القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

صباحك تكنولوجيا

108

بقلم د/ حنان عبد القادر محمد
التنمر الإلكتروني آفة سريعة الانتشار  فاحذروها

عَزيزي اَلْقَارِّيّ لعلنا جميعاً نعلم أنه في اَلْعُصُور السابقة كان الكاتب يحتاج لقلم وأوراق وكلمات لكتابة مقال أو كتاب أو أي موضوع ولكني الآن وأنا أَكْتُب استبدلت القلم والأوراق ببرنامج تكنولوجي أخط بأزرار بين صفحاته الإلكترونية  نعم أصبح هُنَاكَ القلم الإلكتروني. ولكن ما زال هُنَاكَ إبداع الكلمات الذي لا يُغَيِّرهُ الوسيلة، فالإنسان بصورة عامة غير مدين سوى بالقليل لما ولد به، ومُحَصِّلَة ما يعمله لنفسه ولغيرة مما تعلمه طوال حياته داخل أُسْرَته ومَدرسته وَمُجْتَمَعه ككل، ويختلف كُلّ فرد عن الآخر في درجات الإبداع وحتى في تَشْكِيل حُرُوف كلماته، وهذه حِكمة إلهية فالله يَهَب لمن يشاء.

ولعلك تتساءل عزيزي القارئ هل اَلتِّكْنُولُوجْيَا لديها وسيلة لإظهار أفضل وأسوأ خصائصنا كأفراد بين الكلمات، والإجابة هي نعم، فمع ظُهُور المزيد والمزيد من اَلْمُسْتَحْدَثَات والتقنيات الجديدة، ظهرت اتجاهات جديدة منها الجيد الذي يُفِيد اَلْمُجْتَمَع وَالْمُزْعِج السيء الذي يَهْدِم اَلْمُجْتَمَع، حيث أفرزت وسائل الاتصال اَلتِّكْنُولُوجِيَّة أنواعا جديدة من أعمال الترهيب والهدم أخذت في الانتشار تحت مُسَمَّى التنْمٌر الإلكتروني والتي قد يكون له تأثيرات أكثر انتشارًا من التنمر التقليدي وحده.

لم تَكُنْ ظاهرة التنْمر شائعة في البيئة العربية قديماً نظراً للنشئة العربية القائمة على احترام الكبير والعَطف على الصغير، وغَيرها من القيم الاجتماعية الراقية، إلا أن العصر الذي نعيش فيه وهو عصر العولمة، والانفجار المعرفي، وخصوصاً ثورة الاتصالات وَالْمَعْلُومَات. ومع قلة التثقيف الإلكتروني لاستخدام اَلتِّكْنُولُوجْيَا في كُلّ ما هُوَ مفيد أثر ذلك على انتشار سلوك التنْمٌر الإلكٌتروني.

فالتنْمر اَلْإِلِكْتِرُونِيّ هو التنْمر الذي يَحْدُث من خِلال الشبكة اَلْعَنْكَبُوتِيَّة على الأجهزة الرقمية مِثل الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية وَيُعَبِّر عن إيقاع الأذى أو التهديد أو التلميح بِه على فرد أو أكثر نَفْسِيًّا أو عَاطِفِيًّا أو لَفْظِيًّا، بل ويتخطى بعض اَلتَّسَلُّط عبَر الإنترنت الحد إلى سُلُوك غير قانوني أو إجرامي. وَيُمْكِن أن يَضر التنمر عبر الإنترنت بِسمعة فَرد أو مجموعة أفراد أو مُؤَسَّسَات.

وَيُمْكِن أن يحدث التنْمر عبر الشبكة اَلْعَنْكَبُوتِيَّة من خِلال الرسائل القصيرة وَالنُّصُوص ووسائل التواصل الاجتماعي أو اَلْمُنْتَدَيَات أو غيرها حيث يُمْكِن للأشخاص عَرض اَلْمُحْتَوَى أو اَلْمُشَارَكَة فيه أو مُشَارَكَته. ويشمل اَلتَّسَلُّط عَبر الإنترنت إرسال أو نشر أو مُشَارَكَة مُحْتَوَى سلبي أو ضار أو خاطئ أو وضيع عن شخص آخر، يُمْكِن أن يَشمل ذلك مُشَارَكَة معلومات شخصية أو خاصة عن شَخص آخر تُسَبِّب في الإحراج أو الإذلال أو الاتهام بِغير حق أو غيرها من الأشياء التى لا يرضاها دين ولا قانون.

وتتمثل خٌطورة هذا النوع من التنمْر فى أن أى مٌحتوى ضَار مثل الكلمات المٌسيئة أو الشائعات تنتشر فور عملية النشر بسٌرعة فائقة تفوق الخيال من خلال قيام باقى الحسابات الإلكترونية بإجراء عملية مٌشاركة للمنشور أو نسخ ولصق للمٌحتوى المٌنشور، وكل هذا يحدث خلال ثوانى حيث يتمثل التنمّر الإلكتروني فى إرسال معلومات او رسائل مٌزيّفة وغير صحيحة عن شخص ما أو كتابة تعليقات من هذا النٌوع أو مٌشاركة صٌورة بهدف السٌخرية بغرض الاستمتاع برؤيتهم يشعرون بالآسى او عن طريق انتحال الهوية او خداع شخص ما للكشف عن أسراره ثمّ نشرها وإرسالها إلى الآخرين.

