القاهرية
العالم بين يديك

نبذه عن هادم اللذات ” الجزء الخامس “

125

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع هادم اللذات، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، رواه الترمذي، والنسائي، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتمنين أحدكم الموت لضُر نزل به، فإن كان لا بد مُتمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي ” متفق عليه، ولهذا جاء في هذا الحديث الشريف أكثروا ذكر هادم اللذات الموت، ويعني اجعلوه على بالكم كثيرا حتى تعدوا العدة، والهادم هو القاطع، لأنه يقطع اللذات في الدنيا، ولكنه يدني من لذات الآخرة، ويقرب من لذات الآخرة، وأولها ما يحصل له في قبره، ولروحه في الجنة، فهو يقطع لذات الدنيا، ولكنه في حق المؤمن ينقله إلى لذات الآخرة ولذات الجنة وما يحصل فيها من الخير العظيم، فإن روح المؤمن طائر يعلق بشجر الجنة حتى يردّه الله تعالى إلى جسده، كما جاء في الحديث الصحيح، فإن فالغفلة عن الموت وعمّا بعد الموت من أسباب الطغيان والفساد والاستمرار في الشر، أما تذكر الموت وما بعده فهو من أسباب التوبة والإقلاع والاستعداد للآخرة، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يتمنين أحدُكم الموت لضُر نزل به، فإن كان لا بد مُتمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لي” وهذا يعني أنه إذا أصاب الإنسان ضر من مرض أو شدة فقر.

أو خوف أو ما أشبه ذلك، فلا يقل “ليتني أموت” أو “اللهم أمتني” لا، ما يدرى لعل الحياة خير له، لكن يقول اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، فيجعل الأمر إلى الله تعالى، فهو أعلم بالعواقب، ولا يقل “اللهم أمتني، اللهم اختر لي الموت” أو “اللهم عجل موتي” أو ما أشبه ذلك، لا، بل يأتي بعبارة أحسن فيقول اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، فإن القلوب تقسو وتغفل، ولذلك لا بد من تعاهدها بالوعظ والتذكير، والله عز وجل قد جعل أمورا كثيرة لنتعظ ولنتذكر، منها المعنوية ومنها الحسية، ومن هذه الأمور، هادم اللذات، ومفرق الجماعات، إنه الموت، فهو حق لا ريب فيه، ولا أحد من الناس ينكره، وكيف ينكره؟ وهو يرى مصارع قومه، وأفراد أسرته، ويسمع ويقرأ ما يحل بغيره من الويلات والنكبات، ويقول الله عز وجل ذكره كما جاء فى سورة آل عمران ” كل نفس ذائقة الموت ” ويقول سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الرحمن ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” ولكن وللأسف الشديد، نرى كثيرا من إخواننا من قد ينسى أو يتناسى هذه الحقيقة، وكأن الموت لا يعنيه، أو أنه مخلد لا يموت، ولم يسأل نفسه أين آباؤه وأجداده؟ وأين بعض أبنائه وأزواجه، وأين أقاربه وجيرانه وخلانه؟ بل وأين خير من وطئ الثرى، رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ؟

ألم يقرأ قول الملك العلام، وهو ينعي حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء فى سورة الزمر ” إنك ميت وإنهم ميتون ” وإن عند الموت للإنسان فإن هناك عدد من العلامات التي بحدوثها وظهورها، نعلم أن هذا الإنسان قد كانت خاتمته حسنة، والله سبحانه وتعالى أعلم، ومن هذه العلامات الدالة على ذلك وهو أن ينطق الإنسان بالشهادة عند الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنةَ يوما الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه” وأن يكون جبينه متعرقا عند الموت، وكذلك أن يموت في يوم الجمعة أو ليلتها، وأن يموت مستشهدا في ساحة القتال ابتغاء مرضاة الله تعالى، أي أن القتال كان في سبيله، ومن سأل الله سبحانه وتعالى، أن يرزقه الشهادة بصدق، فإن منزلته كمنزلة من جاهد وإن لم يجاهد بالفعل أو أن يموت وهو في طريقه للقتال في سبيل الله تعالى، أو أن يموت بسبب مرضا لطاعون وهو وباء يسبب الهلاك للإنسان إذا أصيب به، وكذلك إذا مات بداء البطن، وهو عبارة عن أى مرض يصيب الإنسان في بطنه، كالإسهال، والانتفاخ، والسرطان، والنزيف الناتج عن أي حادثة، أو أن يموت غرقا، أو أن يموت بسبب الهدم، ويكون الهدم بسبب الكوارث الّتي تحصل، كالزلازل التي تدمر البيوت والأماكن، وبفعلها قد يموت الإنسان، وكالبراكين، والرياح الشديدة.

أو ان تموت المرأة وهي في مرحلة النفاس بعد الولادة، أو أن يموت حرقا، أو أن يموت بذات الجنب، وهو عبارة عن ورم يظهر في ناحية الجنب من البطن، أو أن يموت نتيجة إصابته بمرض السّل، أو أن يموت وهو يجاهد في الدفاع عن ماله ونفسه ودينه، أو أن يموت وهو يرابط في سبيل الله تعالى، والرباط هو الدفاع عن حمى المسلمين، وحراسة أماكنهم من هجوم الأعداء، مع التحلي بالأخلاق الكريمة في ذلك، كالأمانة، أو أن يموت على فعل عمل صالح يريد به وجه الله تعالى، ومن هذه الأفعال هو صلة الأرحام، والصلاة، والصيام، وإخراج الصدقات، وقراءة القرآن الكريم، والإكثار من ذكر الله تعالى، والإحسان إلى الوالدين، فالإنسان الذي يكثر من الأعمال الصالحة في حياته الدنيا، يوفّقه الله سبحانه وتعالى للموت عليها، أو أن يموت قتلا على يد إمام ظالم وجائر، من خلال قوله الحق، ودعوته إلى الصلاح، أو أن يموت وهو في طريقه لأداء طاعة أو عبادة، كذهاب الإنسان إلى المسجد، وهنا وجب التنبيه إلى أهمية تجديد النية باستمرار، وإن حسن الخاتمة هو من أعظم ما يطمح كل مسلم للوصول إليه، فالأعمال بخواتيمها، وقيمة عمل كل إنسان في حسن خاتمته، وهي وصية الأنبياء لمن بعدهم، فيقول الله سبحانه وتعالى ” ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” ولكي يفوز الإنسان بحسن الخاتمة، فإن عليه اتباع الوسائل والأسباب التي تؤدي إليها، وإن هذه الأسباب هى إخلاص النية لله تعالى.

وابتغاء مرضاته في كل الأفعال والأقوال، وكذلك اتقاء الله سبحانه وتعالى في السر والعلن، وذلك باتباع ما أمرنا به، والابتعاد عما نهانا وحذرنا منه، مع الاستمرار على هذا الأمر، والحرص عليه في كل الأوقات والأحوال، وأيضا الحرص على تأدية الصلوات الخمسة المفروضة على وقتها، وكذلك عدم ارتكاب ما عظم من الذنوب والكبائر، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمتها، واتباع ما كان يفعله المهاجرين والأنصار، ومن كان يتبعهم في فعلهم، وكذلك الحرص على تقديم الخير والمنفعة للناس، وقضاء حوائجهم، والسعي لتيسير مصالحهم، والبعد عما يؤذي الناس، ويسبب لهم الشر، والبعد عن ظلمهم والجور عليهم في المال أو النفس أو العرض، وكذلك التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، والإلحاح فيه، وكذلك التحلي بالأخلاق الحسنة، كالسخاء، والجود، وطيب النفس ولينها، ولزوم الاستقامة، وذلك بأداء الأعمال الصالحة، مع الحرص على أدائها دائما، وقد ثبت في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى، قد أعطى البشارة لعباده المستقيمين، وكذلك إحسان الظن بالله تعالى والثقة الجازمة به، بأنه يغفر الذنوب برحمته وعفوه ورضاه، ولذلك يقول الله عز وجل فى كتابه الكريم فى سورة آل عمران ” ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون” وكذلك القتل في سبيل الله أو الموت، فالآية الكريمة تقول “ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم”

وهذا يعني أو متم في سبيل الله، وسبيل الله تعالى كثير، فالجهاد على رأسه، والدعوة إلى الله عز وجل، وتعلم العلم وتعليمه هي وظيفة الأنبياء والرسل الكرام، من قبلنا فإذا مات الإنسان على عمل صالح فإنه يرجى أن يكون قد وقع أجره على الله تعالى، لأن الله سبحانه وتعالى يقول عن الهجرة كما جاء فى سورة النساء ” ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ” فالذي يموت وهو مهاجر في سبيل الله، خارج من بيته وأهله ووطنه، فإن هذا من أعظم الأعمال الصالحة، ثم يموت فقد وقع أجره على الله، وكذلك الذي يذهب يخرج من بيته مجاهدا أو حاجا أو معتمرا ويموت في الطريق، أو يخرج وهو يسعى على عياله، كل ذلك في سبيل الله، وقد تضمن الله تعالى لمن خرج في الجهاد والحج والعمرة ومات في الطريق أن يعظم له الأجر، ويجزل له المثوبة، ويعظم له الثواب، الخروج إلى العمرة، والحج، والجهاد في سبيل الله، بجميع أنواع الجهاد، ومنها كذلك جهاد النفس في تعلم العلم، وإقامة النفس عليه، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في سبيله، فالموت على هذه الحالة من أعظم أنواع الموت، وهو موت عظيم وله أجر كبير عند الله عز وجل، وكذلك الموت على عمل صالح، فيقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فى الحديث الحسن ” من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنه” وعن عمار بن ياسر رضى الله عنه، أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان يقول ” اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي” فهذا دعاء عظيم مختصر، وكل فيه الأمر إلى الله تعالى وإلى علمه سبحانه وتعالى، وهذا هو الصواب، فإذا دعا يدعو بمثل هذا الدعاء، ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “المؤمن يموت بعرق الجبين” وقد اختلف العلماء في المعنى، فقال بعضهم، معناه أنه يموت وجبينه فيه عرق، وهذا يحتاج إلى تدبر أحوال الناس، وهل هذا واقع أم لا؟ والمعنى الثاني وهو أظهر وأقرب، وهو أنه يموت بعرق الجبين، ويعني أن يعمل ويكدح ويطلب الرزق الحلال، ولا يتساهل ويخرج لسؤال الناس والحاجة إليهم، بل يعمل ويطلب الرزق، والمؤمن هكذا إلى أن يموت وهو في طلب الرزق، والعادة أن التعب يعرق به الجبين، فيحصل العرق من آثار التعب، وقد يأتي في أول البيع، فعن النبي النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه سُئل أي الكسب أطيب؟ فقال ” عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور” وأن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال ” ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده كان يعمل الدروع”

قد يعجبك ايضا
تعليقات