القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن اليتيم ” الجزء الثانى “

117

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع اليتيم، وإن تعريف اليتيم فى اللغة هو يُقصد بالانقطاع والانفراد، ويراد به انقطاع الصغير عن أبيه وانفراده عنه، ويقال للصبى يتيم، وللأنثى يتيمة، وتطلق صفة اليتم على مَن هو دون سن البلوغ، وتعريف اليتيم اصطلاحا اليُتم في الاصطلاح يقصد به انقطاع وانفصال الصغير عمن يرعاه ويدبر أموره ويقضي حوائجه، إذ إن حاجة الصغير لمن يرعاه حاجة ضرورية لا بد منها، واليتيم عند الفقهاء يطلق على من فقد أباه دون بلوغه مرحلة الحُلم، وتزول صفة اليتم عنه بمجرد الحُلم، وإن اتصف من بلغ الحُلم باليتم فيكون إطلاقا مجازيا، وذلك باعتبار حاله الذي كان قبل الحُلم، كما أُطلق على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو كبير، يتيم أبي طالب، إذ إن أبا طالب من قام على تربيته، وكما ورد في قول الله تعالى ” وآتوا اليتامى أموالهم” فأطلقت صفة اليتيم على البالغ والكبير، إذ إنهم لا يمكلون التصرف في أموالهم قبل ذلك، ونحن نتحدث عن كفالة اليتيم لابد أن ننوه بأولئك الأمهات الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن وفوجئن بالمسؤولية فقمن بها على أحسن وجه، وهن أمهات تفرغن لأبنائهن، وضحين من أجلهم حتى كبروا وبلغوا واستقلوا بأنفسهم، وكما لا يفوتنا أن ننكر على بعض اللئام الذين استغلوا ضعف اليتيم، فأكلوا ماله بغير حق، فعن سهل بن سعد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى وفرج بينهما” رواه البخارى، وقال ابن بطال” حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم.

في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك” ثم قال الحافظ ابن حجر، وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، وقال الحافظ أيضا، قال شيخنا في شرح الترمذى لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة، أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبى صلى الله عليه وسلم، أو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لكون النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل، ولا دنياه، ويرشده، ويعلمه، ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك، فمن عمل بوصية الله تعالى فهو أسعد الناس بهذا الجوار النبوي، ومن خالفها وأكل مال اليتيم تحت ذريعة الكفالة فهو شقي محروم فسبحان القائل ” ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده” وأما اليتيم في اللغة فله عدة معانى، منها الفقد والإعياء والإبطاء، ولقد أوصى الإسلام برعاية اليتيم، وكفالة اليتيم من الأعمال الطيبة التي تقدسها الشرائع السماوية وتقدرها المجتمعات في مختلف الأزمان، وقد أولى الإسلام اليتيم أشد الاهتمام وعظم مكافأة الإحسان له، وذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثا وعشرين مرة، وعن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله” وأحسبه قال وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر” رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة” رواه مسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” من ضم يتيما بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة” رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد، ويطلق لفظ اليتيم على مَن فَقد أباه قبل البلوغ، وأساس وأصل اليُتم الانفراد، والحاجة، والغفلة، اليتيم في الاصطلاح الشرعى هو يطلق لفظ اليتيم على مَن فقد أباه، بسن صغيرة، أي قبل سن البلوغ، استدلالا بما ثبت عن الإمام على بن أبي طالب رضى الله عنه ” لا يتم بعد احتلام” وقد يطلق لفظ اليتيم مجازا على الرجل الذي فقد زوجته، أو المرأة التي فقدت زوجها، وأكملا حياتهما برعاية الأطفال، وقضاء حاجاتهم، دون حاجة للآخرين، وقد دلت العديد من المواضع في القرآن الكريم على ضرورة الحرص والعناية باليتيم، وأما الحرص على مراعاة اليتيم والإهتمام به من صفات خير الناس وأصفاهم، ومما يدل على سمو منزلة اليتيم، فقد قال الله تعالى في قصة نبيه موسى عليه السلام مع الرجل الصالح الخضر عليه السلام كما جاء فى سورة الكهف ” وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ” وعن أبو الدرداء الأنصارى قال النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك” رواه الطبرانى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال.

” وضع يده على رأس يتيم رحمة، كتب الله له بكل شعرة مدت على يده حسنة” رواه الإمام أحمد، ولقد اهتم القرآن الكريم باليتيم وبيّن أهمية رعايته وحفظ حقوقه في أوائل الآيات التي نزلت على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى ” أرأيت الذى يكذب بالدين، فذلك الذى يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين” ويدل النص القرآني الكريم على إنكار سلوك من يسيء إلى اليتيم وينتقص من كرامته، وربط ذلك بالدين، دلالة على خطورة الأمر، ومن عظيم اهتمام القرآن الكريم باليتيم أن ذكره في معرض الحديث عن أركان الإيمان، دلالة على أهمية البر باليتيم، فقال تعالى ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب” وقد ورد ذكر اليتيم في القرآن الكريم ثلاثا وعشرين مرة في مواضع مختلفة، وإن من حقوق اليتيم التي نصّت عليها الشريعة الإسلامية هو الإحسان إليه والرحمة وإن الإحسان إلى اليتيم من الأمور المقررة في كافة الكتب والرسالات السماوية، فقد قال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذى القربى واليتامى والمساكين” وإن الإحسان إلى اليتيم له عدة مجالات، من أهمها هو تنمية مال اليتيم وحفظه من التعدى والضياع والهدر، والتحذير من أكله بالباطل، وكذلك رعاية الأنثى اليتيمة، وحفظ كافة حقوقها، وعدم التعدي على أي حق من حقوقها المتعلقة بالزواج.

حين بلوغها سن الزواج، فقال الله تعالى ” وما يتلى عليكم فى الكتاب فى يتامى النساء اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط” وكذلك الإحسان إلى اليتيم في الأقوال والأفعال، وتجنب قهره أو ذله أو التعدى عليه، ومراعاة الجوانب الإنسانية لدى اليتيم وتنشئته تنشئةً سويةً كريمة، وتربيته على القيم والأخلاق الفاضلة، وتعويضه بالقدر الكافي عما فقده من الحب والحنان بموت أبيه، ويترتب على ذلك الثواب العظيم ومرافقة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأيضا الحرص على تعليمه وتربيته وتهذيبه، ولا يتعارض ذلك مع أهمية توجيهه وتعديل سلوكه وردعه عن الانحراف السيئ إن وقع منه في القول أو العمل، وتجدر الإشارة إلى أن بعض النفوس قد انحرفت عن الفطرة وجادة الصواب، فيغلب عليها القسوة والشدة في التعامل مع اليتيم، والطمع والجشع في أمواله، مما يقودهم إلى ظلمه وتجاوز حقوقه والاعتداء عليه وإذلاله وإهانته، لذلك حذر الإسلام من ذلك أشد تحذير، وعاب على المعتدين على اليتيم سلوكهم المشين، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة الفجر ” كلا بل لا تكرمون اليتيم” وأيضا الاهتمام به اجتماعيا، حيث يحتاج اليتيم للتربية الصالحة كما يحتاج للطعام واللباس والمسكن وغيرها من الاحتياجات، وعلى المجتمع المسلم أن يتعاون في تأمين تلك المتطلبات لينشأ اليتيم نشأة سليمة، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى بعض وجوه التكافل بما أنعم به على نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في يتمه.

فقال تعالى ” ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى” فالآيات السابقة تشير إلى أهم أوجه رعاية اليتيم اجتماعيا، وهى الحرص على مبادلة الحب والعطف والحنان مع اليتيم ليكون بذلك إنسانا صالحا في المجتمع بحيث لا تؤثر عليه حالته في حياته الاجتماعية، وبذلك لا يمكن أن ينشأ وحيدا ولن تتسبب الوحدة في انحراف سلوكه عن باقي أفراد المجتمع الصالحين الذين نشأوا بوجود والدهم، وكذلك إيواء اليتيم بالمسكن المناسب، ويمكن تحقيق ذلك بإنشاء مؤسساتٍ اجتماعيةٍ خاصةٍ بالأيتام تقوم على أمورهم وشؤونهم، والاهتمام به ماليا فقد قال الله تعالى ” وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا” فقد ارتبطت الآية السابقة الدالة على حفظ أموال الأيتام ثم دفعها لهم بعد رشدهم بما قبلها من الآيات في سورة النساء التي تأمر بوجوب تقوى الله تعالى، وإيتاء المال لليتيم يكون بصورة كاملة دون نقص منه أو تبديله، والتبديل الوارد في الآية السابقة يحتمل تفسيرين، أولهما هو عدم استبدال الأموال الحلال بأموال اليتامى المحرمة على غيرهم، وثانيهما هو عدم استبدال الأموال الردئية وغير الطيبة بأموال اليتامى الطيبة الجيدة، ثم بيّن الله سبحانه وتعالى في الآية أن ذلك التصرف إن وقع فيعد إثما وذنبا عظيما، ومن الأقوال الواردة في ذلك قول سعيد بن جبير رضى الله عنه “إن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب ماله، فمنعه عنه، فخاصمه إلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية السابقة”

وخلاصة القول المستفاد من الآية هو وجوب المحافظة على مال اليتيم وتنميته، ووجوب إعطاؤه ماله حين بلوغه ورشده، وكذلك حُرمة أكل مال اليتيم بغير حق، وحرمة استبداله أو ضمه إلى أموال أخرى إلا إن تحققت مصلحة لليتيم من ذلك، إذ يجوز ضم مال اليتيم إلى أموال أخرى بقصد تنميتها والمحافظة عليها وغير ذلك من المقاصد، مع الحرص على توثيق ذلك والإشهاد عليه، وتجدر الإشارة إلى أن أخذ مال اليتيم من كبائر الذنوب، وقد أفتى العلماء بحرمة أكل مال اليتيم، وأن من يأكلون أموالهم بلا حق فإنما يأكلون مالا حراما، وقد أمر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم باجتناب السبع الموبقات، وذكر منها أكل مال اليتيم، وقد نهى الله تعالى عن ذلك، إلا أن المقصود هو كل أنواع التعدى، وعلى ذلك أجمع علماء الأمة، ويدفع المال لليتيم عندما يبلغ السن التي تؤهله لذلك، فقال الله تعالى ” وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا فإن انستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ” والمقصود بالرشد هو القوة العقلية وحسن التصرف بالمال، وانتهاء الفترة العمرية التي يكون فيها الإنسان جاهلا يتصرف بسفه وطيش وتبذير، فهذا هو مناط دفع المال لليتيم ليتصرف به، وأما من حيث جواز أكل الوصي من مال اليتيم، فقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى ” ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف” فقد صنفت الآية الكريمة الأوصياء إلى صنفين، هما الوصي الغني، وقد ورد الأمر الإلهي بأن يستعفف ويستغني بماله ولا يأكل من مال اليتيم، وأن يبتغي بكفالته ورعايته وجه الله سبحانه وتعالى، ونيل رضوانه.

قد يعجبك ايضا
تعليقات