القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ثقافات يجب أن تغير (الفقر فقر النفوس أم فقر الفلوس)

100

بقلم د/محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

في زمان أصبح الناس يتكلمون اللغة الأولي وهي المال فكل شئ يقوم ويكون عندهم بالمال حتي الضمير نفسه والأخلاق عند بعض ضعاف النفوس كل شئ عندهم بكم من المال..

لا بد لنا من وقفة.. إن لم تكن وقفات مع النفوس الطيبة ذات الأخلاق الرفيعة فلا تفسد مع فساد الذمم ولا يصيبها ما أصاب البعض من فساد النفوس.

فالفقير حقيقي ليس فقير المال.. ففقير المال مع سوء حاله لكنه يملك أخلاقا لا تقوم بمال.

لكن الأسوأ فقير الأخلاق ذلك البائس الضائع الذي ينقصه الكثير والكثير من أوجه العزة والكرامة والأخلاق العالية.

ففقير الأخلاق هو أسوأ أنواع الفقراء وإن ملك الدنيا من المال كيف له من احساس ضائع مفقود من مشاعر باردة إن لم تكن ميتة .

لذلك أوقفك علي هذا المعني العظيم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: ليس الغِنى عن كثرة العرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس[متفق عليه].

قوله صلي الله عليه وسلم : ليس الغِنى، يعني: ليس الغِنى الحقيقي عن كثرة العرَض يعني: بسبب كثرة العرَض، والعرَض المقصود به المال من غير النقدين، يعني: الدراهم والدنانير الذهب والفضة هذا نقد، والعرَض يقال لغير ذلك عادة، كالزروع، والدواب، والمراكب، والدور وما شابه ذلك.

ليس الغنى عن كثرة العرض يعني: ليس الغِنى الحقيقي بسبب كثرة ما عند الإنسان من الثروات من العقارات والمراكب، والشركات، وإنما الغِنى غِنى النفس وهذا من جوامع الكلم، جوامع كلمه ﷺ، فاختُصر له الكلام اختصاراً.

فتجد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي جمل قليلة قد حوت معنىً كبيراً واسعاً، وذلك أن الواقع يشهد لهذا، قد يكون الإنسان عنده الشيء الكثير، ولكنه دائماً يرى الفقر يطارده ويلاحقه حيث ذهب، فهو يتخوف الأخذات، وما بين يديه إلا الفجائع والخسائر والكوارث والمصائب، وهبوط الأسعار، سواءً كان ذلك في سوق الأسهم، أو في سوق العقار، أو في العملات أو غير ذلك على كثرة ما عنده من الأموال، ودائماً قلِقٌ، ويشعر أنه بحاجة دائماً إلى زيادة،

فكلما لاحت له فرصة أقدم عليها، فبدلاً من أن يكون عنده مائة أرض، يريد مائة وواحدة، يريد أن يكملها بالمائتين حتى يجبر الكسر، وإذا كان يملك مائة مليون فهو يريد أن يكون من أصحاب المليار، ويقول: إذا صار عندي مليار الحمد لله ما أريد أكثر، والذين عندهم مليار ما اكتفوا بهذا، وهم من أكثر الناس شغلاً بالصباح والمساء، وهم من أكثر الناس قلقاً، من الذي يقلق إذا بدت الأخبار والتحليلات والشائعات فيما يتعلق بهبوط الأسعار في العقار، ركود اقتصادي، أو ركود في الأسهم، أو خسائر في الأسهم، أو نحو ذلك

، ولا زالت الصور تعرض علينا صور هؤلاء الناس، هذا وضع يده على رأسه أمام الشاشة، وهذا وضع يديه كاد أن يدخلها في وجهه، وهذا قد كادت أن تخرج عيناه بسبب ماذا؟ بسبب أن الدنيا متجذرة في قلوبهم، فنفوسهم تكاد تخرج مع مؤشر الأسهم، هؤلاء لو سألت الكثيرين منهم: أليس عندك ما يكفيك؟ في الواقع لو أجاب بجواب أنصف فيه لقال: نعم، لماذا يتفرق القلب والهم من أجل هذه الدنيا؟!.

ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس، إن الكثيرين يملكون ما يكفيهم، بحيث لا يحتاجون إلى غيرهم، ولكن مع ذلك إذا نظرت إلى هذا الإنسان الذي لربما يكون دخله خمسة آلاف في الشهر تجد أنه يرى أن هذا الوضع لابد أن يغير، ولا بد أن نحسن الوضع، فهو دائماً مشغول البال بهذه القضية.

وأخلاق الفقر نراها واضحة بل ونعايشها ونتعايش معها في المجتمعات الفقيرة والتي يتصارع فيها البشر من أجل البقاء ، ولقمة العيش وربما شربة ماء ، فترى من يحاول تجاوزك في أي طابور للحصول على سلعة أو خدمة ، وآخر يسرق ليأكل وغيره يتجاوزك بسيارته معرضا حياتك وحياته للخطر هروبا من تكدس الزحام المروري ، وآخرين يتسولون دون حياء أو شعور بالنقص أو العار .

أما فقر الأخلاق فتجدها في ثري يتاجر في الممنوعات ويستغل ضعف غيره ليزداد ثراء على حساب غيره ، وآخر يبخل بأقل القليل على نفسه وغيره رغم غناه الفاحش ، وصاحب سلطة يكذب ويدلس ويتآمر ويخون من أجل الاستزادة من المال والسلطة رغم أنه يملك الحياة بأفضل مما يحلم به لو فضل الاستقامة والأمانة ، وترى فقر الأخلاق أيضا في شخص ينتحر رغم توافر كل سبل الحياة الرغدة الناعمة وهو شيء معتاد ومتكرر في أكثر الدول ثراءة ورفاهية للفرد ولكن حالات الانتحار والجرائم الاجتماعية متفاقمة ومتزايدة في صورة فجة لفقر الأخلاق .

فليس العيب أصلا في قدور الغنى ةالفقر ، ولكنها في فقر النفوس ، فعندما تصاب النفوس بمرض الفقر تتبدل السلوكيات الفطرية القويمة لسلوكيات منحرفة وتتطور لتصبح أجرامية على المدى البعيد لعمر الإنسان ، وهو ما حاول علماء النفس والاجتماع الوصول لحلول لهذا المرض العضال والمسمى بفقر النفوس .

ولاحظوا معي أن فقر النفوس تقل معدلاته كثيرا في المجتمعات المترابطة والكادحة من أجل هدف واحد ، فمثلا لن واضحا تجد في فرقة للقوات الخاصة ملامح واضحة لفقر النفوس ، وستجد هذه الملامح معدومة تقريبا في عائلة مترابطة تحيا متجاورة متعاونة تحت قيادة كبير لهم يحترمونه ويجلونه ، وستجدها ضعيفة في مجتمع الفلاحين وعمال المصانع .

ولذلك ترى أعلى معدلات فقر النفوس في عواصم الدول الكبيرة حول العالم ، فالبشر فيها خليط من شتى بقاع الدولة وربما الأرض فلا قيم مشتركة تجمعهم سوى تحقيق الرغبات واقتناص الفرص لحياة شخصية أفضل ، ولا يوجد ما يخشون أو يستحون منه ، ولا علاقة خاصة تربطهم ببعضهم البعض فيخجلون من عتاب أو حساب فيما بينهم ، ولذلك ترى أعلى معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج وتفشي الأمراض الاجتماعية في عواصم الدول والأمم .

وفي المقابل ترى أعلى معدلات التميز وإفراز العلماء والمتميزين في شتى المجالات تأتي من المدن الثانوية والريف لارتفاع معدلات الاستقرار الأسري والنفسي للأطفال والشباب ، ناهينا عما نراه من فرص الظهور واللمعان السريعة والتي تكون أفضل في العواصم منها في المدن والريف ولكنه ظهور سريع رخيص في ثمنه وهدفه ولا يحمل داخله الأصالة أو القدرة على المواصلة والتقدم فيصبح كفلاش يومض ثم يخبو إلى غير رجعة .

وفي زخم هذا التدهور السريع للقيم وتفشي فقر النفوس بين البشر يقع على عاتق الأسر حمل كبير من ضرورة خلق جو عائلي مترابط وحميم وقويم وتحقيق أعلى معدلات الاستقرار النفسي لأطفالهم وأولادهم عبر سنوات التربية ، وهو ما يبدو تحقيقه أحيانا من المستحيلات في ظل اعتياد الأولاد على غياب الوالدين في العمل لتحقيق أعلى معدل ممكن من الدخل من أجل رفاهية الأسرة متناسين أن الاستقرار النفسي هو الأساس لحياة ناجحة ، بل ودوما يكون نتاج الاعتياد على الرفاهية ضعفا متراكما في النفوس يكون أساسا لفقرها على مدى عمرها ، فنعود ونشكو من فساد الأجيال ونحن من صنع هذا بهم تحت مسميات خداع الرفاهية .

وهناك أشخاص يعانون من فقر الفكر، وهؤلاء أخطر من الفقراء المعروفين، لأنهم يبثون أفكارهم الفقيرة فى عقول البسطاء، وأحيانا من المؤمنين بهم من كل الاتجاهات، فينشرون فقرا ثقافيا ومعرفيا يصيب المجتمع بالشلل، ما يؤدى إلى تخلفه عن الركب.

حتى فى المشاعر الإنسانية نجد هناك فقراء فى مشاعرهم تجاه أولاد أو زوجة أو أم أو أب أو أصدق حب صادفهم فى حياتهم، وللأسف لا يندمون عندما يفتقدونه لأنهم بخلاء وفقراء غير قادرين على العطاء.

الغربة.. فقر لأنك تشعر بعدم الأمان بعيدا عن الوطن، والحنين إلى الصحبة والأهل والجيران الذى لا يضاهيه أموال الدنيا كلها.

الوحدة.. فقر لأنك تفتقد الرفيق والصاحب الذى يعينك على كسر الملل الذى لا يعوضه مال.

البخل وما أدراك ما البخل هو أسوأ أنواع الشر.. فقر لأنه يحرم الإنسان من الاستمتاع بماله، الذى يلهث من أجل جمعه طوال الوقت.

نعم الصحبة أفضل علاج للفقر، خاصة فقر المشاعر التى تفتقد إلى الحنان واللمة والضمة والرضا، والقناعة أولا.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفها إلا أنت.

قد يعجبك ايضا
تعليقات