القاهرية
العالم بين يديك

ويسألونك عنها

136

بقلم- مودّة ناصر

كيف يداوي المرءُ وجع روحه؟ كيف يفهم كينونة وجعه المُتخفيةَ في الناسِ والحبِّ والحلمِ والحياة؟. بل كيف يُدرك عمق جرحه الحقيقيّ؟ ذلك الغائرُ في نفسه، الممتدُّ كمغارةٍ هي أهلٌ للعبثيّةِ والحيرة. المُضببُ كسماءٍ زرقاء قاسية البرودة.
كيف يغدو أول خلودنا المؤقت بعد خلود الأحبّةِ الأبديّ؟ وبأي جرأةٍ أشرقت شمسُ الخذلانِ الأولى؟. تمضي الأيام ولا نمضي، ونكبرُ والأثر عالقٌ فينا. وكيف أكفُّ عن طرحِ السؤال؟

الجوابُ يبدو كمرأةٍ مُتكبِّرة، هكذا يعتقد الجميع. والحقيقةُ أنها ترتجفُ خوفًا جاهلةً وجهتها. تلك الطرقُ العديدةُ التي سلكتها، ماكانت قوةً وإنما وهنٌ على (وهن). ذلك الأخيرُ يبدو كعجوزٍ مُسنّ، ذو كرامةٍ، يحسبه الجاهلُ غنيَّا بالسلام، لا يسألُ القُربى إنصاتًا واهتمام.

الوهنُ عتيقٌ بآثارِ الزمانِ والمكان. عمرُه التجربة، وداؤه صدق الشعور؛ لذا يحتلّهُ السَقم.

حَزَمتَ أمتِعتَك الحالمة وتأهبتَ لأولِ قطارٍ وجهتهُ “السفر”، لم تعُدْ تكترثُ بالطريق. لم تنسَ رسائلك القديمة، والوردة التي تحتضنهم. وزجاجةُ عِطرك الفارغة، قد خصصتَها لكلِ مراسِمك البهيجة. ما إن اخترقتك حتى تمثّل شريطُ الذكرى الجميل. وما أنتَ إلا جَمعٌ من الذكرياتِ علَّتهُ الحنين.

سِهامُ البَردِ تُصيبُ روحك المُتعبَة. كتِفُك وحيدٌ لا يؤنسُه سوى فراغُ المِقعدِ المُجاور.
وحدُك أنت، تستندُ عليك. تغفو وتكادُ تسقطُ رأسك، فتفيق. وتُحبُّ أن تغفو مُجددًا لتستكمِلَ الحُلم. وكأنها تجلسُ أمامك تحتضنها بعينيك وتُحنو عليك بابتسامتِها. لكنَّ الحلمَ عصيٌّ فلا ينصاعُ لمرادك، تراودهُ ولا يأتي مُجددًا. وتفيق، لتستوحِش نفسَك والطريق.

إلى كل الطُرُقِ الجبَابِرة، التي فرضت نفسها كمستعمرٍ نفاك عن نفسِك، فصرت غريبًا عنها وأنت فيها. نهبَ خيراتِ روحك ثم فرَّ يلقي عليك اللوم؛ لأنك لم تحمِها.
لن يشعر أحدٌ بالعجزِ الذي جمّدَك إثر البغتة. لن يُدرك قدر ألمِك غيرك، ولا يجدرُ على ترميمهِ سواك. ومازلت تسأل تائهًا عن كيفيةِ مداواهِ الروح، وعن كينونةِ الوجع التي مَكرت بنا؛ فتخَفّت في الناسِ والحبِ والحلمِ والحياة!

تلك المحطةُ الأولى، وللحديثِ بقيّة.
استراحة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات