القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن اليتيم ” الجزء الرابع “

103

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع اليتيم، وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت في حجرى يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت السيدة عائشة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه” رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن، وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية، فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة، ولايشعر بفرق بينه، وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام، ولا بأس أن يشارك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد، وعن بشير بن عقربة الجهنى قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقلت ما فعل أبي؟ قال صلى الله عليه وسلم استشهد، رحمة الله عليه” فبكيت، فأخذنى فمسح رأسى وحملنى معه وقال” أما ترضى أن أكون أنا أباك، وتكون عائشة أمك؟” وعندما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحى خبر استشهاد قادة معركة مؤتة زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة، انطلق صلى الله عليه وسلم إلى بيت جعفر بن أبي طالب، قالت أسماء بنت عُميس زوجة جعفر دخل عليّ رسول الله وقد دبغت أربعين منيئة، وعجنت عجيني، وغسلت بنيّ ودهنتهم ونظفتهم، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ائتيني ببني جعفر” قالت فأتيته بهم، فتشممهم وذرفت عيناه، فقلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ما يبكيك، أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟

قال “أصيبوا هذا اليوم” قالت فقمت أصيح، واجتمع إليّ النساء، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فقال” لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شُغلوا بأمر صاحبهم” ومما تقدم يتبين لنا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأيتام، والتوجيه إلى حبهم، وأما عن أكل مال اليتيم و ظلمه، فقد قال الله تعالى “إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا” وقال الله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده” وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المعراج فإذا أنا برجال وقد وكل بهم رجال يفكون لحالهم، وآخرون يجيئون بالصخور من النار فيقذفونها بأفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت يا جبريل من هن هؤلاء ؟ قال الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا” رواه مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يبعث الله عز و جل قوما من قبورهم تخرج النار من بطونهم تأجج أفواههم نارا، فقيل من هم يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم ألم ترى أن الله تعالى يقول إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا” وقال السدي رحمه الله تعالى يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم، فقال العلماء فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه و تنمية ماله فلا بأس عليه، وما زاد على المعروف فسحت حرام.

لقول الله تعالى و من كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال أحدهما أنه الأخذ على وجه القرض والثاني الأكل بقدر الحاجة من غير إسراف، والثالث أنه أخذ بقدر إذا عمل لليتيم عملا، والرابع أنه الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه وإن لم يوسر فهو في حل وهذه الأقوال ذكرها ابن الجوزي في تفسيره، وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال “أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة والوسطى و فرج بينهما” وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال “كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى” فإن كفالة اليتيم هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أنفق عليه و كساه ابتغاء وجه الله تعالى، وقوله في الحديث له أو لغيره أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيا منه، فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه أو زوج أمه أو خاله أو غيره من أقاربه ، والأجنبي من ليس بينه و بينه قرابة، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم “من ضم يتيما من المسلمين إلى طعامه و شرابه حتى يغنيه الله تعالى أوجب الله له الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر” وقال صلى الله عليه و سلم “من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة، و من أحسن إلى يتيم أو يتيمه عنده كنت أنا وهو هكذا في الجنة” وقال رجل لأبى الدرداء رضي الله عنه أوصني بوصية قال ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك.

فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أردت أن يلين قلبك فادن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك” ومما حكي عن بعض السلف قال كنت في بداية أمري مكبا على المعاصي وشرب الخمر، فظفرت يوما بصبي يتيم فقير فأخذته وأحسنت إله وأطعمته وكسوته وأدخلته الحمام وأزلت شعثه، وأكرمته كما يكرم الرجل ولده بل أكثر فبت ليلة بعد ذلك فرأيت في النوم أن القيامة قامت ودعيت إلى الحساب، وأمر بي إلى النار لسوء ما كنت عليه من المعاصى، فسحبتني الزبانية ليمضوا بي إلى النار وأنا بين أيديهم حقير ذليل يجروني سحبا إلى النار، وإذا بذلك اليتيم قد اعترضنى بالطريق، وقال خلو عنه يا ملائكة ربي حتى أشفع له إلى ربي، فإنه قد أحسن إلي وأكرمنى فقالت الملائكة إنا لم نؤمر بذلك، وإذا النداء من قبل الله تعالى يقول خلوا عنه فقد وهبت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه قال فاستيقظت وتبت إلى الله عز و جل، وبذلت جهدى في إيصال الرحمة إلى الأيتام ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه، وأحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم، وكن للأرملة كالزوج الشفيق، واعلم كما تزرع كذا تحصد معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك، أي لا بد أن تموت ويبقى لك ولد يتيم.

أو امرأة أرملة وقال نبى الله داود عليه السلام في مناجاته إلهي ما جزاء من أسند اليتيم و الأرملة ابتغاء وجهك ؟ قال جزاؤه أن أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي معناه ظل عرشي يوم القيامة، ومما جاء في فضل الإحسان إلى الأرملة و اليتيم عن بعض العلويين، و كان نازلا ببلخ من بلاد العجم وله زوجة علوية وله منها بنات وكانوا في سعة ونعمة، فمات الزوج وأصاب المرأة وبناتها بعده الفقر والقلة فخرجت ببناتها إلى بلدة أخرى خوف شماتة الأعداء، واتفق خروجها في شدة البرد فلما دخلت ذلك البلد أدخلت بناتها في بعض المساجد المهجورة، ومضت تحتال لهم في القوت فمرت بجمعين جمع على رجل مسلم وهو شيخ البلد، وجمع على رجل مجوسى، وهو ضامن البلد فبدأت بالمسلم وشرحت حالها له، وقالت أنا امرأة علوية ومعي بنات أيتام أدخلتهم بعض المساجد المهجورة، وأريد الليلة قوتهم فقال لها أقيمي عندي البينة أنك علوية شريفة فقالت أنا امرأة غريبة ما في البلد من يعرفني فأعرض عنها، فمضت من عنده منكسرة القلب فجاءت إلى ذلك الرجل المجوسى فشرحت له حالها، وأخبرته أن معها بنات أيتام وهي امرأة شريفة غريبة، وقصت عليه ما جرى لها مع الشيخ المسلم فقام وأرسل بعض نسائه، وأتوا بها وبناتها إلى داره فأطعمهن أطيب الطعام، وألبسهن أفخر اللباس وباتوا عنده في نعمة وكرامة قال فلما انتصف الليل رأى ذلك الشيخ المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت، وقد عقد اللواء على رأس النبى صلى الله عليه و سلم، وإذا بقصر من الزمرد الأخضر شرفاته من اللؤلؤ والياقوت وفيه قباب اللؤلؤ والمرجان.

فقال يا رسول الله لمن هذا القصر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم لرجل مسلم موحد فقال يا رسول الله أنا رجل مسلم موحد، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أقم عندى البينة أنك مسلم موحد قال فبقي متحيرا فقال له صلى الله عليه و سلم لما قصدتك المرأة العلوية قلت أقيمى عندي البينة أنك علوية، فكذا أنت أقم عندي البينة أنك مسلم فانتبه الرجل حزينا على رده المرأة خائبة، ثم جعل يطوف بالبلد ويسأل عنها حتى دل عليها أنها عند المجوسى، فأرسل إليه فأتاه فقال له أريد منك المرأة الشريفة العلوية و بناتها فقال ما إلى هذا من سبيل وقد لحقني من بركاتهم ما لحقني قال خذ مني ألف دينار وسلمهن إلي، فقال لا أفعل فقال لا بد منهن فقال الذي تريده أنت أنا أحق به والقصر الذي رأيته في منامك خلق لي أتدل علي بالإسلام ؟ فوالله ما نمت البارحة أنا وأهل داري حتى أسلمنا كلنا على يد العلوية، ورأيت مثل الذي رأيت في منامك، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم العلوية وبناتها عندك ؟ قلت نعم يا رسول الله، قال القصر لك ولأهل دارك وأنت وأهل دارك من أهل الجنة خلقك الله مؤمنا في الأزل قال فانصرف المسلم وبه من الحزن والكآبة ما لا يعلمه إلا الله، ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله” وقال الراوي أحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر، والساعي عليهم هو القائم بأمورهم ومصالحهم ابتغاء وجه الله تعالى، ويقول الله عز وجل فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الطلاق “تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”

فقد حذرنا الله تبارك وتعالى من انتهاك حرماته والتعدى عليها وجعل ذلك من أكبر الكبائر التى يجب أن يقام عليها الحد، وهو العقوبة لكل خطيئة على حدة، فقال تعالى كما جاء فى سورة النساء “ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين” وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من انتهاك حرمات الله تعالى لأن كل من أصاب شيئا من محارم الله فقد أصاب حدوده وركبها وتعداها، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة “يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم” فيأمر الله تعالى الأولياء والأوصياء لليتامى أن يراعوا أحوال اليتامى ويصلحوا منها والإصلاح يشمل النواحى المادية ورعايتها وتنمية أموال اليتامى واستثمارها والكسب لتوفير ربح وفير لليتيم وكذلك النواحى التربوية كالتهذيب والتربية لليتيم فيجب على الولى أن يحيط برعايته وتوجيهاته بحسن النية والإخلاص كأنه أخ أو أب لليتيم، ويجب علينا المحافظة على أموال اليتامى، فقال تعالى فى سورة النساء” وأتوا اليتامى أموالهم ولا تبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا” وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بالصرف عليهم من ذلك المال فى حال الصغر وأما فى حال البلوغ واستئناس الرشد منهم فيتحقق ذلك بتسليمه إليهم وبين الله سبحانه وتعالى تبديل أموال اليتامى من حيث كان سائد عندهم فى الجاهلية فقد نقل أئمة التفسير أن الأوصياء فى الجاهلية كانوا يأخذون الجيد من مال اليتيم والغالى منه ويبدلونه بالردئ ولذلك جاءت الآية الكريمة لتنهى التجاوزات غير المشروعة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات