القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق الاسلام ومع رمضان شهر القرآن ” الجزء الخامس “

85

 

إعداد / محمـــد الدكــروى

 

ونكمل الجزء الخامس مع رمضان شهر القرآن، وقد توقفنا عندما أخبر الله تعالى أنه سيكشف للناس عامة، وللعلماء خاصة، حقيقةَ ما فى هذا القرآن من آيات بينات، لتكون دليلا على صدق رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى في محكم آياته فى سورة فصلت ” سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد” فالآيات التى سيريها الله لعباده لا تقتصر على فترة زمنية واحدة، ولا على جيل واحد من الأجبال، بل إنها تشمل جميع الأزمان، وجميع الأجيال، في دلالة واضحة،على أن القرآن الكريم حق من عند الله تعالى، وكثير من الناس في وقتنا الحاضر يحتاج إلى الإقناع العلمي ليتم إسلامهم وتطمئن قلوبهم إذ تقدمت فيه العلوم تقدما أذهل الكثير من الناس، وزلزل عقائد ضعاف الإيمان، وظن هؤلاء أن العقل أصبح قادرا على كل شيء، وكان جديرا بهؤلاء أن يزداد يقينهم بالله تعالى عن طريق هذه الاكتشافات فما العلم إلا وسيلة من الوسائل المهمة، التى تعمق الإيمان بالله تعالى.

 

فالإيمان اليوم لا يقوم على مجرد التسليم أو التخمين أو التقليد، وإنما يقوم أيضا على الإقناع المبنى على العلم فالعلم هو اللغة التي يفهمها أبناء هذا العصر، وإذا كانت أوروبا والغرب قد تقدمت فى مجال العلوم التجريبية تقدما هائلا يصعب علينا نحن المسلمين اللحاق بهم، فلا يفوتنا أن نقدم لهم شواهد علمية جاءت في القرآن والسنة، قد كشف عن بعضها بعض علماء أوروبا أنفسهم، فذهلوا عندما علموا أن الإسلام قد تحدث عن هذه الحقائق العلمية قبل أربعة عشر قرنا، هذا وقد بقيت فى القرآن والسنة شواهد أخرى، ما زال العلم عاجزا عن اكتشاف أسرارها، وسيأتى اليوم الذى يكشف عنها العلم إن شاء الله تعالى، وإن هناك بعض الآيات من كتاب الله العزيز، والتى تحمل بين طياتها دلائل وشواهد من الإعجاز العلمى للقرآن الكريم، فمن الآيات التى تدل على الإعجاز العلمي للقرآن ، قول الله تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء ” وجعلنا فى الأرض رواسى أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون” وقول الله تعالى.

 

كما جاء فى سورة النحل ” وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون” وقول الله تعالى كما جاء فى سورة النبأ “والجبال أوتادا” وأنه قد تبين للعلماء منذ عهد قريب،أن ثلثى أى جبل مغروس في أعماق الأرض، وثلثه فقط هو البارز فوق سطح الأرض ولذا فقد شبه الله تعالى الجبال بالأوتاد، التى تمسك الخيمة بالأرض، كما في الآيات السابقة وغيرها، فهذه الآيات ،تبين لنا دور الجبال بالنسبة للأرض فقد جعلها الله مثبتات لها ،حتى لا تضطرب فهي كالأوتاد التى تمسك الخيمة من الاضطراب والسقوط، وكما لاحظ العلماء أن امتداد الجبال في باطن الأرض، يزيد عن ارتفاعها فوق سطحها، مما يمكن هذه الجبال من القيام بدورها في تثبيت الأرض، كما تقوم الأوتاد بتثبيت الخيمة، فيقول تعالى ” شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”

 

وفى قوله تعالى شهر رمضان قال أهل التاريخ أن أول من صام رمضان هو نبى الله نوح عليه السلام لما خرج من السفينة، وقد تقدم قول مجاهد بأنه كتب الله رمضان على كل أمة ومعلوم أنه كان قبل نبى الله نوح أمم، والله أعلم، والشهر مشتق من الإشهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده، ومنه يقال شهرت السيف إذا سللته، ورمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء ممدودة وهى شدة الحر، ومنه الحديث ” صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال” رواه مسلم، ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها، فرمضان فيما ذكروا وافق شدة الحر، فهو مأخوذ من الرمضاء، وقال الجوهرى وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء، ويقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك، وقيل إنما سمى رمضان لأنه يرمض الذنوب أى يحرقها بالأعمال الصالحة، من الإرماض وهو الإحراق.

 

ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أى احترقت، وأرمضتنى الرمضاء أى أحرقتنى، ومنه قيل أرمضنى الأمر، وقيل لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة فى أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس، والرمضاء هى الحجارة المحماة، وقيل هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق ومنه نصل رميض ومرموض، وسمي الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم، والخبر الذى أنزل فيه القرآن، أو يرتفع على إضمار مبتدأ، المعنى هو المفروض عليكم صومه شهر رمضان، أو فيما كتب عليكم شهر رمضان، ويجوز أن يكون شهر مبتدأ، و الذى أنزل فيه القرآن صفة، والخبر فمن شهد منكم الشهر، وأعيد ذكر الشهر تعظيما، كقوله تعالى “الحاقة ما الحاقة” وجاز أن يدخله معنى الجزاء، لأن شهر رمضان وإن كان معرفة فليس معرفة بعينها لأنه شائع فى جميع القابل، وروى عن مجاهد وشهر بن حوشب نصب شهر.

 

ورواها هارون الأعور عن أبى عمرو، ومعناه الزموا شهر رمضان أو صوموا، والذى أنزل فيه القرآن نعت له، ولا يجوز أن ينتصب بتصوموا، لئلا يفرق بين الصلة والموصول بخبر أن وهو خير لكم، الرمانى يجوز نصبه على البدل من قول أياما معدودات، وقد اختلف هل يقال رمضان دون أن يضاف إلى شهر، فكره ذلك مجاهد وقال يقال كما قال الله تعالى وفي الخبر، لا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله في القرآن فقال شهر رمضان، وكان يقول بلغني أنه اسم من أسماء الله، وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى، ويحتج بما روى رمضان اسم من أسماء الله تعالى، وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث أبي معشر نجيح وهو ضعيف، والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين” رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا كان رمضان فتحت له أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين”

 

وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم” رواه النسائى، وقوله مردة الشياطين تقييد لقوله صفدت الشياطين وسلسلت، وروى النسائى أيضا عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار “إذا كان رمضان فاعتمرى فإن عمرة فيه تعدل حجة” وروى النسائي أيضا عن عبد الرحمن بن عوف قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله تعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” والآثار في هذا كثيرة، كلها بإسقاط شهر، وربما أسقطت العرب ذكر الشهر من رمضان، وإن فضل رمضان عظيم، وثوابه جسيم، يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقا للذنوب، ولقد فرض الله صيام شهر رمضان أى مدة هلاله، وبه سمى الشهر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات