القاهرية
العالم بين يديك

كبسولات_قصصية

152

رشا فوزى

“أشواك الزنبق”
– من منا لا يحلم بالقضاء على مصدر ألامه، أحزانه، وخيبة أمله، دون أن يصيبه سوء من جراء ذلك!
كنت أتابع صوتها الذكوري من خلف الأبخرة المتصاعدة من مبخرتها بلا مبالاة مغلفة بحزن، وقد أصبحت تلك اللا مبالاة الحزينة هي نهجي في الحياة، إلا أنني فجأة تخليت عنها؛ لحظة أن شممت تلك الرائحة المألوفة لدي والتي عبّقت الغرفة، تَلفّت حولي باحثة عن مصدرها وأنا أهمس :
– الزنبق الأبيض!
ليدهمني صوته قادما من حنجرة الغجرية:
-دائما ما تُذكّرينني بالزنبق الأبيض في صفاءه وجماله!
ارتسمت على وجهي علامات الهلع وأنا أنظر إليها، إلا أنها استقبلت هلعي بابتسامة مخيفة زادتني هلعا، ثم أمرتني بحزم :
-أنظري !
كانت تشير إلى بلورة أمامها بها ماء شديد الصفاء لكنها ما إن تمتمت عليها ببضع كلمات لم أعِ معناها، حتى تعكر صفو الماء وفار، وامتلأت البلورة بما يشبه الضباب تتخلله أطياف متراقصة لثلاث ساحرات إحداهُن تتشح بوشاح أبيض، نَظرْت للغجرية بغضب وثبات وأنا أقول :
– نعم، هُن!
– وهل أنتِ متأكدة مما تريدين فعله؟!
جذبتني الذكرى…
– حبيبي اهتمام أهلك بمسألة الأنجاب مبالغ فيه؛ لم يمض على زواجنا سوى بضعة أشهر .
– إنها العادات، لا تعيرهم اهتماما فلا شيء عندي أغلى من زنبقتي!
نظرت لها بحزم :
– أفعلي!
جَذبت يدي إليها بقوة وهي تتمتم ببطلاسمها، وإذ بوخزة في إبهامي جعلتني أنتفض، ثم أراها تُسقِط ثلاث قطرات من دمي على البلورة، لتُلقي بيدي إليّ بعنف معلنة عن انتهاء الجلسة، نظرت لها متوجسة وأنا أنفحها المال، لكني مضيت دون أن أنطق بكلمة.
وفي طريق العودة لبيتي وردني اتصال جعلني أغير وجهتي.
دخلت قاعة الاستقبال بالمستشفى في هدوء وثبات لا يتناسبان مع الموقف، لأجده منهار بملابس العرس على أحد المقاعد واضعا رأسه بين راحتيه، اقتربت منه بنفس الهدوء، فغمره عبير الزنبق المتفاوح مني، التفت إليّ بعينين تملأهما الدموع، وبصوت يغالب البكاء أخذ يقول :
-لم ينجُ أحد سواي، ثلاثتهن مُتن على أثر الحادث، أمي، أختي، وابنة عمي، هذا ذنبُك!
ثم ارتمى في حضني كطفل صغير منتحبا، أخذت أُربت على شعره بينما أقول له وقد عدت للامبالاتي الحزينة:
– حبيبي، أنا حا مل

قد يعجبك ايضا
تعليقات