القاهرية
العالم بين يديك

فبذلك فليفرحوا صفحاتٌ إسلاميةٌ مشرقةٌ

133

كتب/ حمادة توفيق
(2) ..
(4) معركةُ الزَلَّاقةِ، نجمٌ مضيءٌ في ليلِِ الأندلس ..
صديقي القارئ، تتمةً لما بدأناهُ منذ أيامٍ، هلمَّ نواصلْ الحديثَ الشَّيقَ عن تاريخنا العطرِ، لنعلِّمَ الأجيالَ قاطبةً أن تاريخنا الإسلاميَّ أولى بالتمجيدِ مما سواهُ، ولنكشفَ اللثامَ عما فيه من نقاطٍ مضيئةٍ أنارتْ للدنيا جمعاءَ دروبها المظلمةَ.
ولنبدأ هذه الحلقةَ من سلسلتنا بالحديثِ عن معركةِ الزَلَّاقةِ، ولكي نفهمَ جيدًا أسبابَ ودوافعَ هذه الموقعةِ الهامةِ من تاريخنا التليدِ، يجبُ أن نُلقيَ نظرةً على ما آلتْ إليهِ الأحوالُ في الأندلسِ أولًا.
فلقد تراجعتْ أحوالُ المسلمينَ في الأندلسِ بشكلٍ خطيرٍ في القرنِ الخامسِ الهجريِّ بسببِ تفككِ روابطِ الحكامِ وانقسامهمْ إلى ملوكِ طوائفٍ، يتآمرُ بَعضُهُم على بعضٍ، حتى تحالفَ بَعضُهُمْ مع عدوهم ملك قشتالة (ألفونس السادس)، الذي استغلَّ تلك الفرقةَ في الإيقاعِ بين حكامِ الأندلسِ.
وبلغت المأساةُ ذروتها حين سقطت مدينةُ طليطلةَ بأيدي ألفونسو السادس، ونقلَ إليها عاصمةَ ملكهِ، واستتبعَ سُقوطَها استيلاءُ الإسبانِ على سائرِ أراضي مملكةِ (طليطلةِ)، مما أطمعَ ألفونسو بباقي ممالكِ الطوائفِ، ولم يكتفِ بذلك بل اتجهت أطماعه إلى إشبيليةَ التي كان يحكمها آنذاك (المعتمد بن عباد)، الذي استنجدَ بقائدِ دولةِ المرابطينَ في المغربِ (يوسف بن تاشفين).
وسرعانَ ما استجابَ يوسفُ بنُ تاشفين لدعوةِ المعتمدِ ابنِ عبادِ، ودخلَ أرضَ الأندلسِ، ثم اجتمعَ بالمعتمدِ بنِ عبادَ وعَساكِرِهِ، ثم تحرَّك ثلاثونَ ألفَ رجلٍ بقيادةِ يوسف بن تاشفين، وكانت معركةُ الزَّلاَّقَةِ الظافرةِ، والتي وقعت في يومِ الجمعةِ الموافقِ 12 من شهر رجب 479هـ، 23 من أكتوبر 1086م، وانتصر المسلمونَ فيها نصرًا عظيمًا ذاعت أنباؤه في الأندلسِ والمغربِ، بينما نُكِبَ فيها ألفونسو السادس نكبةً مريعةً بأعدادهِ الضخمةِ التي بلغتْ في بعضِ التقديراتِ أكثرَ من ثلاثمائةِ ألفِ مقاتلٍ.
إذ لم ينجُ من جيش ألفونسو سوى نحو خمسمائة جندي صحبوا ألفونسو وقتَ فرارهِ، فيما أبادَ القتلُ والأسرُ مَنْ عداهمْ من أصحابهمْ.
وبعضُ الرواياتِ تقولُ بأن الذين نجوا أقلُّ من الثلاثينِ، وغنمَ المسلمونَ كلَّ ما لهم من مالٍ وسلاحٍ ودوابٍّ وغيرِ ذلكَ، فيما استُشهِدَ من المسلمين فيها حوالي ثلاثة آلاف رجل.
وغيرت تلك المعركة مسار التاريخ في ذلك الوقت، حيث أنها أعادت للأندلس هيبتها وردت المكائدَ الصليبيةَ في نحرها، كما أنه نتج عنها توقُّفُ ملوكِ الطوائفِ عن دفعِ الجزيةِ لألفونسو، وأنقذَ هذا النصرُ غربَ الأندلسِ من غاراته المدمرةِ، وأفقدهم عددًا كبيرًا من قواتهم، وأنعشَ آمالَ الأندلسيينَ وحطمَ خوفهم من النصارى، ورفعَ الحصارَ عن سرقسطة التي كادت تسقطُ في يدِ ألفونسو، وحالت هذه المعركةُ دون سقوطِ الأندلسِ كلها في يدِ النصارى، ومدتْ في عمرِ الإسلامِ بالأندلسِ حوالي قرنينِ ونصفِ.
(5) معركة تل حارم، عودة هيبة المسلمين أمام الصليبيين ..
كان السلطانُ نور الدين محمود قد انهزمَ من الصليبيينَ في سنةِ 558هـ في المعركةِ التي عُرفت في التاريخ (بالبقيعة)، بعدما باغته الفرنج وهجموا عليه قبل أن يتمكن جنوده حتى من ركوبِ الخيلِ أو أخذِ السلاحِ، وأكثروا فيهم القتلَ والأسرَ، واستطاعَ نورُ الدينِ أن ينجوَ على فرسه، ثم بدأ من جديد بتجهيز قواته، استعدادًا لمواجهةِ الفرنجِ والأخذِ بالثأرِ، وفي العام التالي، أي تحديدًا في سنة 559هـ راسل نور الدين محمود الأمراء يطلب العون والنصرة فجاءوا من كل فَجّ، وكتبَ إلى الزُهَّادِ والعبادِ يستمدُّ منهم الدعاءَ، ويطلبُ منهم أن يحثوا المسلمينَ على الغزوِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ.
ولما اجتمعت له الجيوش سار نحو «حارم» – وهو حصن حصين في بلاد الشام ناحية حلب – في شهر رمضان من هذه السنة، فحاصرها ونصب المجانيق عليها، ثم تابع الزحفَ للقاءِ الفرنجِ الذين تجمعوا قريبًا من الساحل مع أمرائهم وفرسانهم بزعامة أمير أنطاكية.
وقبيل المعركة انفرد نور الدين بنفسه تحت تل «حارم»، وسجد لله ومرَّغ وجهه وتضرع وقال: « يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك ».
وبدأ القتال والتحمت الصفوف، وأحاط المسلمون بالفرنج من كل جانب، وألحقوا بهم هزيمة مدوية، وخسائر فادحة قُدِّرت بعشرة آلاف قتيل، ومثل هذا العدد أو أكثر من الأسرى، وكان من بين الأسرى أمير «أنطاكية»، وأمير «طرابلس»، وحاكم «قيليقية» البيزنطي.
وفي اليوم التالي استولى نور الدين على «حارم» بعد أن أجلى الفرنج عنها، وكان ذلك فتحًا كبيرًا، ونصرًا مبينًا أعاد للمسلمينَ الهيبةَ في قلوبِ أعدائهمْ، وأعزَّ اللهُ جنده وأولياءه في هذا الشهرِ المباركِ ..
#يُتبع

قد يعجبك ايضا
تعليقات