بقلم/ رانيا ضيف
كتاب فى التنمية البشرية لمارك مانسون، استوقفنى وأثار لدى الكثيرين جدلا واسعا لعنوانه الغريب وأفكاره الصادمة بعض الشىء، فهو جرعة نقية من الحقائق .
فاللامبالاة حسب علم النفس : هى حالة وجدانية سلوكية تعنى أن يتصرف المرء بلا اهتمام فى شئون حياته، أو تجاه الأحداث العامة كالسياسة مثلا .
وبالطبع لم يقصد الكاتب هذا المفهوم، وإنما قصد أن تعرف كيف تبالى بالأشياء المهمة فى حياتك، ومتى لا تبالى بالأفعال والأشخاص الذين لا تحتاجهم فى حياتك، أو المعرقلين للوصول للسعادة والنجاح .
كذلك كان لأسماء بعض فصول الكتاب نصيبا من استهجان البعض فى البداية مثل
“السعادة مشكلة”، “لا تحاول”، “أنت مخطىء فى كل شيء وأنا أيضا ! “، “وبعد ذلك تموت “.
سنعرض فى هذا المقال بعض الملامح والأفكار الهامة التى طرحها الكاتب بأسلوب ماتع وجاذب .
انتقد الكاتب المبالغة فى إطلاق العبارات الرنانة التى توهم الناس أن كل مشكلاتهم ستحل عن طريق التركيز على مشاعرهم الإيجابية وتحفيزهم فقط، إنما رأى أن المشاعر السلبية هامة هى الأخرى لتطور الإنسان، وهى السبيل للتعليم الذاتى، فالمشكلات والمشاعر السلبية المترتبة عليها تحفزنا على التقدم فى الحياة.
فرجال الأعمال الذين أسسوا شركات ناجحة جدا مروا بمشكلات، وألم، وخسروا أموالهم، وفشلوا كثيرا حتى وصلوا لمشروعهم الناجح،
فالحياة ليست خالية من الألم .
“Life is not pain free”
فدائما ستكون هناك مشكلات ومواقف صعبة، ولكننا لابد أن نختار نوع المشكلات وكيفية حلها
“You are always choosing”
فلو وقعت فى الحيرة بين عملك الخاص وبين عملك فى شركة ما، ففى الحالتين سيكون عندك مشكلات، ففى عملك الخاص ستعمل ساعات كثيرة، وستضطر لعمل شبكة علاقات، وستضطر للمجازفة .
أما الشركة فستستيقظ باكرا، وربما يكون رب العمل شخصا غير محبب لك، وربما تضطر لتقديم عملا إضافيا كخدمة دون أجر .
فستجد نفسك دائما تواجه مشكلات بينما أنت من يحدد نوعها، وطريقة تعاملك معها وحلها .
حل المشكلات وسيلة للوصول للنجاح ومن ثم السعادة .
فلن تشعر بالنجاح والسعادة دون كفاح للحصول عليهما
Happiness requires struggle.
لكن لا توجد قيمة للمعاناة إن تمت دون هدف أو من أجل القيم،
فعليك بتحديد القيم التى تريد اعتناقها فى حياتك، ولا تبال بالأفعال أو النَّاس الذين ليس لهم علاقة بهذه القيم، وامض فى طريقك .
كما أن الإيجابية عند مانسون لا تعنى إنكار السلبيات وعدم الاعتراف بالمشكلات، ولكنها الاعتراف بوجودهم ثم التعامل معهم، فينبغى أن ننظر لنصف الكوب المليء والفارغ معا، فلن نستطيع رفع المعاناة دون الاعتراف بها ثم التعامل معها .
كما طرح فكرة التحرر من إظهار مشاعرنا الإيجابية فقط للناس،
ولكن علينا ألا نخفى مشاعرنا الحقيقية، ونعبر بحرية عن مكنون أنفسنا، فكلما تجاهلنا مشاعرنا الحقيقية كلما حجمنا تطورنا وسعادتنا، فكن نفسك ولا تكن غيرها، ودع عنك الصورة المثالية لنفسك التى تحاول الوصول لها، كأن تتصور أنك المتميز والمسيطر وأفضل شخص …
فعندما تحاول أن تكون شخصا إيجابيا طوال الوقت فهذا فى حد ذاته شيء سلبى، أما عندما تتقبل الأشياء السلبية فهذا فى حد ذاته شيء إيجابى .
