القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن حق الجار ” الجزء الثالث “

99

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع حق الجار، وقد توقفنا مع أذية الجار، وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال” لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم “يا رسول الله، إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا خير فيها، هي من أهل النار، قالوا وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأثوار، ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هي من أهل الجنة” ولفظ الإمام أحمد، ولا تؤذي بلسانها جيرانها، بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جحيفة، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له اطرح متاعك في الطريق، قال فجعل الناس يمرون به، فيلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، ما لقيت من الناس؟ قال وما لقيتَ منهم؟ قال يلعنوني، قال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فقد لعنك الله قبل الناس، قال يا رسول الله، فإني لا أعود” وإنه لا شك أن لأداء حقوق الجار وحُسن الجيرة أثرا بالغا في المجتمع وحياة الناس، فهو يزيد التراحم والتعاطف، وسبيل للتآلف والتواد، به يحصل تبادل المنافع وقضاء المصالح واستقرار الأمن، واطمئنان النفوس، وسلامة الصدور، فتطيب الحياة، ويهنأ المرء بالعيش فيها.

فلو أحسن كل جار إلى جاره، لظللت المجتمعات السعادة، ولعاشت كأنها أسرة واحدة، فتنصرف الهِمم إلى الإصلاح والبناء والسعي نحو الرقي والتقدم، ويتضح مما سبق البعد الإنساني للدين الإسلامي الذي يحرص على تحقيق روح المودة بين المسلمين بسبل شتى بالترغيب في مرضاة الله عز وجل، ولقد كان الجيران إلى زمن قريب متآلفين يعرف بعضهم بعضا، يتشاركون في معايشهم وأرزاقهم ويتحمل بعضهم بعضا، ويحفظ بعضهم جاره إذا غاب، ويدعو بعضهم لبعض في صلواته وخلواته، حتى من شدة قوة علاقاتهم شاهدنا كثيرا منهم يضع بابا بينه وبين جاره لسهولة التواصل، فكانوا يدركون عظمةَ بر الجار والإحسانِ إليه فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، دلنى على عمل إذا عملت به دخلت الجنة، قال صلى الله عليه وسلم” كن محسنا” قال كيف أعلم أنى محسن؟ قال صلى الله عليه وسلم” سل جيرانك، فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسئ فأنت مسئ” رواه الحاكم، أما اليوم فللأسف الشديد طغت المدنية المعاصرة والجهل بالشريعة وحب الذات حتى أصبح الساكن في عمارة واحدة لا يعرف جاره ولا يُسلم عليه لو قابله، ولا يسأل عنه، بل ليته يَسلم من أذيته أحيانا، إذ من أعظم الأذى والأذى كله شر هو أذى الجار، فكف الأذى عن الجار سبب لتحقيق كمال الإيمان، فيجب تربية أهل البيت من زوجة وولد على تعظيم حق الجار، وكف الأذى عنه، ويخبرهم بما في إكرام الجار من عظيم الأجر.

وما في أذيته من الوعيد الشديد، فإن الأذية قد لا تصدر من الرجل لجاره، ولكن من زوجه أو ولده، ولو وقع ذلك منهم فلا يتساهل به، بل يظهر غضبه عليهم مما وقع منهم من أذية جيرانهم، ليعلموا أن هذا الأمر شديد فلا يتهاونون به، والرجل سلطان أهله وولده، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وقال الإمام علي بن أبي طالب للعباس رضى الله عنهما ما بقي من كرم إخوانك؟ قال الإفضال إلى الإخوان، وترك أذى الجيران، فانظر كيف عدّ العباس رضى الله عنه، ترك أذى الجيران من الكرم، وإن مظاهر التقصير الشائعة في حق الجيران هى مضايقة الجار، وتلك المضايقة داخلة في أذية الجار، وهي تأخذ صورا شتى، فمن مضايقة الجار إيقاف السيارات أمام بابه حتى يضيق عليه دخول منزله، أو الخروج منه، ومن ذلك مضايقته بالأشجار الطويلة التي تطل على منزله، وتؤذيه بتساقط الأوراق عليه، ومن ذلك ترك المياه تتسرب أمام منزل الجار مما يشق معها دخول الجار منزله، وخروجه منه، ومن ذلك إيذاء الجيران بالروائح المنتنة المنبعثة من مياه المجارى، وقد لا يُلام المرء على هذا في بداية الأمر، ولكن يُلام إذا لم يحرص على إصلاحها أو تعاهدها، ومن ذلك مضايقتهم بمخلفات البناء وأدواته، حيث تمكث طويلا أمام بيوت الجيران بلا داع، ومن المضايقة للجيران وضع القمامة أمام أبوابهم، وأيضا من المضايقات هو حسد الجار، فإن الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حال المحسود، وإن الحسد خُلق لئيم، ومن لؤمه أنه موكل بالأدنى فالأدنى من الأقارب.

