القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الفارس القعقاع بن عمرو ” الجزء السابع

88

إعداد/محمد الدكروري

ونكمل الجزء السابع مع القائد الشجاع القعقاع بن عمرو، وقد توقفنا عندما جال القائد سعد بن أبى وقاص ببصره يمينة ويسارة للبحث على من يحسن القيام بهذه المهمة، فوقع اختياره على القعقاع بن عمرو وأخيه عاصم بن عمرو التميمي، فأرسل إليهما أكفيانى الفيل الأبيض، وكانت الفيلة التي حوله تألفه، وكان قريبا منهما، وأرسل إلى حمال بن مالك والربيل بن عمرو، أكفياني الفيل الأجرب، وكانت الفيلة التي حوله تألفه، فتقدم البطلان القعقاع وأخوه عاصم، فوضعوا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض في وقت واحد، بعد أن أوعزا إلى بعض فرسان الكتيبة بمشاغلة ومزاحمة حراسه حتى يزيدوا من حيرة الفيل واضطرابه، فانتفض الفيل، وسل القعقاع سيفه وضرب خرطومه فقطعه، فوقع الفيل على جنبه وسقط من كان في الصندوق فوقه، فقتلتهم كتيبة القعقاع وعاصم، ونفس الذى فعلوه فعله حمال والربيل بالفيل الأجرب، وبذهاب الفيلة من أرض المعركة، صارت المواجهة بين المسلمين والفرس شديدة، واستمر القتال بين الطرفين حتى المساء.

واستخدم المسلمون حيلة الإبل المبرقعة لإخافة خيل الفرس مرة أخرى، وظهرت الغلبة للمسلمين في ذلك اليوم، وقال القعقاع في هذا أبياتا يشيد فيها بدوره وقومه بني تميم من بطولات مشهودة “حضض قومي مضرحي بن يعمر فلله قومي حين هزوا العواليا، وما خام عنها يوم سارت جموعنا لأهل قديس يمنعون المواليا، فإن كنت قاتلت العدو فللته فإنى لألقى في الحروب الدواهيا، فيولا أراها كالبيوت مغيرة أسمل أعيانا لها ومآقيا، وعليكم أن تعملوا جاهدين من أجل زيادة إيمانكم قبل أن يأتي أحدكم الأجل فجأة وقتها لا ينفعه إيمانه لأن الإيمان وقت خروج الروح أو وقت ظهور علامات الساعة الكبرى لا ينفع لماذا؟ لأن الموت وعلامات الساعة غيب وقد أمرت أن تؤمن بذلك في حالة غيبه عنك أما إذا أصبح في حال المشاهدة والرؤية فلا ينفعك إيمان، ونخلص من ذلك أن الإيمان لا يكون إلا الغيب والإسلام يكون بالاستسلام الظاهرى هذا إذا اجتمعا أما إذا افترقا فكل منهما يحمل معنى الآخر ضمنا ولذلك يقول العلماء فى الإسلام والإيمان.

إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، فكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن، وهذا معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أى إذا ذكرا معا فإن لكل منهما معناه الخاص، كما في حديث جبريل عليه السلام، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فبينهما عموم وخصوص فالإسلام أعم والإيمان أخص فكل مؤمن مسلم ولا عكس، ومثله الفقير والمسكين فإذا ذكر أحدهما يحمل معنى الآخر، أو تقول أقوم بتوزيع هذا المال على الفقراء أو أقوم بتوزيع هذا المال على المساكين، أما ذكرا معا افترقا، فإن مما جاء بالسنة مما يرغب في الجهاد ما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها” رواه البخارى ومسلم.

وعن سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجرى عليه عمله الذى كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان” رواه مسلم، ومعنى الحديث أن ثواب عمل المرابط لا ينقطع بالموت، وأن رزقه لا ينقطع أيضا، لأن الله سيرزقه من الجنة كما يرزق الشهداء، فهم عند ربهم يرزقون، رزقا الله أعلم به، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرابط في سبيل الله لا يسأل في قبره، وإنما كان رباط يوم خيرا من صيام شهر وقيامه، لأن نفع الرباط متعد، إذ فيه حفظ الأديان والأوطان، بينما نفع الصوم قاصر على صاحبه، وأما عن ليلة الهرير، وهي الليلة التي اتصلت بيوم عماس، وبدأ فيها المسلمون والفرس بالتراشق بالسهام، فجاء سهم من جهة الفرس وأصاب خالد بن يعمر التميمي، فغضب لذلك القعقاع بن عمرو وحمل على الفرس ولم يستأذن من سعد فعندما علم سعد قال ” اللهم اغفرها له وانصره قد أذنت له إذ لم يستأذنى” وأمر سعد المسلمين بالزحف عند سماع التكبيرة الثالثة.

