القاهرية
العالم بين يديك

حرية امتلاك

149

كتب \ شريف مصطفى
ما من مستقبل واقعي! نعم تلك هي مخاوفي؛ فكل شيء بعيد عن الرؤى، مجرد سعي وراء هواجس الأمان متعللاً بصخب الوحدة، صراع عميق بين إيجاد الرغبة وبين تحقيقها، وصراع أعظم بين إيجاد القدرة وتحقيقها، وصراع أعظم وأعظم بين الرغبة والقدرة.
لم أعد أملك راحتي بشكل خاص؛ فبحكم غريزتي صرت أبحث عن أشلاء نفسي محاولاً استعادة شخصي المفقود، أنا عاشق للحرية ويرهبها، أنا محكوم بغريزة ويصارعها.
لا أخفي عنك أي أسرار ملذات؛ فدراية المستقبل تبدأ بعقل متفتح وقرار حاسم، ولا يمكن حصر ملكة الأمان في لذة الامتلاك؛ لأن الامتلاك قاتل للحريات، وفي عين الوقت لا يمكن تقديس الوحدة إلى حد التوحّد؛ لأن الحرية الطليقة سجن العقول، ونقص الامتلاك عراء النفوس.
قد يكون عامل الزمن يلعب الدور الأكبر هنا، وقد يكون الصبر معاونًا جيدًا، ربما كانت الحرية في الامتلاك، وربما كان الامتلاك في الحرية، الغالب على الجمع هو تلوّن السلوك والرغبات تبعًا لعامل الزمن، فلا شراكة في الحياة قبل إشباع نسبي من الحرية، ولا وحدة أبدية تحرم النفس فرح وراحة المشاركة.
لكن ما يزيد التعقيد وطأة هو رعونة هذا العامل الأساسي؛ فما هو الزمن؟ وما هي ضماناته؟ ليس هنالك مرحلة تضمن بها وتؤكد على إشباعك من الحرية أو الامتلاك، هي رعونة تتوافق معها رغبات طائشة داخل إطارات متقاطعة لا تدركها عقول الإنس، ومن هنا كانت الحيرة والتهور في اتخاذ القرارات المصيرية، تجد نفسك تسعى إلى حياة جديدة تظنّها آمنة فتفاجأ بخسارة ومصائب تسلبك نعمتيّ الحرية والامتلاك، أو تحتار وتتردد فيلتهمك الزمن وتصبح بالمثل مسلوب النعمتين.
لا أكتب كل هذا لك كي أقدّم حلاً، لكن الأدعى هو البحث عن مسجون الحرية داخل كل سجون المسؤولية، ربما هذا قد يضفي نوعًا من التعوّد، صحيح أنه تعوّد بائس لكنه ليس بالمانع، قد يسمح لبعض الشئون أن تحيد عن مسارها ولو طال عبث الزمن، وصحيح أن هذا التعوّد بمثابة خسارة نفس لكنه يمنح فرصة تواجدها كأشلاء في نفوس المحبيّن، فيصبح خير استعداد وعزاء لعظام الجسد في تراب القبر.
تلك هي الحقيقة الحتمية، وبالرغم من اتّفاقها مع الزمن في عنصر العبث إلا أنها لا ترتبط به ارتباطًا واضحًا؛ فترى الشاب يلقى حتفه، والرضيع تنقطع أنفاسه، والكهل يصبح بطلاً.
أعلم أن عبث عقلك يخشى هذا الكم من العبث، ولكن في استطاعتي أن أخبرك بآخر ما في حوزتي: ما من حرية تجعلك فريدًا، وما من امتلاك يجعلك خالدًا.

قد يعجبك ايضا
تعليقات