كتب / أحمد النحاس
في مفتتح ليلة عيد الحب هذبت لحيتي، واغتسلت من خطايا ماضٍ صلبني مسيرة ثلاثة وثلاثون عامًا على قضبان كقضبان السكك الحديدية، توقفت لثانيتين أمام المرآة بعدما ارتديت ملابسًا كنت قد ادخرتها، لا أذكر لأي مناسبة، رأيت شخصًا يشبهني كثيرًا في ملامحي الداخلية وتذكرت قبل أن يدفعني القدر لأبدأ رحلتي كقطار، أنه أرسل خلفي شبحًا حديديّ الملامح والصفات، وقال لي بصوتٍ خفيضٍ لا تدع الحب يلحق بكَ.
خرجت إلى الشارع، راقبت الليل، يؤدي دوره على أكمل وجه، السماء مرتبة كعادتها، وضعت كل نجم في مكانه وحجابًا كبيرًا فوق النجمات العرايا ممن كُنَّ يستحممن بماء القمر، ألقيت معطفي ومضيت بملابسٍ غير شتوية، أعانق الفراغ حتى تخللته وتخللني، وليت وجهي للسماء ومددت يدي كي تسقط في راحتي نجمة، طال انتظاري وسمعت صوت الليل يعصف غفوتي، أفق يا أبله، السماء لا تهدي نساءها.
الثالثة وخمس دقائق بعد منتصف ليلة باردة، افتقرت فيها أشياء كثيرة، انتبهت مفترق طرق، بعدت كثيرًا عن بلدتي التي تثاءبت مبكرًا وغلبها النعاس فنامت، أهلها طيبون لا يعرفون شيئًا عن الحب غير أنه جرم كبير وأنه إذا أردت أن تطارح حبيبتكَ الغرام عليك أولاً أن تطفئ النور.
سلكت طريقًا للعودة غير الذي أتى بي إلى هنا، تساءلت والطقس البارد قد ضمني بشهيةٍ، ما الذي سيحدث فيما مضي لو أنني نزعت نفسي من نفسي وتمردت على المسار، أجابتني سحابة كانت تمر، سمعت حديثي صدفةً، بقطرة ماءٍ واحدةٍ سقطت على جبهتي المثلجة، أشعلت في مقلتايَّ دمعتين كانتا على وشك الذبول، شقتا في طريقهما للسقوط نهران من الملح على وجهي.
عدت وحيدًا إلا من معطفي الذي قابلني عند باب المنزل بعناقٍ كبيرٍ وارتداء، غرفتي كما هيَّ، جواربي المتسخة الملقاة هنا وهناك، جهازٌ لوحيٌ ملّ من كونه مغلق وبطاريته فارغه، أوراق مبعثرة خُط عليها نهايات كثيرة بلا مقدمات، ومقدمات كثيرة بلا نهايات، أدوات رسم تحتاج لأن تقلم أظافرها، سرير حزين لكونه بلا أجنحة، هاتف محمول ملقي على الوضع الصامت رغم يقيني بأنه لا أحد سيهاتفني هذه الليلة ليقول لي عيد حب سعيد.