بقلم محمود أمين
20 فبراير- شباط 2021
لا باركَ اللهُ في الدنيا إذا انقطعتْ
أسبابُ دنيانا من أسبابِ دنياكِ
أبوالعلاء المعري
عزيزتي أهلا!
انصرفتُ عنكِ بالكليةِ ولم أعد أفكر بكِ.
أصبح باستطاعتي البدء في تكوين عادات جديدة.
أصبح صدري فارغا لأملأه بالهواء والآمال، بل وأحاكي الطير في رفرفته وتغريده.
أمسيت راضيا بارد العين، ومعي رزق نفسي من الأحلام الوردية.
عزيزتي؛ أكذب عليك حتى لا تعودي ثانية، أكذب لأقاوم آلامي، وأعيد صياغة اليوم والساعة ألف مرة حتى يتقبلها عقلي، لكن قلبي يفقه ما أنا فيه ولا يساعدني، قولي بربك يا قاسية الفؤاد: كيف تمر بكِ الأيام؟ وكيف تقضين ساعات الملل، وأوقات الانتظار؟
لقد صنعتكِ بنفسي يا وهمي وألمي الشديد، غرستك في أعماقي فلو كان باستطاعتي أن أقتلعك من جذورك لفعلت، ولكنكِ لست نباتا نبت وترعرع يعجبُ صاحبه يوم الحصاد، ولكنك جمالٌ يكسوه الحياة، تسربت في نفسي دون أن أشعر…الكلمات لا تسعف يا عزيزتي، وقلبي يصفق رافضا تلك الكلمات، قائلا: إن ما تكتبه يا سيدي لا يعجبني، ولا يعبر عن خفقة واحدة في طريقي إلي عينيها، وكل معاني الجمال لو جمعناها ووجهْناها تلقاء وجهها، لطأطأت رأسها -المعاني الجميلة- أمام حيائها، وهي الحياة قائمة والكتابة جافة أمام الحياة، ولكني أرد عليه فأقول: كيف السبيل؟ فلقد رأيتها وكنتَ معي، كانت تبني بداخلي المعاني السامية دون لفظ واحد ولا حتى همهمة، كان في صمتها كلامٌ يشبهها، والرسول من تلقائها عينان تبث فيكَ يا قلبي السكينة والاطمئنان.
واليوم أجلس على أعتاب الوحدة خلوًا من وجودها.
قالت لي ذات مرة: إنه يوم أو يومين وتعود سليما.
وها قد مر على هذا القول الكثير، لا أقيس الأمر بالأيام والليالي يا عزيزتي بل بالمشاعر التي نُزفت إثر رحيلك، رحيلك لم يتحقق إلا بالجسد والمادة، فكلما تأملت حولي وجدت طيفك يتمايل، وأنت في أحلامي باقية؛ تسلم علي كل ليلة في بشر وحبور، لا أدري أأنا مريض؟ فلو كنت مريضا، فأنا مرض بكِ!
كلما خرجت من بيتي أتنسم وأفرّغ بعض ما أجد في نفسي، رأيتكِ في كل امرأة تشبه أوصافك، فأمد بصري نحوها كالمتلهف، ولا يمر الموقف إلا وقد ذهب أملي أدراج الرياح، أحتاج لعمر كامل كي أنساك يا أنيسة نفسي، بل أحتاج لذاكرة جديدة كي أتجاوز معرفتك يا فراشتي الجميلة.
تمنــيتَ أنْ تَلقى لُبَيْنَاكَ، والمنى
تُعاصيكَ أحيانا، وحيــنًا تطاوعُ
ومـــا من حبـــيبٍ وامقٍ لحبيبهِ
ولا ذي هوىً إلا له الدهرُ فاجعُ
قيس بن ذريح
كل استنكاري يدور حو ل ماهيتك في نفسي وما أودعْتيه بها، كوني جميلة وتعالي رشيقة خفيفة فاحملي عني كل ما ترسّب في نفسي منكِ، فربما لا يُحْمَلُ هذا إلا بيد أصحابه، وربما روحك ألفت قلبي فكان لها متكئًا ومرقدا تعوده كل يوم، هذي يدي أمدها كل يوم لأطوي طيفك الباهت، ماذا لو جئت؟ فأمد يدي أجدك أمامي ملء العين والقلب. ماذا لو أغمضت عيني مرة وفتحتها عليك كطفل تلاعبه أمه في حديقة المنزل، كلما أغمض عينيه وجدها تبهره بألعاب جديدة. ماذا لو خطوت خطوة نحو باب غرفتي فتسمعت صوت أقدامٍ تشبه صوت خطوك الوئيد، فأطير فرحا وأقفز نحوك كالمجنون. ماذا لو سافرتُ يوما فأخطأ الناس أماكنهم وكنتِ إلى جواري جالسة مستقرة كريحانة تستقبل النسمات بوجهٍ طلق. ماذا لو انتهت كل تلك المسموعات والمرئيات على هذه الأرض إلا منك، فأحملك بين ذراعيّ وأرفعك إلى السماء كي تنالين حظك من جمال اللقاء وسحر الدنو وألفته.
ماذا لو…؟
م.أ