والأكفاء، والمعارف، والخلطاء، والإخوان، ولئن كان الحسد قبيحا، فإن قبحه يزداد إذا كان منصرفا إلى الجيران لأنهم من أَولى الناس ببذل الندى لهم، وكف الأذى عنهم، وأيضا احتقار الجار والسخرية منه، كأن يحتقر جاره، أو يسخر منه لفقره، أو لجهله، أو وضاعته، ومن ذلك السخرية بحديثه إذا تحدث، والسخرية بملبس الجار، أو منزله، أو أولاده أو نحو ذلك، واحتقار الجار لا يصدر من ذي خُلق كريم، أو دين قويم، وإنما يفعله الذين لم يتربوا تربية فاضلة، وأيضا من المضايقات هو كشف أسرار الجار فالجار أقرب الناس إلى جاره، وهو أعرفهم – في الغالب – بأسراره، فمن اللؤم والأذية للجار وكشف سره، وهتك ستره، وإشاعة أخباره الخاصة بين الناس، وأيضا تتبع عثرات الجار، والفرح بزلاته، فمن الجيران من يتتبع عثرات جيرانه، ويفرح بزلاتهم، ولا يكاد يغض الطرف عما يراه من أخطائهم وهفواتهم، وإن من المضايقات أيضا هو تنفير الناس من الجار، ومن ذلك تنفير الناس من بضاعة الجار إن كان التجاور في المتجر، كما يفعل بعض من لا خلاق لهم، حيث يبادرون المشتري بذم جيرانهم، حتى يُقبل الناس على بضاعتهم، ويعرضوا عن بضاعة جارهم، وأيضا التعدي على حقوق الجار وممتلكاته، ومن صور التعدى هو سرقة الإنسان من جاره، أو تعديه على أدوات جاره في الفصل أو المكتب، أو المزرعة، أو غيرها، أو المصنع، أو نحو ذلك، ومن ذلك الكتابة على جدار الجار، ويقبح الأمرإذا كانت كتابات بذيئة، فعلى من كتبها أن يزيلها، وأن يستبيح الجار، أو يعوضه.

لأن ذلك تعدى عليه، وتشويه لجداره، ومن التعدي على الجار إيذاء أبنائه، والعبث بسيارته وسائر ممتلكاته، وكل ذلك داخل في أذية الجار والتعدي عليه، فيجب على الإنسان أن يفطن لمثل تلك الأمور، وألا يحقر شيئا من أذى الجار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “إنه لا قليل من أذى الجار” وجاء في حديث المقداد بن الأسود قول النبي صلى الله عليه وسلم” فما تقولون في السرقة؟ قالوا حرمها الله ورسوله، فهي حرام، قال صلى الله عليه وسلم “لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات، أيسر عليه من أن يسرق من جاره” وأيضا إيذاء الجيران بالجلبة، فمن الجيران مَن لا يأنف من إيذاء جيرانه بالجلبة، إما برفع الأصوات بالغناء والملاهي، أو برفع الصوت بالشجار بين أهل البيت، أو بلعب الأولاد بالكرة وإزعاجهم للجيران، أو بطرق باب الجار، وضرب جرس منزله دون حاجة، أو بإطلاق الأبواق المزعجة أمام بيت الجار خصوصا في الليل، أو في أوقات الراحة، فلربما كان أحد الجيران مريضا، أو كبيرا لا ينام إلا بشق الأنفس، أو لديه طفل يريد إسكاته وتهدئته، فلا يستطيع ذلك بسبب الإزعاج والجلبة، وأيضا من المضايقات هو خيانة الجار والغدر به، ومن صور ذلك الإغراء بالجار، والتجسس عليه، والوشاية به عند أعدائه، ومن صور ذلك تتبع عورات الجار، والنظر إلى محارمه عبر سطح المنزل، أو عبر النوافذ المطلة عليه، أو حال زيارة الجيران لأهل ذلك الغادر، فذلك العمل من أقبح الخصال وأحطها، وهو مما يترفع عنه الكرام، فلا يصدر إلا من جبان لئيم، خسيس الطبع، ومن صور الخيانة والغدر بالجار.

