القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نظرة تأمل مع أحكام الصيام ” الجزء الخامس “

86

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع أحكام الصيام، وقد توقفنا عند إذا عاد المسافر إلى بلده نهارا وهو مفطر ففى وجوب إمساكه ساعة رجوعه خلاف إلا أن عليه القضاء أمسك أم لم يمسك، وهنا حالتان شدد فيهما كثير من المذاهب المتبوعة فلم يبيحوا فيهما الفطر هما الأولى وهو من بدأ سفره في أثناء النهار وهو صائم فلا يجوز له الفطر، والثانية في فقه الصيام، من كان في سفره، ونوى الصيام قبل الفجر فلا يجوز له أن ينقض نيته فيفطر بعد الفجر حتى لو كان لا يزال مسافرا، والصحيح أن للمسافر أن يفطر في هاتين الحالتين، وقد ذكر الإمام القرطبى أن من عزم على السفر فى رمضان صبيحة يومه فلا ينوى الفطر حتى يسافر بالفعل فقد يعرض له ما يمنعه من السفر، ويجوز الفطر للمسافر حتى لو أصبح السفر عادته طالما أن له بلدا يأوى إليه مثل أصحاب سيارات الأجرة والطيارين والملاحين حتى لو كان سفرهم يوميا، وعليهم القضاء، فإذا كان واحد من هؤلاء ليس لهد بلد يأوى إليه، كالملاح الذى معه في سفينته امرأته وجميع مصالحه فلا يرخص له حينئذ فى الفطر.

وأما عن الصيام واختلاف المواقيت، فإنه بالنسبة للبلاد التي يضطرب فيها أوقات الليل والنهار وضمن مجالات فقه الصيام، قرر المجمع الفقهى الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامي فى شأنهم أنهم تنقسم الجِهات التي تقع على خطوط العرض ذات الدرجات العالية إلى ثلاث أمور، فالأولى تلك التي يستمر فيها الليل أو النهار أربعا وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة، ففى هذه الحال تقدر مواقيت الصلاة والصيام وغيرهما فى تلك الجهات على حسب أقرب الجهات إليها مما يكون فيها ليل ونهار متمايزان فى ظرف أربع وعشرين ساعة، والثانية فى فقه الصيام البِلاد التى لا يغيب فيها شفق الغروب حتى يطلع الفجر، بحيث لا يتميز شفق الشروق من شفق الغروب، ففى هذه الجهات يقدر وقت العشاء الآخرة والإمساك فى الصوم وقت صلاة الفجر، بحسب آخر فترة يتمايز فيها الشفقان، والثالثة هو تلك التى يظهر فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة وتتمايز فيها الأوقات، إلا أن الليل يطول فيها فى فترة من السنة طولا مُفرطا.

ويطول النهار في فترة أخرى طولا مُفرطا، ومن كان يقيم في هذه البلاد التي يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليهم أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فى بلادهم مادام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعا وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيرا، ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات، أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضا شديدا، أو يفضى إلى زيادة مرضه أو بطء برئه، أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها فى أى شهر تمكن فيه من القضاء، وفي فقه الصيام، من أدركه العيد فى بلده فسافر بلدا فوجد أنهم لا يزالون صائمين بسبب طول شهر رمضان عندهم فلا يجب عليه أن يصوم مثلهم، وكذلك من سافر بعد الغروب فوجد الشمس في البلد التي سافر إليها.

لم تغرب بعد فلا يجب عليه أن يمسك، ومن بدأ صيام رمضان فى دولة ما ثم سافر إلى أخرى فجاء عليه العيد وكان مجموع ما صامه فى البلدين أقل من تسعة وعشرين يوما ففى فقه الصيام عليه أن يفطر مع المسلمين فى يوم العيد، ثم عليه بعد العيد أن يتم ما فاته ليكون مجموع ما صامه تسعة وعشرين يوما فإن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوما، ومن صام في بلده ثلاثين يوما، ثم سافر فى اليوم الثلاثين إلى بلد آخر فيجب عليه أن يصوم كما يصومون، ولا يعيد إلا معهم حتى لو أدى ذلك إلى صيامه أكثر من ثلاثين يوما، وكذلك من سافر من بلده قبل الغروب بساعة فإذا به يصل إلى بلد السفر فيجد أنهم لا يزالون في وسط النهار فعليه أن لا يفطر إلا معهم، وإذا أحب الإفطار لرخصة السفر فله ذلك، وعليه قضاء اليوم، ومن المعلوم في فقه الصيام أن السفر بالنهار إذا كان إلى جهة المشرق فإن النهار سيقصر مع المسافر، وإذا كان سفره إلى جهة المغرب فإن النهار سيطول معه، والقاعدة في ذلك أن راكب الطائرة متى عرف طلوع الفجر.

في سماء البلد الذي هو فيه فعليه أن يمسك، ثم له أن يفطر إذا حل عليه الغروب فى أية لحظة حتى لو كان مجموع صيامه فى ذلك اليوم أقل من خمس ساعات، وحتى لو كان مجموع صيامه أكثر من عشرين ساعة، فالعبرة بميقات البلد الذي هو فيه، وتحديدا بميقات الجو لا الأرض، فإذا كانت الشمس قد غربت فى بلد سفره إلا أنه لا يزال يرى الشمس لارتفاعه بالطائرة فليس له أن يفطر إلا إذا غابت الشمس عن عينيه، وأما عن الصيام والمرض، فإن المرض الذى يكون الصيام سببا لزيادته، أو سببا في تأخر شفائه، أو سببا في جلب المشقة لصاحبه يرخص له في فقه الصيام فى الفطر على أن يقضي المريض ما فاته فى أيام أخر، ويكفي أن يغلب على ظن المريض حدوث هذا، على أن غلبة الظن هذه تعرف من طريقين لا ثالث لهما، فالأول هو تجربة الشخص نفسه، أو تجربة من كان مريضا بنفس مرضه، والثاني هو إخبار الطبيب المسلم الثقة الكفؤ، وقد أجاز الشيخ ابن العثيمين الترخص بقول الطبيب غير المسلم إذا كان كفؤا مشهورا بالصدق.

وفى هذا سعة كبيرة للمسلمين في الغرب، وإذا تحامل المريض فصام أجزأه، وقد يكره ذلك إذا كان المرض شديدا، ويحرم إذا كان الصيام مع المرض مهلكا، ومن كان مريضا فله أن ينوى الفطر من الليل، ولا يضره احتمل تعافيه نهارا لأن الأصل أنه مريض، وإذا عرف من نفسه أو من الطبيب أن الصيام يسبب له الإغماء فله أن يفطر، وعليه القضاء كما قرر شيخ الإسلام، ومن أغمي عليه أثناء النهار ثم أفاق قبل الغروب أو بعده فصيامه صحيح مادام قد أصبح صائما، وإذا طرأ عليه الإغماء من الفجر إلى المغرب فالجمهور على عدم صحة صومه، وأما عن الكبر والأمراض المزمنة، فإنه إذا بلغ الكبر بإنسان مبلغه فيرخص له في الفطر، رجلا كان أو امرأة ففى فقه الصيام، إذا كان الصيام يجهدهما ويلحق بهما مشقة كبيرة، ومثلهما من ابتلى بمرض مزمن يضره الصوم والمقصود بالمرض المزمن هو من أخبر الأطباء أنه لا يشفى من مرضه وفق قوانين الطب، وقد اختلف العلماء في هذه الفئة هل يجب عليهم الإطعام أم أن الصوم سقط عنهم دون بدل كالأطفال الصغار؟

والصحيح الذى عليه أكثر العلماء أن عليهم عن كل يوم يفطرون إطعام مسكين وجبتين مشبعتين من أوسط ما يأكلون، وفي فقه الصيام عموما أجاز بعض الفقهاء وجبة واحدة، وأجاز الإمام أبو حنيفة إخراج قيمة الطعام نقودا، ومنع ذلك جمهور الفقهاء، فلا يعدل عن مذهب الجمهور إلا عند الضرورة والحاجة، وتوكيل المريض جمعية أن تقوم بشراء طعام بالمال يخرج من الخلاف، وله أن يهيئ الطعام ثم يعطيه للمسكين، وله أن يعطيه له دون طبخ، ومقدار ما يعطيه له كيلو ونصف تقريبا من الأرز أو التمر أو الزبيب أو المكرونة أو القمح من جنس ما يأكل، وفى فقه الصيام فى هذا الشأن، قال الشيخ ابن العثيمين “لكن ينبغي في هذه الحال أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم أو نحوه، حتى يتم قوله تعالى ” وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين” وإذا أعسر المريض الذى لا يرجى برؤه أو الكبير، فإن الإطعام يسقط عنهما لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل، ويلتحق بهذه الفئة أصحاب الأعمال الشاقة التى لا يحتمل الصيام معها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات