القاهرية
العالم بين يديك

ما الذي يدفعنا للكتابة؟!

126

كتب/ أحمد النحاس
الشغف، حرية التعبير، الحب، الشهرة، الخلود؟!
لا يمكن أن نجد إنسانًا توجه للكتابة إلا بدافع كبير، دافع جعله ينهض من سباته ويتحرك نحو السماء التي لا تخلو أبدًا من الأحلام، يسير بخطى ثابتة سبق وأعد لها جيدًا كي لا يقع في شرك التجربة وتخونه ذاكرته المصورة، نجد الكاتب الذي يسوقه الشغف منتجًا بشكل ملحوظ، يمكنه التنقل من كتابة قصة إلى كتابة أخرى دون فاصل كما تنتقل فراشة من زهرة إلى زهرة في حقل مليء بالزهور المتشابهة، فيكون نتاجه الأدبي كأقراص العسل في خلية واحدة لها نفس اللون ونفس النكهة، وهذا الذي تسوقه الحرية في أن يعبر عن رأيه، مشاغبٌ يختار المواضيع الأكثر جدلًا ويتحدث عنها من منظوره الخاص، حتى وإن كان مخطئًا فإنه لا يتراجع أبدًا مطلقًا، دائمًا ما يبرر أراءه المشككة بثقافة الاختلاف، كذلك الذي يسوقه الحب تمتلكه العاطفة وتتغلب على قلمه النرجسية، غالبًا ما تدور حكاياته حول نفسه وتجاربه الشخصية ومحيط أصدقاءه، هذا الفقير يستعطف القلوب التي لا تزال مراهقة ولا يستطيع أن يحرر الحب من رومانسيته ويقدم جوانبه المادية والواقعية التي تتغلب على كونه شعورًا مثاليًا فوق إنساني، أما عن هذا الذي تسوقه الشهرة لا يهتم أبدًا بالمحتوى الذي يقدمه، غالبًا ما تكون كتاباته سطحية ذا طابع جنسي، لا أدري صراحة ما الذي يدفع لن أقول الكاتب هنا، لأن يفرغ جعبته السوداء في كتاب يطرحه في الأسواق فيلوث سماء الأحلام ويدفع غير البالغين وضعاف الشعور إلى انحراف الفكر وذبذبة الرؤية، لأن الكاتب يرتقي دائمًا بما يكتبه ليحفظ ماء وجه القارئ الذي يخجل من أن يقرأ ما يخدش حيائه.
كنت قد قررت مؤخرًا القراءة لرواد الثقافة المعاصرين ممن يتصدرون الساحة الأدبية ويتبعهم ألاف القراء الذين يجهلون بدورهم الخطر الذي قد يقع على عاتقهم والفخاخ التي قد تبتلعهم ذات قراءة، وجدتني وكأنني قد سقطت في مستنقع كل شيء فيه يتأرجح بين الإفراط والتفريط، قليلًا ما وجدت شيئًا يستقر بي في منطقة الصواب والأفضل، رأيت العديد من المؤلِفات وكأنهن بائعات هوىً لا تخلو أعمالهن المطبوعة من مشاهد جنسية تتعمد في غير خفارة إثارة القارئ وكذلك رأيت بعض المؤلفين الذين لا ينتمون إلى واقعنا وكأن لهم واقع خاص يعتمد كليًا على تدمير القيم والمبادئ وكذلك هدم العادات والتقاليد المتأرجحة في عقول الشباب والفتيات.
هؤلاء إلى متى سيسطع نجمهم في سماء الجهلاء؟!
في الأخير الكاتب الجيد هو من يسوقه الشعور ليصوغ الواقع كائنًا حيًا يتنفس ويشعر ويحول لبنات الجهل إلى مآذن تصدح بالمعرفة ويطرق أبواب الظلام ليكشف ينابيع النور وينتقي من بساتين اللغة ما ينبت في الحاضر ويزهر في المستقبل ويثمر بزينة على بوابات الخلود.

قد يعجبك ايضا
تعليقات