفرص.

ونحن لا نشعر، الصلاة فرصة يومية، الثلث الأخير من الليل، ساعة الإجابة فى يوم الجمعة، الصيام، ليلة القدر، الست من شوال، عشر ذى الحجة، يوم عرفة، الحج، يوم عاشوراء، وهذه فرص وما أعظمها، الواحدة منها تحمل فى طياتها السعادة والقبول، فرص من المنعم المتفضل، فأين الذين يسارعون فى الخيرات، وقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستة أخرى أن يتقبله منهم، إن إكرامنا لضيف بهذه المثابة يكون بالجد والاجتهاد، وهذا هو الهدى النبوى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل يكون أجود بالخير من الريح المرسلة” رواه البخارى، وهكذا كان الصحابة والتابعون والصالحون على هذا المنوال في الاقبال في رمضان على القرآن والمساجد والبر والدعاء، وإن هناك أقوام لا يعرفون الله إلا في رمضان، وهذه مخادعة وتسويل من الشيطان، وأقوام تعساء بلداء يستقبلونه بالضجر والحرج.

على أنه شهر جوع نهارى وشبع ليلى فيحسون بالحرمان فلا يفرحون بقدومه، فإن رمضان فرصة وأى فرصة لتصحيح المسار، وبداية النهاية لكل شيء يبعد عن الله، خصوصا والنفوس مهيأة للخيرات، مقبلة على التراويح والقنوت والدعوات، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أن من نعم الله علينا أن مدّ فى أعمارنا فأدركنا شهر رمضان، فكم غيب الموت من صاحب ووارى الثرى من حبيب، وكم من إنسان أمل صيامه وقيامه فخانه أمله وصار قبله إلى القبر وظلمته، فبادروا وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، فإن الفرصة تعنى مجموعةً من الظروف الحياتية المستقبلية المحببة للنفس، وتقدم لنا فوائد شخصية معينة فى ظروف مهيئة ومساعدة لتحقيق أهداف شخصية منشودة، واغتنام الفرص فى رمضان له بُعد مغاير، ومعنى عميق، يحتاج منا إلى سرعة فهمه واستنتاجه، وتتمحور بعض هذه الفرص في قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” رواه مسلم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” رواه ابن ماجة، لذا فإن أية فرص ميسرة لنا، وتحقق المعنى المطلوب لهذا الحديث العظيم، سوف يحاول إبليس عليه لعنة الله جاهدا ألا يجعلنا نراها، ويشغلنا عنها أيضا، وإذا رأيناها، فسيقاتل حتى لا نستثمرها الاستثمار الأفضل، ويحاول بكل إمكاناته الخارقة ألا نستفيد منها بصورة فاعلة، وإن استفدنا منها، فسوف يلهينا بنقلها للآخرين، وهكذا دواليك، دون ملل أو كلل، فكم من فرصة مضت مع أيام العمر ما لفواتها ثمن، فرصة الشباب حين لا تغتنم قبل الهرم، وفرصة الصحة حين لا تغتنم قبل المرض، وفرصة الغنى حين لا تغتنم قبل الفقر، وفرصة الفراغ حين تضيع قبل الشغل، وأعظم الفرص، فرصة الحياة حين لا تنتهز قبل الموت، وإن اغتنام هذه الفرص لا يكون إلا بالبدار إلى الخير والمسارعة إلى البر، وهذا دليل على قوة إرادة المغتنم لها وعزمه الموفق ومن فرح بالبطالة جَبن عن العمل، فإن هذه الدنيا متاع زائل كمائدة شبعها قصير.

وجوعها طويل، فمن اشتغل بها خسرها وخسر الباقية، وعندما يمضى رمضان وينصرم يخلف وراءه الناس على أنواع، نوع ظن أن الله لا يُعبد إلا فى رمضان، فهاجر بيوت الله، وانقطع عن الطاعات، وانغمس فى الأهواء والشهوات، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا فى رمضان، وضرب حملوا أنفسهم ما لا تطيق، فأثقلوا عليها فوق ما أراد الله منهم، جاهلين أن الطريق شاق لا يقطع إلا بالرفق واللطف فكانوا كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق” وقال ” فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ” وقال ” يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحب الأعمال إليه ما دووم عليه وإن قل” أما الصنف الثالث فهم المؤمنون الصادقون المُلهمون، الذين جمعوا بين الخوف الرجاء، والرغبة والرهبة، وتوسطوا واعتدلوا يوم شذ غيرهم واغتر، إنهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات عرفوا الطريق، وأنار لهم الله تعالى بصيرتهم على هدى منه ليسلكوا مسالك النجاة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات