بقلم/ شروق صالح
“هل شعرت ولو لوهلة من الزمن أن ما تفكر به سيتحقق بالفعل وسيشكل خطراً على حياة أسرتك؟
كانت مجرد فكرة حضرتني ورغبت بسردها عن طريق كتابة قصة قصيرة لكن اتضح أنني من أصبحت بطلة هذه القصة دون أن أدري كيف ولماذا ومتي!!”
كلمات خرجت من بين شفتاي وأنا أتصبب عرقاً وأمامي عدد لا حصر له من أوراق الجرائد التي أشعلتها والنيران تلتهمها ودخان أسود كثيف يتصاعد منها.
قبل ساعات من الآن….
الساعة تشير للسابعة مساءً والهدوء يسيطر عليّ وأنا جالسة في غرفتي، وكعادتي أطالع هاتفي وأستمع للموسيقى مسافرة بعقلي لعالم آخر…
فإذ بفكرة جنونية تكسر هذا الملل القاتل والتفكير المميت، نهضت فجأة دون سابق إنذار كمن تريد الهرب من وحش كاسر راكضة للخارج وأنا ألقي نظرات خاطفة في أرجاء المنزل…
قاطعني صوت أخي الصغير “لما تنظرين هكذا، هل جننتي؟!”
أجبته دون أن ألتفت إليه “أريد حائط كبير فارغ”
بتساؤل “ولما؟”
أجبته بضجر يتملكني وتأفف “لما لا يوجد حائط كبير فارغ في هذا المنزل لأُعِدَ ديكور وألتقط العديد من الصور؟”
ثم غادرت عائدة إلى غرفتي دون أن أنتبه لحديثهم.
مر الوقت سريعاً وأصبحت الساعة تشير للثامنة والربع نهضت قائلة “وجدتها أخيراً”
اتجهت لسقيفة المنزل لأحضر عدد لا بأس به من الجرائد وشريط لاصق وقطع من القماش الأسود وبعضاً من الأوراق وأقلام التلوين وكتب، اتجهت لغرفة أخي، بدأت بلصق الجرائد على الحائط أثناء ذلك كان صوتي الداخلي يثرثر معي كعادتي فكما تعلمون جميعنا نمتلك أصوات داخلنا لكن علينا فقط الهدوء والتركيز لسماعها لإجده يقول لي “ماذا سيحدث إن كانت إحدى هذه الصحف تحتوي على جريمة قتل وتخرج تلك الروح الثائرة للإنتقام من البشر أو منكِ؟!”
فتوقفت عما أفعله قائلة بصوت خافت “لا أتصور أن يحدث هذا في الحقيقة ويبدوا أنه من كثرة قراءاتي عن الأرواح أصبح يهيئ لي بأنه من الممكن أن يحدث ذلك ولكنها فكرة جنونية وسأكتبها مساءً”
ما أن انتهيت من تجهيز المكان نهضت وارتديت ملابسي التي أعددتها من قبل…
مر الوقت دون أن أشعر وأخي الصغير يلتقط لي عدد لا بأس به من الصور قارب الخمسين صورة، بعدها بدأت بإزالة ما وضعته من أشياء وكلمة واحدة تتردد في عقلي “أعيدي الجرائد للسقيفة بدلاً من أن تتسببي في أذية أحدهم”
إلا أن الكسل كان رفيقي الأزلي فأزلت كل شيء عدا الجرائد وتركتها ملتصقة على الحائط.
وها قد أصبحت الساعة تشير للثانية والنصف بعد منتصف الليل والهدوء يسيطر على المنزل بينما الجميع يغط في نوم عميق عداي فأنا عاشقة للسهر بطريقة جنونية ولا أستطيع النوم مبكراً مهما حدث إلا عندما أمرض.
أما الآن يتوجب عليّ النوم كي لا أستيقظ ككل يوم مرهقة وأنا ذاهبة للعمل…
حلقت في خيالاتي التي لا تنتهي حتى شعرت بأنني لست على هذا الكوكب وفجأة قطع كل ذلك صوت ارتطام جسم ما بالأرض!!
تملكتني القشعريرة وكاد الخوف يلتهم قلبي فقد كنت أفكر في تلك الفكرة المجنونة.
سحبت الغطاء محاولة تجاهل ما حدث.