*نبذة عن بعض فصول الكتاب الهامة
“أنت لست مميزا” نتربى جميعا على وهم التميز سواء فى القدرات أو الشكل أو الإمكانيات، وذلك يحد من تطورنا لأننا لن نفكر فى تطوير أنفسنا فى شيء نحن مميزون فيه بالفعل .
“السعادة مشكلة ”
أحد مشكلات السعادة عند معظم الناس أنها مرتبطة بتحقيق أهداف قصيرة المدى وبعد تحقيقها تتبدد السعادة، أو هى متعلقة بحل مشكلات، فننتظر حلها كى نكون سعداء! وفى جميع الأحوال لن تنته المشكلات، ولن يتوقف الإنسان عن الأحلام والطموحات، فيكون الناتج سعادة مؤقتة ورهينة لتحقيق الأهداف.
بينما السعادة قرار، فهى عواطف فلدى القدرة أن أكون سعيدا عندما أريد .
فالسعادة هى القدرة على الاستمتاع والاستفادة بالمتاح .
أما المشكلة الثانية فهى الانشغال فى حل مشكلات لن تصب فى حياتك بأى نفع، فمن عوامل الوصول للسعادة أن لا تنجر لمعارك الآخرين .
“قيمة المعاناة ”
لابد من التصالح مع المعاناة فهى لن تنته كما أنها إحدى دلائل الشرف، فلكل شيىء ثمن والمعاناة للوصول لأى هدف كبير شىء طبيعى،
فتوقعاتنا العالية بأن الوصول للأهداف سهل وبسيط لامنطقية .
فعلى سبيل المثال :
الرياضى الذى يطمح للوصول لجسم رياضى مثالى يتعب كثيرا، فالمعاناة جزء من الرحلة للوصول للأهداف .
“أنت مخطىء فى كل شيء وأنا كذلك ”
أراد الكاتب أن يركز على فكرة أن الخطأ والصواب دائما بنسب فليس هناك صواب لا يحتمل الخطأ، وليس هناك خطأ لا يحتمل الصواب .
كى لا نثق فى عقولنا بشكل مطلق، فيكون عندنا مرونة لتقبل رؤى وأفكار أخرى .
وأن نعى أن الأفضل منا خاض التجربة وفشل فيها مرات عدة حتى وصل للنجاح،
فالفشل طريق التقدم .
“ثم بعد ذلك تموت ”
الفصل الأخير للكتاب والفصل الأخير لحياة الناس، فهو النهاية الحتمية.
يؤمن الكاتب أن حياتنا ليست محض صدفة، وإنما خلقنا لغاية معينة ربما عرفناها فى بداية حياتنا، أو منتصفها، أو آخرها، وربما لن يعرفها البعض أبدا، إنما المؤكد؛ أن هناك غاية لتواجدنا، وبيدك خلق تلك الغاية؛ فيمكنك صنع قصة خلودك .
كما أن تذكر الموت محفز قوى لإدراك قيمة النعم، والأشخاص، والحياة بشكل عام .
فالشخص الذى يتذكر الموت سوف يتغاضى عن سفاسف الأمور، وسينفق وقته فى الأعمال والأشياء ذات القيمة التى فيها رضا ونفع للناس .
لكن المتناسي الموت يعيش حياته منشغلا بتفاهات الحياة .
فالموت يساعدك أن تتذكر أولوياتك،
فهو يذكرك بالأهداف التى تعتمد على القيم العليا لديك .
سيضعك طوال الوقت على الطريق الصحيح الذى رسمته لتحقيق الأهداف ذات القيمة،
فبتذكرك للموت ستتقن فن اللامبالاة .
الكتاب أكثر من رائع يجعل الحقائق جلية أمام ناظريك، ويعمل على تفتيت الأوهام والمعتقدات الخاطئة بطريقة مباشرة وصريحة،
فيقول مانسون : “فلنكن صادقين، الشيء السيء سيء وعلينا أن نتعايش مع هذا ولا نتهرب من الحقائق ولا نغلّفها بالسكّر، بل نقولها كما هي جرعة من الحقيقة الفجّة الصادقة المنعشة هي ما ينقصنا اليوم”.