هو التردد على الجارة طمعا بها، ومن صور الخيانة والغدر بالجار معاكسة محارم الجار عبر الهاتف، فهناك من يؤذي جيرانه بالاتصالات الهاتفية، والتي يبتغي من ورائها أن يظفر بمكالمة غادرة يستجر بها إحدى المحارم بكلامه المعسول وبعباراته الرقيقة، وأيضا قلة الحرص على التعرف على الجيران، فمن الناس من لا يعرف جاره الملاصِق، وربما دامت الجيرة سنوات عديدة وهم على هذه الحال، إما تجاهلا، أو تهاونا، أو اشتغالا بالدنيا، وقلة الفراغ للتعرف على الجيران، أو نحو ذلك، ويكثر هذا في المدن الكبرى، ولا ريب أن هذا الصنيع تفريط وتقصير، فمن حق الجار أن تتعرف عليه، وأن تتحبب إليه، وتتودد له، وأيضا قلة المشاركة العاطفية للجيران، فمن الناس من لا همّ له إلا خاصة نفسه، وما عدا ذلك لا يعنيه في قليل ولا كثير، ففرح الناس وحزنهم ومشكلاتهم لا تشغل حيزا من تفكيره، وتلك آفة سيئة، وأثرة قبيحة، وهي مع الجيران أسوأ وأقبح، فالجار الصالح من يعنى بشؤون جيرانه، فيشاطرهم أفراحهم، ويشاركهم أتراحهم، فإن نالهم الفرح فرح معهم، وزاد من أُنسهم، وإن نابهم ترح شاركهم في مشاعرهم، وواساهم، وخفف عليهم مصابهم، فإن ذلك دليل الإيمان، وآية المروءة، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والمؤمنون في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وأيضا قلة التفقد لأحوال الجيران، فمن الجيران من هو محتاج، ومنهم من قد ركبته الديون، ومنهم المرضى.

ومنهم المطلقات والأرامل، وكثير من الناس ممن أعطاهم الله بسطة في المال أو الجاه، لا يتفقد جيرانه، ولا يسأل عن أحوالهم، وأيضا الغفلة عن تعاهد الجيران بالطعام فكم من الناس من يغفل عن هذا الأمر، فلا يتعاهد جيرانه بالطعام، مع أنه قد يصنع ما يزيد على حاجته، ثم يرمي باقيه في القمامة، مع أن من جيرانه مَن قد يبيت جائع لا يجد ما يسد جوعته، وهذا منافى لحق الجيرة، وأدب المروءة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع” وأيضا قلة التهادي بين الجيران، فالهدية تجلب المودة، وتكذب سوء الظن، وتستل سخائم القلوب، فيحسن بالجيران أن يتهادوا فيما بينهم، وأن يتعاهدوا بالهدية الأقرب فالأقرب، فقد جاء في صحيح البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قلت يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال ” إلى أقربهما منك بابا” وقال ابن حجر، وقوله أقربهما أى أشدهما قربا، وأيضا التكبر عن قبول هدية الجار، فمن الناس من يتكبر عن قبول الهدية من جاره، وذلك إذا كانت يسيرة قليلة، أو كانت من جار فقير أو وضيع، وهذا من الكبر المذموم، ومما يورث البغضاء والشحناء، وكذلك منع الجار ما يحتاج إليه عادة، فمن التقصير في حق الجار منعه ما يطلبه من نحو النار، والملح، والماء، ومن ذلك رفض إعارته ما اعتاد الناس استعارته من أمتعة البيت كالقدر، والدلو، والفأس، والصحفة، والسكين، والقَدوم، والغربال، والفرش، ونحو ذلك، وقد حمل كثير من المفسرين الماعون في قوله تعالى كما جاء فى سورة الماعون ” ويمنعون الماعون”على هذه الأدوات ونحوها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات