القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن الشهادة من أجل الوطن ” الجزء الأول “

94

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

لقد أعد الله سبحانه وتعالى للشهداء من الأجر العظيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فلقد أعد لهم دار الخلود، ودار الخلود هى التي وعد عباده من كان منهم تقيا، ومن أتقى وأكرم من الشهيد سوى من رضي الله من الأنبياء والصالحين ممن رفعهم مكانا عليا، فإن منازل الشهداء عند الله عز وجل لا يبلغها أى مخلوق، وقد ذكر الله أجر الشهداء في القرآن فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ” ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون” وإن الشهداء عندما صعدت أرواحهم إلى السماء ورأوا ما كانوا يوعدون فرحوا بعطاء الله تعالى، ولكنهم حزنوا على أهلهم وإخوانهم الذين يحزنون عليهم في الدنيا، فسألوا الله تعالى أن يطمئن أهلهم عنهم، فأنزل هذه الآيات ليواسي أهلهم، فقد رأى الشهيد من الأجر العظيم ما لم يره غيره وما لم يتوقعه هو نفسه، فمنها أنه حي عند ربه، ومنها أنه مع الأنبياء والصديقين في منزلة رفيعة عند الله، ومنها أنه لا يشعر بألم ولا عذاب عند موته، ومنها أنه لا يعذب في قبره ولا يوم القيامة، ومنها أن منزلته في الفردوس الأعلى، ومنها غير ذلك مما استأثر الله تعالى به في علم الغيب، ولعل مفهوم الشهادة لا يقتصر على قتلى الحروب ضد أعداء الديانة، بل هم فروع وصنوف، وأعلاها منزلة هو الذي قد بذل دمه ونفسه في سبيل الله، ولذلك ينبغي لنا أن نعلم أن أحكام الشهيد تختلف باختلاف صورة استشهاده.

فكما أسلفنا إن للشهادة صور كثيرة وإن كان أعلاها شهيد الحرب، وإن الشهادة تنقسم إلى أنواع كثيرة ولا تختص فقط بشهيد الحرب، فالشهادة هي البذل في سبيل الله، ولتوضيح هذه الفكرة نأتي على حديث للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم فيه أصحابه أن البذل في سبيل الله تعالى يمكن أن يكون في أيام الحرب وأيام السلم، ففي أيام الحرب البذل في سبيل الله معروف، ولكن في أيام السلم ربما تكون معلومة غائبة عن الأذهان، فمرة كان النبى صلى الله عليه وسلم، واقفا مع الصحابة فرأوا رجلا ممتلئا نشاطا وهمّة وطاقة، ويبدو أن بنية جسمه كانت صلبة وقوية ما جعل الصحابة يعجبون بقوته وطاقته، فقالوا لو كان هذا الرجل يخرج في سبيل الله فينتفع به المسلمين، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إجابة تعلمهم ونحن معهم، ما معنى أن يكون الرجل في سبيل الله، فقال لهم صلى الله عليه وسلم “إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” فإن هذه صور توضح أن الخروج في سبيل الله لا يقتصر فقط على القتال في المعارك، وإذا علمنا أن الإسلام لا يرى البذل في سبيل الله مقصورا على البذل في المعارك، فمن باب أولى أن يكون للشهادة أنواع أخرى غير الاستشهاد في المعركة، وإن من الشهداء الذين ذكرهم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، هو صاحب السل، ومن مات بذات الجنب، والحريق، وصاحب الهدم.

والمرأة تموت جمعاء، ابنها في بطنها، والنفساء، ومن قتل دون ماله أو دينه أو عرضه أو دمه، وقد أوضح لنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من هم سادات الشهداء عند الله تعالى فقال “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” ولكن ذلك لا يعني أن نجهر بنصح الإمام من فوق المنابر، فالسلطان يناصح سرا كما ورد في الحديث “من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية، وليأخذ بيده وليخل به، فإن قبلها قبلها وإلا كان قد أدى الذي عليه” وخير الشهداء من قتل يوم بدر، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم في شأن حاطب بن أبي بلتعة ” إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال ” اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم” وإن أفضلهم شهداء الصحابة، فهم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، لا كان ولا يكون مثلهم، ويعيش الإنسان في هذه الأرض على مساحة جغرافية معلومة يوجد فيها العديد من الأفراد الذى يشتركون معه في اللغة والنمط الاجتماعى والعادات والتقاليد، ويُعد حب الأوطان أمرا فطريا في نفس الإنسان، فهو المكان الذي يولد فيه، ويعيش فيه مرحلة الطفولة بكل ما فيها من ذكريات لا يمكن نسيانها، والوطن يأتي بمثابة الأم التي ترعى أطفالها، وتوفر لهم الحماية والرعاية والأمان، ويتمتع الفرد في الوطن الذي يعيش فيه بمجموعة من الحقوق، وتفرض عليه في الوقت ذاته مجموعة من الواجبات التي ينبغي عليه أن يقوم بتأديتها على الوجه الذي يرضاه لنفسه ولوطنه، ولا يشعر بقيمة الوطن إلا الذي يغترب عن وطنه.

حيث تحتم عليه ظروف العمل أن يذهب إلى بلد آخر يبحث فيه عن فرصة أفضل من أجل تحقيق ذاته مهنيا، كما قد تطرأ بعض الظروف القاسية التي قد تدفع الناس إلى مغادرة أوطانهم مثل ظروف الحرب القاسية، وهنا تكون مغادرة الوطن رغبة في تحصيل درجة أفضل من الأمان الشخصى والنفسى، وعندما يعيش الإنسان خارج وطنه فإنه يشعر بهذا التغيير من خلال وجود أنماط اجتماعية مختلفة، ووجود اختلافات في لهجات الأشخاص الذين يتحدثون من حوله، وفي العملة التي يتم استخدامها في عمليات البيع والشراء، وفي حال مغادرة الإنسان لوطنه وحيدا فإنه سيفتقد إلى وجود الأهل والأصدقاء من حوله، وإلى الشعور بالراحة والاستقرار النفسى والاجتماعى، ويجب على الإنسان أن يحافظ على وطنه، وأن يحميه من كل الأخطار الفكرية والاجتماعية والمادية، فالغزو الفكري والثقافي لا يقل خطورة عن الغزو المادي أو العسكري، فهو يسيطر على العقول، ويغيّر أفكار الناس، وهنا يأتي دور المواطن الصالح في محاربة الأفكار الفاسدة التي تسعى إلى شق صفوف المجتمع، وتثير فيه الفوضى والبلبلة، كما أنه يهتم بالمرافق العامة، ويمنع الاعتداء عليها أو استغلالها بشكل يجعلها غير صالحة للاستخدامِ فيما بعد، كما ينبغي عليه أن يحاول توظيف معرفته الأكاديمية وخبرته المهنية في تطوير القطاعات ذات العلاقة بالاختصاص الذي تعلمه، فيكون بذلك سببا في إحداث النهضة والتطوير في المجتمع الذي يعيش فيه، وقد ينعكس هذا الأمر على مستوى الوطن ككل.

كما يجب على الإنسان أن يكون في مقدمة الصفوف التي تحمي الوطن، وتدافع عنه في حال وجود أى اعتداءات خارجية، وهناك العديد من الأمثلة الخالدة التي سطرها الجنود البواسل عبر التاريخ في الدفاع عن أوطانهم، حيث قدموا أموالهم وأرواحهم رخيصة من أجل حماية الأوطان والحفاظ على إرثها الإنساني والتاريخي والحضارى من الأعداء الذين يكيدون للوطن، ويهدفون إلى نهب مقدراته، وسلب أراضيه، والسيطرة على من يعيشون فيه، وأنه ليس الشهيد في الإسلام نوعا واحدا، بل للشهداء أنواع في الشريعة الإسلامية، وإن أنواع الشهداء في الإسلام كما قررها الفقهاء ثلاثة أنواع، فمنهم شهيد الدنيا والآخرة، يعني الذي يعرف أنه شهيد في الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب الشهادة، وهو الذي قد خرج صادقا لقتال الكفار وقتل في ذلك القتال، وأما الصنف الثاني فهو شهيد الدنيا، وهو الذى قد خرج للقتال رياء، فهذا لا يعلم سريرته إلا الله تعالى، فمن الممكن أن يعتقد الناس أنه شهيد، ولكنه في الحقيقة ليس شهيدا عند الله تعالى، والصنف الثالث هو شهيد الآخرة، وهذا الصنف يعامل في الدنيا على أنه ميت كسائر الأموات، ولكنه عند الله تعالى في الشهداء، فمن هؤلاء الصنف الذي يموت غرقا، والذي يموت بداء في بطنه، والذي يموت بالطاعون، والذي يموت في الغربة، والذي يموت وهو يطلب لعلم، وكذلك منهم المرأة التي تموت في طلقها، والذي يموت مظلوما كالذي يدافع عن ماله أو عرضه أو أهله أو نحو ذلك، فمن كرم الله تعالى على عباده أنه لم يجعل نيل رتبة الشهادة في الموت في قتال الذين كفروا.

وإنما جعل كثيرا من الميتات شهادة، فما أكثر المغتربين في زمان الحروب، فإذا ثبتوا على دينهم هناك وماتوا فهم شهداء بإذن الله، وأولئك الذين تخطفهم الوباء ما أكثرهم، فليهنؤوا بالشهادة وليهنؤوا قبل ذلك برب كريم سبحانه وتعالى، فإن الشهادة المقبولة عند الله هي الشهادة الصادقة وليس الشهادة التي يخرج صاحبها ليستعرض طاقاته أمام الناس ليرضي غروره ويرضي الشيطان، ولكن الشهيد الحق هو الذي قد خرج من بيته يدفعه الصدق وحب الله تعالى، حب الله يجعل المرء عبدا لله كما ينبغي، وبذلك تكون كل أفعاله نابعة من قلبه، ومن هنا تكون أعلى منازل الشهادة هي الشهادة في سبيل الله في قتال الكفار إقبالا من غير إدبار، وهنالك أيضا أنواع للشهداء قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة، ولكن مع فرق صغير وهو أنها تعامل في الدنيا معاملة الموتى العاديين من حيث التغسيل والتكفين والصلاة عليهم، ولكنهم عند الله في الشهداء، ومنهم خمسة أصناف قد ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث واحد، منهم شهيد المعركة الذي يعرف أنه الشهيد في سبيل الله، وأما الأصناف الأخرى فهي في قوله صلى الله عليه وسلم ” الشهداء خمسة، المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد فى سبيل الله ” فالمطعون هو الذى يموت في مرض الطاعون، وهذا المرض من أشد الأمراض فتكا بالبشر، وقيل ليس هو فقط الطاعون، بل كل مرض يكون وباء يفتك بالبشر فهو طاعون، ومن يموت فيه هو شهيد، والثاني هو المبطون، وهو الذي يموت بسبب داء في بطنه.

والثالث هو الغريق في الماء، وهذا الميت يعاني آلاما شديدة قبل الموت، أما الصنف قبل الأخير فهو الذي يقع عليه شيئا متهدما، كالذي يقع عليه جدار أو بناء أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى موته بسبب وقوع شيء ما عليه، والصنف الأخير قد استفضنا كثيرا في شرحه فيما تقدم، وقد يقول قائل هل هؤلاء هم فقط أصناف الشهداء في الإسلام؟ نقول لك لا، فقد قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، أيضا “من قاتل دون ماله، فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه، فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله، فهو شهيد” فهذه أيضا ثلاثة أصناف أخرى للشهداء في الإسلام، فأما الأول فهو الذي يريد أحد أخذ ماله منه، فيقاتلهم ليدافع عن ماله، فإن قتلوه فهو شهيد بإذن الله، أما الثاني فهو الذي يريد أحد ما قتله فيدافع عن نفسه، فإن قتله فهو شهيد أيضا، وأما الثالث فهو الذي يدافع عن أهله كزوجته وإخوته وأبنائه أو أحد والديه أو أحد أقاربه، فإن قتل وهو على تلك الحال من الدفاع فهو شهيد كذلك، ذلك أن الحق واحد وإن اختلفت الطرق الموصلة إليه، فالشهادة هي الحق، وقد اختط الله لها طرائق كثيرة توصل إليها، فأى طريق يسلكه العبد للوصول إلى الشهادة من الطرائق المشروعة فهو في سبيل الله تعالى، فإن مات وهو على تلك الطريق فإن الشهادة هي المنزلة التي يصيب، والجنة هي الأجر العظيم الذي قد أعده الله لأولئك السادة الكرام، وقد يقول قائل فإذا كانت الحياة بعد الموت مباشرة نصيب المؤمنين والكافرين، فما معنى أن الشهداء أحياء عند ربهم؟ وإذا كانت الحياة ستكون نصيب الجميع من أثيب ومن عوقب فما معنى أن الشهداء أحياء؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات