القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لحظة فارقة 

101

 

بقلم /دكتورة سلوى سليمان

تخللت خيوط الشمس الذهبية أرجاء الغرفة ككل صباح ،وداعبت أعين مريم التي بدأت تفيق من نومها ولكن النعاس مازال يغلبها،فقاتلت لفتح عيناها في ضوء الشمس الذي غمر المكان وهى تحت غطاء سريرها الخشبي تستجدي الدفء من شدة البرد التي اعتادت عليها كل شتاء …وفي أذنها صوت عصفور الصباح وهو ينقر بمنقاره هنا وهناك بحثا عن الكلأ، والسواقي تدفع بالمياة تحت سماء زرقاء حالمة، فقد كانت القرية التي تسكنها مريم كالجنة على الأرض..

تمالكت مريم شجاعتها وبكل حماس نزلت من سريرها مسرعة؛ لتقوم بطقوس الصباح وضعت البخور على الجمر الموقد، فبدأ اريج عطره يملأ أرجاء المكان مجددا وتلاحم مع أجواء الصباح الحالمة،أحضرت الطحين والماء وعجنت العجين، ثم أشعلت الفرن لتبدأ في تجهيز الخبز،حتى انتهت منه، وهدفها الدؤوب جدها الذي يعد سندها وصديقها بل وطن لها؛ فلم يبق لها بعد أبيها وأمها سواه، فدائما يحتويها ويحنو عليها ويطيب له الحديث معها ؛فهو خير مستمع وناصح، ذلك الجد ذو اللحية الطويلة البيضاء اللون والشعر الأبيض كسلاسل الفضة،دائما يستيقظ مبكرا يصلي الفجر ثم يجلس في الشرفة مختليا بنفسه متنفسا نسمات الصباح، منتظر مريم حتى تستيقظ تلك التي كانت له أيضا أنيس غالي، هنيهة وذهبت إليه على عجل ومعها فطورة مقبلة يداه التي بدا عليها علامات الزمن أملا في دعواته الباعثة للأمل والتفاؤل.. انه جدها الذي تراه مصدر بركة وقوة ، ودائما يدعمها بالرأي والنصيحة، ولكنه اليوم يبدو مختلفا وعنده

الكثير من الكلام يود البوح به، لكنه مترددا إلا أنها استطاعت أن تقرأ ملامح وجهه؛ فقالت له ماذا تريد قوله كلي أذان صاغية، تنفس بعمق، وربت على كتفها بحنان قائلا :

لقد سمعت أن هناك لصوصا يجوبون أرجاء القرية ليلا و يهاجمون ما يصادفهم من البشر، أخاف عليك؛ لذا الزمي المنزل ولا تخرجين لأي سبب كان ما كان، فقالت مريم: إنه لأمر مخيف لكن أنت ايضا لا تخرج يا جدي حتى لا ينال اذاهم جسدك، وانتظر ريثما تتبدد الأحوال وأحد يقوم بالامساك بهم، إلا أنه فكر صامتا ثم أخبرها أنه لابد أن يجتمع مع رجال القرية اليوم بعد صلاة المغرب عند العمدة في دارة لتحري الأمر واتخاذ الإجراءات اللازمة للنيل من هذا العدو المهدد لسكان القرية؛تيبست مريم مكانها ووجهها ملتاع، واجهشت عيناها في البكاء، فكم كانت خائفة على جدها ولكن مالبست أن تأخذ منه وعد بالحفاظ على نفسة وكانت تحادث نفسها قائلة: أخشى من الأيام فلا أدري ماذا تخبئ لنا، اخاف على جدي والناس الطيبين الذين يعيشون في رعب وتوخي وترقب…

خرج الجد متوجها إلى المسجد لصلاة المغرب، وإذا بالصغيرة يتملك الرعب والخوف الشديد قلبها على جدها ؛ ، فإذا بها ترتدي عبائتها السوداء على عجل ، وخرجت ورائة…..

 

انتهت الصلاة و ذهب جد مريم ومعه بعض الرجال إلى بيت العمدة إلا أنهم في منتصف الطريق سمعوا صراخ وصوت استنجاد فهرولو جميعا صوب الصوت فما شاهدوه مريب ومخيف … شابا ملقى على الأرض والدماء تسيل منه بغزارة كأنه شلال مياه. أصابته جروح كثيرة وعميقة ،فلا يستطيع أن يتحرك من مكانه، ووسط صراخ الفتى تراجع الرجال خطوات للوراء خوفا وعجزا ، وإذا بالجد يخطو خطوة للأمام شاهرا عكازة الذي يتكئ عليه، وفجأة وسط دهشة وصدمة وصوت طلقة نارية تنطلق لفض الاشتباك وتنهي الضوضاء والصراخ…

قد يعجبك ايضا
تعليقات