القاهرية
العالم بين يديك

أديب ومعلومة الجزء الثالث

132

كتب د _ عيد علي

أرهقني مدعي الكتابة الأدبية من ركاكة أسلوبهم وتجنيهم على فنون الأدب فهم لم يقرضوا الشعر يوما ولم يدرسوا بحوره مع تجردهم من الموهبة فأصبح الشعر والأدب في عصرنا الحاضر يتناوله من لا يفقه ألوانه ولا مدارسه ولا يلتزمون بوزن أو قافية بل ولا التفعيلة الشعرية ومنهم من لا يميز بين القصة القصيرة والرواية وقليل جدا من كتب في المسرحية والرسالة واتجه بعضهم إلى كتابة المقال الأدبي ولم يدرسوا فنونه ولا أنواعه وأطلق كل منهم على نفسه لقب شاعر أو أديب لذلك أردنا من خلال الأجزاء التالية تسليط الضوء على الأسلوب الأدبي ولا شك أنّ الكتابة مهارة من مهارات اللغة، وهي عمليّة عقلية عدّها ابن خلدون في مقدّمته صناعة شريفة ؛ فالله -عزّ وجلّ- كرّم الإنسان وميّزه عن الحيوان بها، وهي وسيلة للاطلاع على ما يثير النفس من عواطف ومشاعر، وفي المقابل يُطّلع بها على المعارف والعلوم والتاريخ، ولها قوالب تُصاغ بها؛ فالكتابة التي تتجه نحو العلوم لها قالب يختلف عن الكتابة التي تتجه نحو إثارة المشاعر والعواطف، وهذا القالب هو ما يعرف بالأسلوب الأدبي الذي يتم حبكه، وصياغته على شكل ألفاظ ومفردات منسوجة بطريقة تخدم المعنى المطلوب، والمقصود فهمه وهذه الطريقة والصياغة يجب أن تكون مصوغة بشكل يلفت انتباه السامع أو القارئ ويجذبه لما بعده من كلام . إذًا المعنى سابقًا للألفاظ، والألفاظ نُسِّقت خدمةً لهذا المعنى بعكس ما نراه اليوم فقد انعكس الأمر على مدعي الكتابة.

هذا وتختلف الأساليب فيما بينها باختلاف الموضوع، فهناك الأسلوب العلمي والأسلوب الخطابي وأخيرًا الأسلوب الأدبي ويُعدّ الأسلوب الأدبي أحد أنواع الأساليب المستخدمة في الكتابة، ويُعرّف بأنه تلك الطريقة التي ينتهجها الكاتب للتعبير بطريقة فنيّة يتم من خلالها كتابة مختلف الأجناس الأدبيّة، من قصة ومسرحية وخطبة ومقالة وغيرها من الأجناس الأدبيّة التي يهدف من خلال هذا الأسلوب استمالة مشاعر القارئ والمتلقي من خلال ما يضفيه هذا الأسلوب من مشاعر وعواطف فيحقق بذلك عنصري الفائدة والمتعة.

فالأسلوب الأدبي لا يهدف إلى الإفهام فقط، بل بالإضافة إلى الإفهام فإنّ مَغزاه جذب القارئ والمستمع فيتأثر ويقتنع، وهذا يُلاحَظ عند الخطيب أثناء إلقائه لخطبته، فهناك معنى يريد إيصاله للمتلقي فيستخدم أسلوبه الأدبي؛ ليجذبهم ويستميلهم فيتأثرون بما يقول ويقتنعون، وبما أنَّ كل إنسان له خلجاته ومشاعره وعواطفه التي تختلف عن غيره فيترتب على ذلك اختلاف الأساليب الأدبية لدى الكتّاب فمنهم من ينظر إلى الحياة من زاوية واقعية وآخر ينظر لها نظرة مثالية فيتنوع الإنتاج الأدبيّ.

كما أنّ الأسلوب الأدبي يصبح كهويّة يتميز بها كل كاتب ، فيكشف ثقافة الكاتب، وذلك من خلال مدى احترامه ومراعاته لجمهور المستمعين والقارئين لنصّه؛ فيتجنّب الأفكار الجازمة والآراء المتعصبة والحقائق المطلقة وهو بذلك يفتح المجال للتفكير والاستنتاج فالكاتب المجيد هو من يجعل نصّه حيًّا يتقبل قراءات متعددة وجديدة، كما يقول توفيق حكيم:” أنّ الأديب الحق هو الذي يجعلك تدرك عمقا جديدًا، كلّما أعدت قراءة كتابه”.

ونستخلص مما سبق أن براعة ومهارة الأديب ليست في انتقاء الألفاظ القوية بقدر المهارة في توصيل فكرة ما للقارئ مع الامتاع والاستمالة والإقناع فمهما عرضنا من نصوص لا تحتوي في مكنونها فكرة يريد الأديب توصيلها للقارئ فقد النص الأدبي أهميته وإن لم يمتعنا ويستميلنا الأديب لمللنا وتركنا النص الأدبي وضاع الإقناع وأصبح النص هو والعدم سواء
والحق أقول أن هذا حال العديد من مدعي الكتابة الأدبية.

وإلى اللقاء مع الجزء الرابع من أديب ومعلومة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات