القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

ماذا عن نبى الله أيوب ” الجزء الخامس “

107

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع نبى الله أيوب عليه السلام، وقال ابن إسحاق كان رجلا من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وقال غيره، هو أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب وقيل غير ذلك في نسبه، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت نبى الله لوط عليه السلام، وقيل كان أبوه ممن آمن بنبى الله إبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه، والمشهور الأول، لأنه من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء، والصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق، وامرأته قيل اسمها ليا بنت يعقوب، وقيل رحمه بنت أفرائيم، وقيل منشا بن يوسف بن يعقوب، وروى ابن عساكر من طريق الكلبي أنه قال أول نبي بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم إسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهرون، ثم إلياس، ثم اليسع، ثم عرفي بن سويلخ بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، ثم يونس بن متي من بني يعقوب، ثم أيوب بن زراح بن آموص بن لبفرز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه.

فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه” ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرا واحتسابا وحمدا وشكرا، حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضا بما حصل له من أنواع البلايا وقد روي عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل، في قصة أيوب، خبر طويل في كيفية ذهاب ماله، وولده، وبلائه في جسده، والله أعلم بصحته، وعن مجاهد أنه قال كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري، وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال، فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص، وقال أنس رضى الله عنه أنه ابتلي سبع سنين وأشهرا، وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، حتى فرَّج الله عنه، وعظم له الأجر، وأحسن الثناء عليه، وقال حميد، مكث في بلواه ثمانية عشرة سنة، وقال السدي، تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها قالت، يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك، فقالن قد عشت سبعين سنة صحيحا، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام، ونبي الله أيوب عليه السلام، قيل هو من ذرية نبى الله إسحاق عليه السلام، وقد ضرب الله به مثلا للبشرية في نموذج لرجل أعطاه الله النبوة والمال والأولاد والصحة، وابتلاه الله أعظم البلاء رغم نبوته.

فصبر صبرا لم تعهده البشرية كما كان أيوب عليه السلام، وكان أيوب رجلا كثير المال، يمتلك الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران، وكان له أولاد وأهلون كثير، وعاش على هذه النعم عشرات السنين، وقد ابتلى الله أيوب في جسده فأصيب بأمراض لم ينجو منها عضو في جسده سوى قلبه ولسانه، فكان صابراً محتسبا ذاكرا لله في ليله ونهاره، وقد طال مرض نبي الله أيوب عليه السلام حتى انقطع عنه الناس خشية العدوى وانتقال المرض، وأخرج من البلد، وقيل أنه ألقي في مزبلة خارجها، ولم يحن عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته وتقوم بمصلحته، وفقد أيوب ماله ومزارعه وأراضيه ومات أولاده واحدا تلو الآخر، فكانت المصائب تتوالى عليه وهو ما زال صابرا ذاكرا محتسبا، وضعف حاله وحال زوجته، فاضطرت أن تخدم الناس بالأجر لتستطيع إطعام زوجها أيوب، وهي رضى الله عنها صابرة مع زوجها على ما حل بهما من فراق المال والولد والمرض وضيق ذات اليد بعدما عاشوا سنينا في رخاء ورزق وفير في المال والولد والصحة، وتدهورت صحة نبي الله أيوب، وتساقط اللحم ولم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته فلما طال عليها.

قالت يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال أيوب عليه السلام قد عشت سبعين سنة صحيحا فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت المرأة من كلامه هذا، وجاء الشيطان وتمثل في هيئة طبيب والتقى بزوجة أيوب عليه السلام والتي رحبت به وأدخلته على زوجها للعلاج، فأصابه الشيطان بآلام وعذاب، حتى أدرك أيوب أنه ليس طبيبا وإنما شيطان فطرده، وغضب من زوجته وأقسم ليضربنها بالسوط مائة ضربة، وازدادت الأحوال سوءا، فقد امتنع الناس أن يتعاملوا مع زوجة أيوب خوفا من أن يصابوا من بلاء زوجها أو تعديهم زوجته نتيجة مخالطته، فلم يعد يطلبون خدمات زوجته، ولم تعد تستطيع جلب المال للإنفاق على زوجها، فاضطرت لقص إحدى ضفيرتيها وبيعها لبعض بنات الأشراف مقابل طعام طيب كثير، فلما أتت به أيوب سألها من أين لك هذا؟ فقالت خدمت به أناسا، وفي اليوم التالي عجزت المرأة أن تعمل لجلب المال، فاضطرت للمرة الثانية أن تبيع الضفيرة الثانية وأصبح حالها مبتذلا، ولما أتت بالطعام لأيوب حلف ألا يأكل هذا الطعام حتى تخبره من أين جاءت به، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، تألم واشتد كربه، فلجأ إلى الله وقال رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، واستجاب الله لدعاء نبيه، وأذن بكشف الضر عن عبده أيوب عليه السلام.

فخرج أيوب لقضاء حاجته وزوجته تمسك بيده وتسنده، وراحت تنتظره حتى ينتهي لتأخذ بيده حتى يرجع، لكنها ظلت تنتظره كثيرا، فقد تأخر على غير عادته، فقد أوحى الله إلى أيوب أن اضرب برجلك الأرض يخرج منها ماء بارد، اغتسل منه واشرب تشفى مما أصابك من كافة الأمراض، ففعل أيوب فاسترد صحته وعافيته بأحسن حال، فلما عاد لزوجته لم تعرفه وظنته غريبا، وسألته عن أيوب وقالت أي بارك الله فيك، هل رأيت هذا المبتلى الذي كان هاهنا؟ أخشى أن تكون الكلاب أو الذئاب قد ذهبت به، فقال لها ويحك أنا أيوب، فقالت له أتسخر مني؟ قال أنا أيوب، قد رد الله على جسدي، وكانت مفاجأة مدهشة لزوجته التي غمرتها السعادة والشكر لله على فضله وجزائه لعباده الصابرين، وأصلح الله عز وجل لأيوب حال زوجته، ورد لها جمالها وشبابها، فحملت وولدت، ورزقهما الله مثل أولادهم الذين فقدوهم فيما مضى، وأعطاه الله مثلهم معهم، كما رزق الله أيوب رزقا وفيرا من المال والمزارع والأراضي كما التي فقدها من قبل ومثلها معها، وأوحى الله لأيوب أن يستغفر لمن هجروه، فعادوا لصحبته كما كانوا، وأوحى الله لأيوب أن يجمع حزمة من الأعواد الصغيرة ويضرب بها زوجته ضربة واحدة خفيفة حتى يبر بقسمه السابق ولا يحنث، وكانت رخصة من الله تعالى.

حتى لا يؤلم زوجته الصابرة المحتسبة الصديقة البارة بزوجها، أما ما صارت عليه حاله بعد استجابة الله له فقد أذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالا تاما، ومالا كثيرا، حيث صب له من المال صبا، وأخلف الله له أهله، كما قال الله عز وجل ” وآتيناه أهله ومثله معه ” فقيل أحياهم الله بأعيانهم، وقيل آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم، وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة، وإن من أهم العبر فى قصة نبى الله أيوب عليه السلام هو نجاح أيوب عليه السلام، في الاختبار، لأن الله عز وجل قال في آخرالآيات ” إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ” فابتلاه الله عز وجل بأن سلب منه جميع ماله، وأهله، وأصبح مريضا ضعيفا، فكيف يكون حال الإنسان إذا عاد فقيرا بعد غنى، وضعيفا بعد قوة، ووحيدا بعد أهل وذرية؟ وإن من العبر أيضا فى قصة نبى الله أيوب عليه السلام، أنه هو تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبى الله أيوب عليه السلام، حيث ابتلاه الله تعالى بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب، حتى فرّج الله عنه، وهذا الفرج لمن صدق مع الله سرا وجهرا، واتقاه عز وجل، وإن الحكمة من ابتلاء الله عز وجل لعباده المؤمنين؟ هو تكفير السيئات.

فقد قَال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ما يصيب المسلم من نصب “أى تعب” ولا وصب ” أى مرض ” ولا هم ” وهو كره ما يتوقعه من سوء” ولا حزن ” وهو الأسى على ما حصل من مكروه” ولا أذى ” وهو من تعدي غيره عليه” ولا غم ” وهو ما يضيق القلب والنفس، حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ” رواه البخاري، وإن من فوائد الإبتلاء هو رفع منزلة المبتلى عند الله تعالى، وتنقية نفسه من شوائبها من الرياء وغيره، وتعلق المبتلى بالله عز وجل، ومنها أيضا إظهار الناسِ على حقيقتهم، فمن الناس من يدّعى الصبر وليس بصابر، فالمرض والفقر، والجوع والآلام، وفقدان الأولاد والأصدقاء، وخسارة الأموال، وغير ذلك، أمور لا تطيقها وتتحمل ألمها إلا النفوس الأبية الكبيرة، وهي التي ترضى بقضاء الله وقدره، وإنه ينتهي نسب نبي الله أيوب عليه السلام إلى إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، وكانت بعثته على الراجح بين موسى ويوسف عليهما السلام، وقد وردت قصته في القرآن الكريم باختصار في سورة الأنبياء، وسورة ص ” وكانت قصة النبي أيوب عليه السلام جاءت في سورة الأنبياء فقال الله تعالى” وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين “

قد يعجبك ايضا
تعليقات