ولكن المسلمين لم ينتظروا إلى التكبيرة الثالثة، فبعد سماعهم التكبيرة الأولى زحفت قبيلة بني أسد ثم النخع ثم بجيلة ثم كندة، والرحى تدور على القعقاع ومن معه، واشد القتال بين الفرقين طوال الليل، فكان لايسمع سوى صليل السيوف، وانقطعت الأصوات والأخبار عند سعد وهو ما أقلقه فدعا الله أن ينزل نصره على المسلمين، وكان متشوقا إلى خبر مايحدث في المعركة فإذا به يسمع صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول “نحن قتلنا معشرا وزئدا اربعه وخمسه وواحدا، يحسب فوق اللبد الأساودا حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا” واستدل به سعد على الفتح وغلبة المسلمين، وكان الهجوم الليلي الذي قام به القعقاع ومن معه، هو الأول من نوعه ولم تعرف الجيوش الإسلامية ولا العرب فى ذلك الوقت مثل هذا الهجوم، وكان لهذا الهجوم أثر كبير فى ترجيح كفة المسلمين، ويرى بعض المؤرخين أن هذا الهجوم هو الذى حدد مصير المعركة، وإن الإيمان بالله يتضمن أربع قضايا أساسية، وهى الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

فوجود الله تعالى معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله تعالى بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء، حتى المشركين، لا ينازع في ذلك إلا مُلحد، فهو تعالى إله حق موجود قبل جميع المخلوقات، ووجوده مستمر دائم بعد فناء المخلوقات، لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، ووجود الله تعالى ليس خرافة كما يقول الملحدون والماديون، والشيوعيون، وليس مجرد فكرة كما يقول الفلاسفة، وليس قضية مشكوكا فيها، كما يقول غيرهم تعالى الله عما يقولون، بل هو إله حق قيوم حى لا يموت لا شك فيه، والإيمان بربوبيته سبحانه فهو الرب الخالق، المالك، المدبر فكل ما في الكون فالله خالقه، لا خالق سواه، وكل ما فى الكون فالله مالكه، لا مالك سواه، وكل ما فى الكون من حوادث، فالله مجريها ومقدرها، له الملك المطلق، وكل ما يملك الخلق ويفعلون فهو مقيد قاصر ضمن الدائرة الكبرى التي يملكها الله ويأذن بها، ليس له منازع في ذلك، ولا مشارك، وإن الإيمان بألوهيته بأنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه لأنه الخالق، المالك، المدبر.

فلا يجوز عقلا أن تبذل العبادة لمن لا يخلق، ولا يملك، ولا يدبر، بل يجب أن يتوجه العبد بجميع عباداته القلبية، والقولية، والعملية، للإله الذى أوجده، ورزقه، ويسر أموره، فيفرده بالعبادة وحده لا شريك له، وأما عن يوم القادسية، فقد استمر القتال في ليلة الهرير حتى بزغ نور شمس اليوم الرابع وهو يوم القادسية، والناس على مواقعهم لم تغمض لهم عين، وقد نال منهم التعب والجهد بعد ليلة قتال شديدة، وكان القعقاع بن عمرو من أكثر الناس إدراكا لما أصاب المسلمين في تلك الليلة من تعب وجهد، ولكنه رأى بعين القائد الخبير أنه لابد لهذه الحرب أن تنتهى، ولابد من مواصلة الحرب والقتال حتى ينزل الله نصره على عباده المؤمنين، فسار القعقاع بين المسلمين يشد من أزرهم ويحثهم على الثبات ومواصلة القتال، قائلا “أن الدبرة بعد ساعة لمن بدا القوم بتخاذل فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع” ويدل هذا أن القعقاع بن عمرو مسموع الكلمة، مهاب الجانب سواء في قومه تميم أو غيرهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات