القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق الهدايه ومع منهيات رمضان الجزء الثانى

97

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع منهيات رمضان، وقد توقفنا عندما أمر النبى صلى الله عليه وسلم كل مسلم بكتابة وصية فقال ابن عمر رضى الله عنهما ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعندى وصيتى، ولما زوج معقل بن يسار أخته لرجل من الصحابة فطلقها، ثم ندم فجاء يخطبها بعد انتهاء عدتها، فحلف أن لا يردها إليه غضبا، فلما أنزل الله تحريم العضل، وأن على الأولياء أن يردوا الزوجات إلى أزواجهن، قال سمعا لربي وطاعة، ثم دعاه وقال له أزوجك وأكرمك، ولما قال النبى صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم” لا تسبن أحدا” قال فما سببت بعده حرا، ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا عن خاتم ذهب في يده فطرحه فقيل له خذه انتفع به، قال لا والله لا آخذه أبدا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كما قال تعالى ” إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا” فإن هذا الصيام مدرسة نعلم فيه أنفسنا وأولادنا.

 

وتتعلم فيه الأحكام الدقيقة، وتعرف فيه أن الصغير إذا بلغ، والحائض إذا طهرت، والمسافر إذا رجع، والمريض إذا عوفي مكلفون بالأصل، وكان إفطارهم لعذر، فلما زال العذر رجعوا، فتلحظ الفروق الدقيقة في هذا المسائل، يعلمك جمع القلب على العزم وهى النية، وأن تكون في الليل، ويربط لك الحكم بآية واضحة وبرهان جلى من خلقه في كونه، فيربط الصيام برؤية الهلال، وهى آية كونية مرئية للمثقف والأمى، ويربط الإفطار بغروب الشمس وغياب القرص، وهى آية كونية واضحة دين الوضوح، الأحكام مربوطة في توقيتات بآياته في كونه في سمائه، خلق هذه الكواكب ليس عبثا خلقها، وفيها منافع فقال تعالى فى سورة البقرة ” يسألونك عن الأهلة فل هى مواقيت للناس والحج” وهكذا يا مسلم تمسك إذا طلع الفجر وهو البياض المنتشر في الأفق وتتعلم السنة فقال تعالى فى سورة البقرة ” وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ” إذن قضية احتياطات قبل الفجر بعشر دقائق لا مكان لها، سنة وفقط، لا زيادات.

 

ولا إضافات في الدين، وهكذا يعلمك كيف تعجل الفطر، وتؤخر السحور لأجل أن تخالف أهل الكتاب، ولا يكون هناك ذريعة في الزيادة في الصوم، والله يريد العبادات منضبطة لا زيادة ولا نقص، ولذلك نهينا عن صيام يوم الشك، وعن تقدم رمضان بيوم أو يومين من هذه الجهة، ونهينا عن صيام يوم العيد من الجهة الأخرى، لماذا؟ تريد أن تصوم قبل رمضان بيوم ممنوع، تريد أن تصوم بعد رمضان بيوم ممنوع، لماذا؟ لأنه يريده دينا منضبطا، وعبادة دقيقة، لا زيادة ولا نقصان لأن التعيين من حقه، فربط دخول الشهر وخروجه برؤية الهلال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فهى آيات بينات، وهكذا ترى رحمته في تشريعه، فقال تعالى فى سورة البقرة ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” ويقول تعالى ” فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر” وهكذا الحامل والمرضع من أجلها، ومن أجل جنينها فالإسلام دين رحمة، ومن أجل جنينها تفطر، ومن أجل رضيعها تفطر، وإذا قلّ هذا اللبن فى ثديها تفطر، ويجب عليها أن تفطر.

 

ولا يجوز لها أن تصوم وولدها ورضيعها يتضرر بعدم الرضاع لأن الرضاع الطبيعى من حقه ولا يجوز أن تفطمه إلا عن تراض وتشاور بينها وبين زوجها، كما ذكر الله تعالى، فإن هذه الرحمة منه فى المريض، والحائض، والنفساء، والحامل، والمرضع، والمسافر تدل على أنه لم يرد بالصيام أن يجوعنا ويعطشنا ويعذبنا، وإلا لعم الجميع، وإلا لصارت القضية من الفجر إلى الفجر، وإلا لفرض علينا المواصلة في الصوم، ولكن هو رحيم، يريد هذا لأجل التقوى، ولذلك الذى لا يتفطن للمعنى الذى من أجله فرضه يعصيه، والذى لا يتفطن للمعنى الذى لأجله سبحانه فرضه رمضان يعصيه فيه، فترى بعض الناس في ليلهم في لهو ولعب، ما كأنه فرض للتقوى، يتفرجون، يسمعون، يشاهدون أشياء تخالف معنى الصيام، فكيف تصوم له في نهارك وتعصيه في ليلك، مع أن الليل من رمضان وشرف الزمان يشمل الليل والنهار؟ بل إن لياليه فيه ليلة أعظم من نهاره وهى ليلة القدر، فإذن الشرف في رمضان لليل والنهار، وعندما يرحم الكبير.

 

ويقول للمسن الذي لا يستطيع بأن يفطر ويطعم، ومن كان عنده عذر يزول ينتظر حتى يزول العذر ثم يقضي فقط، وهكذا ترى أنه لما زال العقل بخرف مثلا زال التكليف، وقد يكون فيه قوة، لكن لما زال العقل زال التكليف، فلا يؤمر بصلاة ولا بصيام، وإن الله عز وجل من رحمته أذن لنا في مباشرة نسائنا فى ليلنا، فقال فى سورة البقرة ” فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله ” وبين لك بأن المراد من إتيانها ليس قضاء الوطر فقط، بل ابتغاء الولد أيضا لأن في الولد خير عظيم، تربيه فتؤجر على أعماله لأن الدال على الخير كفاعله، وتطعمه فتؤجر على النفقة عليه و في كل ذات كبد رطبة أجر، فكيف بولدك الذي هو فلذة كبدك، فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة” وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل ” ولو لاحظنا المفطرات سنجد منها ما هو مقوى ومنها ما هو مضعف، فمنع الطرفين، ما يقوى من الطعام والشراب، وما يضعف من الجماع والاستقاءة والاحتجام، ولما كان الحيض يضعفها.

 

رغما عنها بخروج هذا الدم، فإنه رفع الصوم عنها حتى يزول هذا العذر لترجع ولم يكلفها بأكثر من القضاء، ولما كانت المفطرات درجات بعضها أسوأ من بعض جعل للأسوأ كفارة أغلظ من غيره، فجعل في الجماع مثلا عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ليذوق وبال أمره لأن الكفارات تأديب، ولذلك ترى في بعضها شدة لعظم الجرم الذى ارتكب، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكينا، وهكذا يربي الصيام فينا التحكم في النفس، فمن كان سريع الشهوة يعرف من نفسه أنه لا يضبط نفسه، فإنه لا تجوز له المباشرة أى اللمس، وهكذا، فإنه لما كان الأمر يعني الإنزال يحدث بغير قصد كالاحتلام لم يكن فيه شيء أصلا، فلما كان الإنزال عمدا يفطر، وعليه التوبة، وإمساك باقى اليوم، والقضاء، وإذا كان بالجماع، فالكفارة المغلظة، بالإضافة إلى ذلك، فيكون على من وطء في نهار رمضان صيام شهرين ويوم، يوما بدل الذى أفسده، والكفارة صيام شهرين، بينما لو احتلم وأنزل من غير قصد لأن النائم غير مكلف، لم يكن عليه أى شيء، بل لا يضر صحة صيامه أصلا.

 

فانظر إلى رحمته، وانظر إلى حكمته عز وجل، وإن هذا الصيام يعلمنا الفقه، فعندما تحدث المستجدات في عالم الطب، وهذه إبر منها ما هو مغذ، منها ما هو إبر تطعيم، منها ما هو إبر مسكنة للآلام، ومنها ما هو إبر معالجة لبعض الأمراض، كمعالجة الأنسولين، ولكنها لا تغذى، كانت لها أحكام بحسبها، ومنها ما يدخل الجوف من العلاجات، ومنها ما لا يدخل الجوف، فربما يكون سطحيا فى الجلد، فإن لكل منها أحكام، فنسال الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في ديننا، هذه فرصة لنا فى الأسرة الأب، الأم مع الأولاد رمضان له طعم خاص، فالتربية على الصيام وفي الصيام لها مفعول خاص، فينبغى الآن اغتنام الوقت فى تربية الأولاد من خلال رمضان، بل رمضان فرصة عظيمة للدعوة إلى الله، وعندنا مستخدمون في بيوتنا، وكذلك من زملاء العمل من ليس بمسلم، لما يرى الجو كله من حوله تغير فجأة بالإمساك ولا فنجان قهوة، ولا قهوة الصباح المعتادة، ماذا حدث لكم؟، ماذا صار عندكم؟ سيضطر المسلم أن يشرح.

قد يعجبك ايضا
تعليقات