القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لا تبحث عنه

563

كتب/ وائل صلاح الدين
دقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، ممدداً فى الظلام علي فراشي الدافىء ، الهدوء و الظلام يتنافسان أيهما أكثر سيطرة ، أقاتل وحيدا ً وحوش غريبة الأشكال فى مستنقعات عقلي الباطن ، أهرب من كلاب سوداء بحجم فيلا ً؛ فأجد نفسي بين فكي تمساح يمتطي جوادا ً يصهل رافعاً قائمتيه الأماميتان فتخرج النار من بين أنيابه و الوطاويط تدور حوله رأسه فى تبجيل ، كان هذا حينما استيقظت كل حواسي على صوت صرير باب الغرفة المجاورة ، ساد الصمت لحظات أحاول فيها ان استوعب ما يدور حولي ، الغطاء فوقي يزن عشرة أطنان تقبض على صدري ، قدما ً هاربة خارج الغطاء غير مبالية بالوحش القابع تحت الفراش ينظر إليها بنهم ، الحقائب فوق الدولاب أصبحت أقرب إلى شكل هلامي اسود يراقب نومي فى صمت يبدو ان إستيقاظي فزعا ً قد أصابه بالإرتباك ، صوت دقات الساعة تضفي موسيقي تصويرية علي خلفية اللقاء المرتقب ، خطوات بطيئة فى الطرقة المؤدية إلى غرفتي أسكتت كل الأصوات ، حتي الهلام الأسود فوق الدولاب إختفي خوفا ً ، أخفيت كل جسدي تحت الغطاء كاتما ً انفاسي ، أيقنت صوت صرير مفصلات باب غرفتي التى دائما ما انسي أن اقوم بإصلاحها ، صوت دقات قلبي كان اعلي من دقات قدم زائر الفجر ، الغطاء اللعين أصبح خفيفا ً يزيحه صاحب الخطوات بسهوله من فوقي ، صرخت و انتفضت واقفا لاهثا ً كمن كان يعدو ميلا ً ، حاولت النظر حولي فى الغرفة لكن الظلام كان سيدا ً للموقف ، ساد الصمت لحظات من الرعب كانت كفيلة فى إثارة مثانتي فى وقت حرج ، كيف علي تخطي باب الغرفة للخارج ؟، سمعت صوت صرير المفصلات مرة اخري ، يبدوا انني قد أثرت رعب زائري ، او ان هيئتي فى الظلام لم تروق له ، خيط من العرق البارد يسير على عمودي الفقري فيثير قشعريرتي ، ضريرا أبحث عن زر الإضاءة حتي وجدته فأضاء الغرفة كلها ، إحترقت حدقتي من النور فأغمضت عيني ثوان كانت كفيلة لكي أسمع صوت مفصلات بابا ً أخر فى الشقة ، التى دائما ما انسي أن اقوم بإصلاحها ، فتحت عيني فلمحت طيفا ً سريعا ً كان يقف فى الطرقة امام الغرفة ثم إختفي ، خرجت من غرفتي متعثرا ً فى خطواتي ممسكا ً بمثانتي حتي لا تضعف عضلاتها فى لحظات حرجة ، سمعت صرير مفصلات بابا ً أخر فى الشقة ، التى دائما ما انسي أن اقوم بإصلاحها ، اللعنة على المفصلات و على التزييت و على الأبواب كلها ، هرعت فى الشقة كلها افحصها غرفة غرفة فلم اجد لزائري أثر ، الأبواب كما هي ، لم تفتح و لم تغلق ! حركت بابا ً و انا أنظر إلى مفصلاته ، فلم تصدر صوتا ً ! أفرغت مثانتي و وقفت تحت الدش على أمل ان تهدىء المياة أعصابي ، أغمضت عيني تحت المياة و سدت المياة أذني ، صوت خرير المياة كان عاليا ً إلا انني سمعت صوتا ً قادما ً من بئر عميق يناد بإسمي ، فتحت عيني بسرعة فوجدت الحمام خاليا ً إلا من دخان المياة الساخنة التى كادت ان تسلخني ، صوت الشعلة فى السخان كان شبيها ً بالصوت الذى سمعته ، أغلقت المياة و إرتديت ملابسي على بللي خوفا ً ، هناك احد معي فى المنزل؟ الملعون يعبث بعقلي ، يدفعني إلى الجنون ، بحثت فى الشقة كلها فلم اجد إلا صورتي المنعكسة فى المرآة ، لكن من ينظر إلي لم يكن يشبهني ! إقتربت من المرآة مدققا ً النظر فى الصورة المنعكسة ، ظل أسود ينظر تجاهي ، لا أجد له عينان إلا إنني أشعر بهما ينظران إلي ، ثبتت قدمي فى الأرض تنميلا ً قبل أن تتحول إلي قطعتين من الهلام لم تقو على حمل ثقلي فتركتني أسقط على الأرض فريسة لصوت الخطوات القادمة من خلفي، و حل الظلام دفعة واحدة ، لم أسقط على الأرض لكنني ظللت أسقط فى بئر عميق ، كان هذا حينما إستيقظت كل حواسي على صوت صرير باب غرفتي ، التى دائما ما انسي أن اقوم بإصلاحها ! لاهثا ً احاول ان ازيح الغطاء عن جسدي الذي تيبس كله رافضا ً اي مفاوضات للإستجابة ، مرت لحظات حتي وقفت على قدمان ترتعشان فأجد نفسي فى غرفتي الهادئة دون تغيير ، اللعنة على كل مخاوفي ، عقلي الباطن يعاقب عقلي الواعي دون مراعاة لمشاعري ، يواجه مخاوفي فى معارك تفوق قدرتي على المواجهة.
لا تبحث عنه ؛ فهو يراقبك ، و يعاقبك بأسوأ مخاوفك ، ستواجهها رغما عنك و لن تجد سبيلا ً للخلاص ، سيأخذك لأرضه مرغماً على خوض معاركه ، يعرف احلامك و اوهامك و احزانك و كل ما تتهرب منه ، واجهه قبل ان يرغمك على مواجهة اوهامه.
لا تبحث عنه ؛ فهو يراقبك ، و يعرف صوت صرير مفصلات أبواب الغرف ، التى دائما ما تنسي أن تقوم بإصلاحها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات