القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الفارس القعقاع بن عمرو الجزء الثامن

91

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع القائد الشجاع القعقاع بن عمرو، وقد توقفنا عندما صرخ القعقاع قائلا “أن الدبرة بعد ساعة لمن بدا القوم بتخاذل فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع” ويدل هذا أن القعقاع بن عمرو مسموع الكلمة، مهاب الجانب سواء في قومه تميم أو غيرهم، ولهذا كانت كلماته مسموعة ونافذة ويدل هذا على مكانته الكبيرة بين المسلمين، فما أن حثهم القعقاع على مواصلة القتال، اجتمع عدة من الرؤساء وقصدوا رستم، واستطاع القعقاع ومن معه أحداث فجوة في صفوف الجيش الفارسي، فحمل بعض المسلمين على من يليهم من الفرس، حملة واحدة واقتتلوا، حتى انتصفت الشمس في كبد السماء، وكان أول من تراجع تحت ضغط المسلمين هو الهرمزان والجناح الذي يقوده، وانفرج القلب، وهبت ريح عاصفة اقتلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدم القعقاع ومن معه حتى وصلوا سرير رستم، وكان رستم قد هرب واختبى تحت بغل من بغاله، ورأى هلال بن علفة التميمى هذا البغل فضربه بسيفه فقطع حباله.

 

فوقع الحمل على رستم، فحمل عليه هلال وقتله ثم نادى المسلمين قتلت رستم ورب الكعبة، وعندما انتشر خبر مقتل رستم عند الجيش الفارسى، وهنت عزيمتهم وضعفت قوتهم القتالية، ورأى الجالينوس فعرف خطر المواصلة في المعركة وأمر الفرس بالانسحاب، فعبر الردم من استطاع من الفرس، أما المربطين بالسلاسل أصابهم الخوف والهلع فرموا أنفسهم في نهر العتيق ووخزهم المسلمون برماحهم فغرقوا جميعا ولم ينجوا منهم أحد، وقد وجه سعد بن أبي وقاص اثنين لملاحقة من هرب من الفرس وهما القعقاع بن عمرو وشراحبيل بن السمط وقد أنجز القائدان ما أوكل إليهما، وقد أثنى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين في معركة القادسية على القعقاع وقومه بني تميم وثمن دورهم وبلائهم العظيم وقد أثنى كثير من الشعراء على بني تميم ودورهم في القادسية وأنهم تركوا أثرا عظيما لن يمحى أبدا ومن هذا أن أهل اليمامة سمعوا مجتازا ينشد هذه الأبيات ” وجدنا الأكثرين بني تميم غداة الروع أصبرهم رجالا.

 

هم ساروا بأرعن مكفهر إلى لجب فزرتهم رعالا، بحور للأكاسر من رجال كأسد الغاب تحسبهم جبالا، تركن لهم بقادس عز فخر وبالخيفين أياما طوالا، مقطعة أكفهم وسوق بمردى حيث قابلت الرجالا، وهكذا كان الجهاد فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأن الجهاد، ما رواه مسلم فى الصحيح، عن أبي هريرة “تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلى، فهو ضامن عليّ أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم، وريحه ريح مسك، والذى نفس محمد بيده، لولا أن أشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذى نفس محمد بيده لوددت أن أغزو فى سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل” وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى علم مدى كراهية النفس.

 

واستثقالها للقتال، ولو كان في سبيل الله نظرا لما فيه من مشقة وآلام، وتضحيات جسام، وأهوال، لكنه سبحانه وتعالى قد علم أيضا، وهو ما لا يعلمه كثير من الناس، أن الخير الكثير مرتبط به، ومتحقق فيه، ولذا فقد فرضه فرضا مؤكدا، وأوجبه إيجابا قاطعا، وأما عن القعقاع وفتح مدينة بهرسير والمدائن فى السنة السادسة عشر من الهجرة، وقد سار بمن معه من المسلمين حتى وقف على شاطئ نهر دجلة وأقتحمه هو ومن معه، فاقبل عليهم الفرس يذودونهم فقال عاصم للمسلمين “الرماح الرماح وتوخوا العيون” فقصد المسلمين عيون الفرس الذين لم يصمدوا وولوا هاربين، فلحق بهم المسلمون وتقتلوا أكثرهم وهرب من هرب منهم، وهكذا شرع الله تعالى الجهاد، وندب المسلمين أن يخرجوا له خفاقا وثقالا، أى شبابا وشيوخا، أو أن المعنى هو نشاطا راغبين به لكثرة العدو وقوته، وقلة المال وكثرة العيال، أو غير ذلك، فالجهاد حياة، وهو مع ما وعد الله المجاهدين من الخير اللا محدود في الآخرة، فهو أفضل طريق للكسب والمعيشة.

 

فقال صلى الله عليه وسلم “وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل الصغار على من خالف أمرى، ولقد حفلت نصوص الوحيين، الكتاب والسنة، في الترغيب بالجهاد، وتعداد فضائله، وما يناله المجاهدون من المنزلة عند الله يوم القيامة، وما تعقبه حركة الجهاد من ظلال العزة والهيبة للمسلمين في قلوب أعدائهم وما تفجر من طاقات شبابها، وتسابقهم إلى ميادين المجد، والانشغال بما يثبت شرفهم في الدنيا ويقربهم من مولاهم في الآخرة، ويزهدهم في متع الدنيا الفانية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها” متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قيل يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال “لا تستطيعونه” فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول “لا تستطيعونه” ثم قال “مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله” رواه البخارى ومسلم، وهكذا فإن العقيدة الإسلامية تقوم على أسس عظيمة وقواعد متينة.

 

فهى منهج حياة ودستور دين ودنيا، ومن أسسها الإيمان، وهو قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأركانه ستة وهى أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، والإيمان بأركان الإيمان إجمالا فرض عين على كل مكلف، فمن جحدها أو جحد واحدا منها، فهو كافر، لأن من يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها كافر بالجميع، وفى حديث جبريل عليه السلام المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم “أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره” رواه مسلم، فقد فسّر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بهذه الأصول الستة، وهي الاعتقادات الباطنة ومذهب أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه قول وعمل، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وقد حكى الشافعى على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم، وقال بعض السلف.

 

“ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلي، ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال” وأجمع السلف الصالح على ما دل عليه الكتاب والسنة من زيادة الإيمان ونقصه، والإيمان بالله تعالى هو الأصل الأول من أصول الإيمان، بل هو أصل لأصول الإيمان كلها، فالإيمان بسائر أصول الإيمان داخل فى الإيمان بالله تعالى، ولعظم شأن الإيمان بالله تعالى، ذكر في القرآن فى سبعمائة وعشرين موضعا تقريبا، وقد رأى سعد بن أبي وقاص عبور عاصم وأصحابه وإيجادهم لمكان أمن فى الضفة المقابلة فاذن للناس بالعبور، فعبر المسلمين بكل يسر وسهولة إلا رجل من قبيلة بارق يدعى غرقدة البارقي زل عن ظهر فرسه وسقط في النهر، فمضى إليه القعقاع بن عمرو بفرسه وأخذ بيده وجره حتى عبر ونجى فقال غرقدة البارقي “عجزت الناس أن تلد مثلك ياقعقاع” وقد أيقن يزدجردعزم المسلمين على المواصلة فأخذ كل مايقدر عليه من الأموال والذرارى والنساء وهرب إلى حلوان وفى اللحظة نفسها كانت جيوش المسلمين تتقدم نحو المدائن.

قد يعجبك ايضا
تعليقات