القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ليست مجرد زوجة

103

كتب /حمادة توفيق 

ليستْ زوجتي مجردَ زوجةٍ فحسب، هي شريكةُ عمرٍ ورفيقةُ درب، فلم تكنْ لتمرَّ الأيامُ بصروفِ لياليها الصعبةِ وعواصفها السواهكِ إلا بوجودها، تلك العواصفُ التي لو طالَ أَمدُها لألفيتُ الوبارَ مخيمًا على حاضري الذي أحياهُ، ولوجدتُّ الدمارَ مُحدِقًا بمستقبلي الذي أنتظرُ لقياهُ، مهلًا يا صاح، باللَّهِ أنا لا أبالغُ في الوصفِ، فما أكتبهُ لك هو عينُ الحقيقةِ، سأبسِّطُ لك الأمرَ ..
هل تدركُ قيمةَ أن تجدَ نفسكَ محاطًا بالصعابِ من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، غارقًا في الأزماتِ من رأسكَ لأخمصِ قدميكَ، تعيسًا حتى الثُّمالةِ، ضائعًا حتى النخاعِ، تكالبتْ عليك الشدائدُ بلا هوادةٍ كالتي لا ترى في الأنامِ سواكَ، ثم تجدُ من يشدُّ من أزركَ ويُقوِّي عُضُدَكَ ويسندُ مَيلَكَ ويجبرُ كسرَكَ؟
نعم، فها هو أخي الكبيرُ الذي كان ملءَ السمعِ والبصرِ يموتُ، ولأنه الحياةُ والسندُ والظهرُ والصديقُ انكسرتْ شوكتي، ففقدتُّ الأملَ واستوى اليأسُ على عرشِ قلبي، لدرجةِ أن وصلَ بيَ الشططُ إلى حدِّ التفكيرِ في الانتحارِ !!
ثم تمضي الحياةُ على مضضٍ، فيها من الألمِ المُمِضِّ ما يذيبُ الأكبادَ، ومن الوجعِ ما ينوءُ بحملِهِ العصبةُ أولو القوةِ والرجالُ الشدادُ، حتى إذا هلَّ نسيمُ الأملِ ولو على استحياءٍ، وأقبلَ يداعبُ وجنةَ الوجعِ بكفِّ حانٍ، داهمتني الفجيعةُ الأكبرُ، موتُ أبي، ها هو الآن طريحُ الفراشِ، قد احتالَ عليه الألمُ بقضِّهِ وقضيضهِ، وتمكنَ منه أيَّما تمكنٍ، وعسَّ الموتُ جبينَهُ، ورفرفَ طَائِرُهُ بين عينيهِ، فخيمَ عليهما الذبولُ بعدما كانا مصدرًا للحياةِ والأملِ.
يا الله! ما أتفهَ الدنيا وما أسخفَ المتشبِّثينَ بها، إنهم يتكالبونَ عليها تكالبَ الكلابِ على الجيفِ، حتى إذا أقبلتْ غِربانُ الموتِ ناعقةً منذرةً بالشؤمِ تَلقَّفتهمْ فُرُشُ النهايةِ مستسلمينَ، لا حولَ لهم ولا قوةً.
وبينما أنا أتخبطُ في ظلمةٍ حالكةِ السوادِ، أقبلت هي، مدت يدًا بيضاءَ لا ترجو إلا الخيرَ، حانيةٌ طيبةٌ رقيقةٌ حالمةٌ هادئةٌ عفويةٌ بسيطةٌ قنوعةٌ، بريئةٌ كطفلٍ يخطو خَطواتِهِ الأولى.
في البدايةِ جابهتنا ظروفٌ صعبةٌ ومشكلاتٌ حياتيةٌ متعنتةٌ، أَزَّمَت من وضعي الذي كان متأزمًا أصلًا، ثم رويدًا رويدًا أحببتها، فعمقت الحبَّ عِشرةٌ كانت تفرضُ كلمتها الأخيرةَ في أشدِّ الأوقاتِ تَعَسُّرًا وقسوةً، وها هي الأيامُ كعادتها لا تطيبُ على الدوامِ، لكن بوجودها سَيمُرُّ مُرُّها ويدومُ حُلوُها، ويبقى الأملُ بستانًا مُزدانًا، يختبلُ عقولنا، فلا ننهزمُ أمامَ يأسٍ، ولا ننكسرُ أمامَ وجعٍ، وسنبقى صامدينَ، لا تخورُ قُوانا أبدَ الدهرِ.

قد يعجبك ايضا
تعليقات