القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الفارس القعقاع بن عمرو الجزء الخامس

104

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع القائد الشجاع القعقاع بن عمرو، وإن القتال فى سبيل الله فريضة شاقة، ولكنها فريضة واجبة الأداء، لأن فيها خيرا كثيرا للفرد المسلم، وللأمة الإسلامية، بل للبشرية جمعاء، فالقرآن الذى يحسب حساب الفطرة، لا ينكر مشقة هذه الفريضة، وإحساس الناس بثقلها وكراهيتها، ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر، فيقرر أن من الفرائض ما هو شاق مرير ولكن وراءه حكمة تهون مشقته، وتسوغ مرارته، وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنساني القصير، وإن صلاح الأرض، وإقامة العدل فيها، ورفع الظلم عنها، منوط بالجهاد، وقد شاء الله عز وجل أيضا أن يفرض الجهاد على المسلمين لحكمة أخرى وهي ابتلاؤه لعباده بعضهم ببعض، وتربية أتباعه على الإخلاص والثبات ومواجهة الموت والصعاب، وتيسير الأسباب لدخول الجنة بغير حساب، وإن للإيمان بالله تعالى ثمرات وآثار مباركة فى الدنيا على الأفراد والمجتمعات، فأجلها هو تحقيق عبادة الله وتوحيده، والتحرر من رق عبادة الهوى والنفس والشيطان.

 

إلى الحرية الحقيقية، فيتخلص العبد من قيد الشرك، ويهتدى من تيه الوثنية إلى محراب عبودية الله تعالىن والمؤمن بالله ينقاد مختارا لحكم الله الشرعي، فلا يختار غير ما اختار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم له، ولا يتحاكم إلى غير كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبالإيمان بالله يحصل الأمن والاهتداء، وبالإيمان بالله تتحقق وحدة النسيج المجتمعى والتكافل والإحسان بين الأسرة والارحام والجيران، وحسن الخلق مع سائر الخلق، فالإيمان يجمل المسلم ويهذب منطقه وتعامله، وكان بعد أن انتهى القائد خالد بن الوليد رضى الله عنه من قتال مسيلمة الكذاب، فقد أتاه كتاب الخليفة أبى بكر الصديق رضي الله عنه يأمره بالتوجه إلى العراق، وبعد وصول الرسالة قرأها سيف الله خالد على جنده، فرجع أكثر الجيش ولم يبقى معه إلى القليل، فطلب خالد بن الوليد المدد من أبى بكر الصديق فأمده برجل واحد وهو القعقاع بن عمرو فتعجب الصحابة من ذلك وقالوا لأبي بكر أتمد رجلا قد انفض عنه جنوده برجل واحد؟ فقال لهم “لايهزم جيش فيه مثل هذا”

 

وفى بداية معارك المسلمين فى العراق، سار القائد خالد بن الوليد ومعه المدد الذى أرسله له الخليفة أبو بكر الصديق وهو القعقاع بن عمرو، وانضم لهم المثنى بن حارثة الشيباني فكان مجموع الجيش ثمانية عشر ألف مقاتل، فأرسل خالد رسالة إلى هرمز يدعوه فيها إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما قدم الكتاب على هرمز جمع جموع جيشهم وخرج مسرعا بهم إلى كاظمة، وكان هرمز قد اتفق مع بعض جنوده على الغدر بخالد بن الوليد وقتله عند المبارزة ليكسر شوكة المسلمين، فخرج إليه خالد وهجم على هرمز واحتضنه، وفي تلك اللحظة خرجت المجموعة الفارسية التى اتفق معهم هرمز وهجموا على خالد بن الوليد وهو مشتبك مع هرمز وأحاطوا به من كل جانب، فخرج إليهم القعقاع بسرعة كبيرة، وحسن تقدير، وأزاح هذه الحامية عن خالد بن الوليد، وكان خروج القعقاع إيذانا ببدء القتال بين الطرفين، ولم يجد المسلمون صعوبة في التغلب على الجيش الفارسى الذى تحطمت نفسيته بمقتل قائدهم هرمز، ولقد كان القعقاع بن عمرو.

 

أيضا مع الجيش المحارب للحيرة وشهد فتحها، وبعدها قرر خالد بن الوليد الخروج للأنبار وكان فيها حامية فارسية، واستخلف القعقاع بن عمرو على الحيرة، وقد كان موضع ثقة لخالد بن الوليد فخرج خالد إلى الأنبار وعين التمر وأستطاع فتحهما، ثم توجه إلى دومة الجندل مدد لعياض بن غنم، فطمع الفرس بالإغارة على المسلمين، وإن الإيمان بالله هو درجات ثلاثة، درجة علم اليقين ودرجة عين اليقين ودرجة حق اليقين، فالأولى هو علم اليقين أى أن الله أعلمنا عن طريق الوحى بالغيبيات كالموت والبعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك مما هو غيب، والثانية درجة العين وهي أن ترى ذلك أمامك بالعين المجردة، والثالثة هى درجة الحق وهي أن تجرب ذلك بنفسك وتتنعم بنعيم الجنة وتأكل من ثمارها أو تعذب في النار بصور العذاب، والدرجات الثلاث قد وردت فى القرآن الكريم، ولقد جاء الحديث عن الجهاد وإن كان قليلا لما ألقاه الترف في مجتمعاتنا من ظلال سيئة على حال الناس، فركنوا إلى ملذات الدنيا، وظنوا أن الانشغال بها.

 

والتفنن فى صناعتها، غاية الحكمة، وقمة المعرفة، وأفضل متعة، ونسوا تلكم المعانى والملذات التى وردت فيما سبق مما أعده الله للمجاهدين، وإن الحديث عن الجهاد فى سبيل الله حديث عن معالى الأمور، وإن كرهته النفوس إنه حديث عن تحرير الفرد والأمة من عبودية الشهوات، واستنقاذ للنفوس من الوهن والجبن والخور، وهو طريق إلى نشر الدين وإرهاب العدو، ومد رواق الإسلام فى أنحاء المعمورة، وتخليص الأمة من ذل التبعية، وبه يتميز أهل الإسلام والكفر، وينكشف المنافقون وأهل الريب ومن فى قلوبهم مرض، وإن فى الجهاد في سبيل الله رفعا لذل الأمة المسلمة، وما فتئ المسلمون منذ غابت عنهم هذه الفريضة الإسلامية يتمرغون في أوحال الذل والتبعية، ويسومهم العدو سوء العذاب، وتلك واحدة من أعلام نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل “إذا تبايعتم بالعينة وهي نوع من الربا، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم” رواه أحمد وأبو داود.

 

وقد مشى القائد خالد بن الوليد ومن معه من المسلمين وعلى رأسهم القعقاع بن عمرو إلى الفراض وهي على الحدود بين فارس، والروم لقتال من تجمع فيها من الفرس والروم ونصارى العرب، واستطاع المسلمون الانتصار عليهم وقتل أعداد كبيرة منهم، وقال القعقاع يصف موقعة الفراض وقد كان للقعقاع بن عمرو في معركة القادسية دور كبير وبارز، وابتكر خططا حربية كان لها أثر في هزيمة الفرس، فقد قدم القعقاع على المسلمين من الشام في اليوم الثانى من أيام القادسية وهو يوم أغواث، وعمد عند وصوله إلى تقسيم جيشه إلى أعشار لإيهام الفرس أن جموع كثيرة وصلت معه، فكان هذا كفيل بتحطيم عزائم الجيش الفارسي، ويقول ابن عبد البر عنه كان للقعقاع وأخيه عاصم البلاء الجميل والمقامات المحمودة في القادسية، ويقول ابن عساكر كان القعقاع هو الذي فتح على الناس، ورمى مشافر الفيلة يوم القادسية، فلما خرقها ارتعدت، ويقول ابن الأثير للقعقاع أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها، وكان من أشجع الناس وأعظمهم بلاء.

 

أما الأبشيهي فيقول القعقاع بن عمرو طاعن الفيل في عشية القادسية رضي الله عنه، ويقول ابن حجر للقعقاع في قتال الفرس بالقادسية وغيرها بلاء عظيم، ولنا الوقفه مع يوم أغواث وهو اليوم الثاني من أيام معركة القادسية، وفي هذا اليوم تجلت بطولة القعقاع بن عمرو بعد وصوله أرض المعركة، فبينما كان المسلمون مستعدين لقتال عدوهم، طلعت عليهم نواصى الخيل القادمة من الشام، والتي كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بصرفها من الشام إلى العراق، وكانت تقدر بستة آلاف مقاتل، بقيادة هاشم بن عتبة وعلى مقدمتهم القعقاع بن عمرو، وقد أحس القعقاع بحاجة جند المسلمين في القادسية إلى المدد، فتعجل هو ومن معه وعددهم ألف فارس، فطووا المسافة قبل عامة الجيش، فوصل ورجاله في الوقت المناسب، في صباح يوم أغواث، فكانت بداية حسنة وجيدة للمسلمين، استبشروا بها خيرا، ورفعت معنوياتهم بعد يوم متعب وصعب وهو يوم أرماث، وقد عمد القعقاع إلى أسلوب تكتيكى رائع قبل وصوله.

قد يعجبك ايضا
تعليقات