التنمْر ليس فقط سلوكاً انعزالياً من جانب مُرْتَكِبِيهِ، بل يُعْتَبَر أيضاً جزءاً من نمط سلوكي اكتسبة اَلْمُتَنَمِّر من مدرسته وأسرته بِشكل أكبر وهو مُضَادّ لِلْمُجْتَمِعِ وَمُحَطَّم أو مُضَعَّف لقواعده اَلْمُنَظَّمَة له فَعُدْوَان الفرد اَلْمُتَنَمِّر السيئ على الآخرين هو تفريغ طبيعي لطاقة اَلْعُدْوَان الداخلية لدى الفرد الذي تلح لإشباعها، وَيُفَسِّر سُلُوك اَلنَّمِر بأن المٌتنمْر يٌسقط مايٌعانيه من إحباطات وسلٌوكيات غير سوية داخل الأسرة أو البيئة المدرسية على شَخصية الضحية ناتجة عن أساليب التعامل غير السوية مع الفرد.

إن اَلْمُتَنَمِّر الألكتروني يُعَزِّز سُلُوكه عَبر الإنترنت من قِبل الأفراد اَلْمُحِيطِينَ به مثل اَلزُّمَلَاء والأصدقاء وإحرازه درجة اَلنُّجُومِيَّة الزائفة بين زملائه مما يجعله يَشعر بأنه مُخْتَلِف وَمُتَمَيِّز ولكن بالشر وَالدَّهَاء، كما أن حُصُول اَلْمُتَنَمِّر على ما يُرِيدهُ يُمَثِّل تعزيزا بحد ذاته وهذا يدفعه لإنشاء وبناء مواقف إلكترونية تنمريه أُخْرَى وَأُخْرَى في الاعتداء على الأفراد اَلْمُحِيطِينَ به من زملائه وقلما كان يٌوجه عقاباً من الأٌسرة أو من المدرسة أو المٌجتمع وإنما يٌترك يٌمارس أفكاره المٌتنمْرة على غَيرة من الأفراد.

والتنشئة اَلْأُسَرِيَّة مسئولة عن ارتفاع نسبة التنمْر الألكتروني بين أبنائها بِشكل كبير ويرجع ذلك إلى ميل اَلْأُسَر في اَلْمُجْتَمَعَات اَلْمُعَاصِرَة إلى تلبية الاحتياجات المادية للأبناء من مسكن وملبس ومأكل وتعليم جيد وترفيه، مُقَابِل إهمال الدور الأهم الواجب عليهم بالنسبة للطفل أو اَلْمُرَاهِق، ألا وهو اَلْمُتَابَعَة التربوية وتقويم اَلسُّلُوك وتعديل الصفات السيئة والتربية الحسنة، وقد يحدث هذا نتيجة انشغال الأب أو الأم أو هُمَا معا عن تربية أبنائهما وَمُتَابَعَتهمْ، مع إلقاء اَلْمَسْؤُولِيَّة على غَيرهم من اَلْمُدَرِّسِينَ أو اَلْمُرَبِّيَات في البيوت.

وعلي ذلك يجب على الدول الانتباه إلى ظاهرة التنْمر الإلكتروني، وإيجاد العِقاب القانوني السريع اَلْمُنَاسِب الرادع وَمُحَاوَلَة التركيز على إكساب الأفراد ثقافة الاستخدام الآمن للإنترنت، وتعزيز البناء الديني والقيمي وتوجيههم إلى خُطُورَة أن يَقُوم بعضهم باستهداف أقرانهم بالرسائل اَلْإِلِكْتِرُونِيَّة اَلْمُسِيئَة، وما يترتب على هذه الرسائل من تداعيات نفسية واجتماعية وتربوية خطيرة، يُمْكِن أن تصل إلى تدمير البنية النفسية لمن يَقع ضحية هذه الرسائل.

من السهل عتاب ولوم الآخرين لكن حينما تلقى اللوم على اَلتِّكْنُولُوجْيَا تُقَرِّر التنازل عن قُدْرَتك واختيار اَلْمُسْتَوَى الأدنى للطاقة فالسبب ليس في اَلتِّكْنُولُوجْيَا بل في مُسْتَخْدَمِيهَا، أما إذا قُلْت لنفسك إنك مسئول عن حياتك فلن تلوم أو تنتقد هذه اَلتِّكْنُولُوجْيَا ولن تَلُوم أحد ولن تُقَارَن نفسك بأحد مهما كان يجب أن تُقَرِّر أن تُصْبِح أفضل ما استطعت، وهكذا سوف تمتلئ بالطاقة الإيجابية وتسعى الى ايجاد الحٌلول المٌناسبة وتٌصبح سَيد عقلك وقٌبطان سفينتك، ستكون أكثر قٌوه فى مٌواجهة آفات المٌجتمع الذين يَستخدمون التٌكنولوجيا للتنْمر على غيرهم بإحساسك بأنك مٌمتلك زمام أمرك.

وأخيراً نصيحتي لكل مُتَنَمِّر إن الذات السلبية في الإنسان السيئ هي التي تُشْتَهَى إيذاء الآخرين، هي التي تغضب، وتأخذ بالثأر، وَتُعَاقِب بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء، وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين، عش كل لحظة كأنها آخر لحظة في حياتك وأعلم أن ورائها حساب، قال تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. . ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»، (سورة الزلزلة). إن حساب الله شديد. . . . . وللحديث بقية، ،

قد يعجبك ايضا
تعليقات