لكني لم أستطع فقد رأيت ضوء ينبعث من غرفة أخي نهضت راجية أن يكون ذلك من وحي خيالي لكن ياللأسف ليس كل ما نتمناه يحدث كما نريد.
استجمعت قواي وفتحت الباب فاتسعت عيناي من هول ما رأيت فقد خرجت من وسط تلك الجرائد فتاة ذات شعر مجعد أسود طويل كمن تعرض لصدمة كهربائية وآثار الحروق تملأ وجهها وقد تحولت أجزاء من الجلد للون الأحمر وأجزاء أخرى سوداء
كدت أطلق صرخة مدوية وأنا أشاهدها تقترب من أخي الصغير فلذة فؤادي.
لم أشعر بجسدي إلا وأنا أركض لأدفعها بعيداً عنه.
صرخت فيها “إياك والإقتراب منه، من أنت؟!”
رمقتني بنظرات مخيفة كلها توعد.
ساعتها لم أشعر بالخوف على نفسي لكني لا أحتمل فكرة إصابة أحد من أحبتي بسوء وبالأخص أخي.
نَهَضَتْ قائلة بصوت مخيف “أنا سالي كيف لا تعرفيني؟”
خشيت إخبارها بأنني لا أعرفها لكن لفت انتباهي تاريخ إصدار تلك الجريدة الذي يشير لعام 1895م أي من قديم الأزل بالنسبة لي.
حاولت استجماع قواي وسألتها “ماذا تريدين؟”
أجابتني بصوت حزين “أريد أن نصبح صديقتين فأنا وحيدة جداً في ذلك العالم الذي أسرت داخله منذ زمن.
حيئذ اشتعلت عيناها غضباً قائلة “أتعرفين من الذي أسرني؟
إنه ذلك الوغد الحثالة عمي بعدما فعل فعلته الشنعاء معي، أخفى ذلك عن طريق أسري في قبو منزلنا وأشعل النيران داخله، لم يكتفي بحرق جسدي بل استخدم طلاسم لا أعرفها وأسر روحي داخل هذه الجريدة…
وكتب خبر كاذب ووضع الجريدة أمام والداي.
بعد مرور زمن طويل من تلقي والداي الخبر ألقى أبي الجريدة فقد أصابه الإرهاق من بكاء أمي المستمر كلما وقعت عيناها على الخبر .
لا أدري كيف وصلت هذه الجريدة لكِ، ولكي تفك تلك التعويذة كان يتوجب أن يحضر في مُخَيِّلة أحد ما بأنه من الممكن أن تخرج فتاة من وسط الجرائد وكنت أنت من فكر وفكها لذا استطعت الخروج، الآن أمامك خياران الأول: أن نصبح صديقتين
الثاني: أن آخذ أرواحكم جميعاً”
تظاهرت بالابتسامة لها وعقلي يفكر بطريقة للخروج من هذه الورطة فخطرت لي فكرة كنت شاهدتها من قبل بإحدى أفلام الرعب.
حاولت استدراجها بعيداً عن غرفة أخي وفي نفس الوقت كنت أزيل الجرائد بحجة أنني سأخفيهم حتى لا يكتشف أمرها وبكل بساطة استطعت ذلك.
و ها نحن نقف في المطبخ وأنا أسايرها في الحديث وأستمع لذكرياتها وفجأه أشعلت النيران في الجرائد، حاولت دفعها لكنها صرخت في وجهي، وخنقي بمخالبها التي ظهرت فجأة من العدم إلا أن إصراري على دفعها كان أقوى فأنا لم أعتد الهزيمة وعندما أضع شيء في عقلي أنجح في تنفيذه.
وبالفعل استطعت دفعها وسط الجرائد المشتعلة فملأت صرخاتها أرجاء المكان فحدثت نفسي قائلة “هل شعرت ولو لوهلة من الزمن أن ما تفكر به سيتحقق بالفعل وسيشكل خطراً على حياة أسرتك؟
كانت مجرد فكرة حضرتني ورغبت بسردها عن طريق كتابة قصة قصيرة لكن اتضح أنني من أصبحت بطلة هذه القصة دون أن أدري كيف، لماذا، متي!!”
بعد برهة انطفئت النيران فنظفت المكان وأخفيت ذلك الرماد داخل علبة وألقيت بها في حاوية النفايات وإذ بصوت أذان الفجر فقلت “سأصلي ثم أخلد للنوم وغداً أكتب هذه القصة وأنشرها”