القاهرية
العالم بين يديك

٢٠٢٠ سنة الكشف والحيرة

131

بقلم/ رانيا ضيف

أيام قليلة وتنقضى سنة استثنائية مفعمة بالأحداث الغريبة والمربكة .
فكانت كاشفة عن بواطن عجز، وضعف، وقلة حيلة الإنسان، وعن مكامن قوته، وقدرته على التكيف.
كشفت سنة ٢٠٢٠ عن وجوه الناس فى لحظات الاختيار الحر، فتساوى الناس فى الدول المتقدمة، والنامية فى ردود أفعالهم عند الملمات .
فضحت سنة ٢٠٢٠ جشع وانتهازية بعض أنظمة الحكم فى الوصول لأهدافها على حساب الناس، وأمنهم، وسلامتهم، وصحتهم، وتساوى أيضا فى ذلك أكبر الدول وأصغرها !

كانت سنة الفقد والعوض فى آن واحد،
سنة الكسر والجبر، فكانت سنة عادلة .
فالاختبار كان واحدا للجميع، والنجاح مرهون بقوتك الذاتية، وقناعاتك الباطنية، ودفاعاتك المناعية، وقوة إيمانك فى من يُسير هذا الكون بقوانينه المحكمة .
كانت ٢٠٢٠ سنة التغيير والتكيف؛
فلم يعد شيء كالسابق، فى ليلة وضحاها ساد العالم حظر التجوال، وسلسلة طويلة من المحظورات، والممنوعات، والوسائل الوقائية، لحفظ السلامة من عدوى فيروس قاتل سريع التفشى لا يوجد له علاج !
فكانت كصفعة على وجوهنا لنفيق من غفلتنا، لاعتيادنا النعم وجحودنا بها .
فحياتنا العادية بأحداثها التقليدية لم تكن سوى نعم عظيمة، لم ننتبه لها يوما إلا عندما زالت .
كالتنفس دون كمامة، الأمان والحرية فى كل تصرفاتنا والتى تقيدت حتى أصبحنا نهاب الخروج من المنزل، ونهاب لقاء الناس، ونعقم كل ما تطاله أيدينا، ونستثقل الذهاب لتسوق حاجاتنا، فكل شيء يلزمه التعقيم ومحفوفا بالمخاطرة .

فكانت سنة التباعد الاجتماعى، واعتزال الناس، والأهل، والأصدقاء، فأصبح منتهى البر والإيثار أن تبتعد عن أهلك، وأصدقائك حرصا عليهم، ومحبة فيهم !
سنة تبدلت فيها موازين الاقتصاد والسياسة،
فنمت شركات وتعملقت، وهبطت بورصة شركات وتحطمت فى مشاهد غريبة !
وظهرت انتهازية دول، واستغلالها للمواقف، وفرض سيطرتها وسطوتها .
فكانت سنة التحول وتبديل نمط الحياة .
حتى طقوس الموت لم تسلم من التغيير والتبديل، فمُنعت الجنازات والتجمعات للمواساة، وكُفن الموتى فى أكياس سوداء تحملها عربات إسعاف مجهزة وسط حراسة مشددة، وخوف، وفزع، وحرص شديد كى يتوارى الفيروس المميت مع الجسد الصريع .
كما تغيرت مراسم حفلات الزواج المعتادة،
فأصبح الحفل مقتصرا على أقارب الدرجة الأولى، مع بث الحفل على مواقع التواصل الاجتماعى لمشاركة الأهل، والأصدقاء .
فكنا نتابع حياتنا خلف الشاشات !

ظل أجمل ما فى هذا العام، أنه على الرغم من العجز الذى اعترى الإنسان كليا وجعله يتعلق برحمة الله ويبتهل لينجو، قد أظهر الجانب الإيجابي البديع الذى أودعه الخالق فينا، وهى قدرة الإنسان على التكيف، والتأقلم، وإيجاد البدائل .
فاضطرت الشركات للتحول الرقمى لمتابعة أعمالها عبر الإنترنت، ولجأت منظومة التعليم لمنصات التعليم عن بُعد، ولجأ الناس للتسوق عبر تطبيقات الأسواق الإليكترونية.
فكان النجاح متناسبا طرديا مع سرعة التأقلم والتغيير، واستغلال الفرص، وابتكار نظم جديدة لإدارة المال، والأعمال، وممارسة الحياة .

إن كان شيئا يستحق الثناء والإشادة فى هذا العام؛ فهو بالتأكيد إنصاف مكانة العلم والعلماء فى مجتمعات لا تقدر العلم حق قدره، ولا تُنزل العلماء منازلهم وقدرهم، فجاءت تلك المحنة ليشعر الجميع بالعجز الكامل، فيتصدر المشهد العلماء، والأطباء فى بسالة، وتضحيات تستحق الإطراء، والعرفان بالجميل .
فمن يقودنا نحو التغيير، وتذليل الصعاب، وتفادى الكوارث المحققة، سوى العلم والعلماء ؟ فهم خلفاء الله فى الأرض .

قد يعجبك ايضا
تعليقات