القاهرية
العالم بين يديك

الإحتفالات الإجتماعية والوطنية بين الحلال والحرام

164

كتب_إسماعيل عبد الشافي

إننا نرى المسلمون في هذا الزمان يعيشون في مأزق حضاري وثقافي نتج عن ارتباك شديد في الفهم الصحيح فأصبحوا لا يستطيعون تحقيق التوافق بين تعاليم الدين الإسلامي والمناسبات الإجتماعية والوطنية التي اعتاد عليها آبائهم واجدادهم الأولين قبل ظهور الإسلام أو في البلاد التي دخلها الإسلام بعد ذلك ، وذلك برغم أنها من القضايا التي قد حسمت منذ زمن بعيد جداً في التراث الأسلامي الضخم الرائع و الشامل للأصول والفروع والأحكام والقواعد الشرعية والفقهية .
فلا بد أن يدرك الجميع أن الإسلام دين تام غير منقوص وهو دين الرحمة وتشريعه هو التشريع الصالح لكل زمان ومكان، فالمنهج الإسلامي كامل شامل يحمل في أصوله كل ما يحتاج إليه الإنسان ليقوم بمهمته التي خلق من أجلها وهي سكن و إعمار الأرض وإصلاحها والعمل بمكارم الأخلاق ، لذلك يتوافق الإسلام مع كل حق وخير وجمال وخلق حسن ، ويستوعب كل عادة و عمل كان قبله أو استحدث بعده شرط أن يكون فيه إعلاء للقيم الإنسانية ونفع للبشرية .
كما أن الإسلام لم يأتي ليقضي على كل ما كان موجود من عادات وتقاليد واحتفالات إجتماعية ووطنية ما لم تكن تخالف ما شرعه الله أو فية مضرة للأنسانية.
ومن ضمن هذة العادات والاحتفالات الإجتماعية والوطنية على سبيل المثال الإحتفال بشم النسيم .
إن الإحتفال بشم النسيم عادة مصرية ومناسبة إجتماعية ليس فيها شيء من الطقوس المخالفة للشرع، ولا ترتبط بأي معتقد ينافي أو يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وإنما يحتفل المصريون جميعا بها في هذا الموسم تعبيراََ عن الفرح بقدوم فصل الربيع بالترويح عن النفوس، وصلة الأرحام، وزيارة المنتزهات، وممارسة بعض العادات كالتزين و كتلوين البيض، وأكل السمك، وكلها أمور مباحة شرعاََ .
إذآ الأصل في موسم شم النسيم أنه إحتفال بدخول الربيع، والاحتفال بالربيع شأن إنساني إجتماعي لا علاقة له بالأديان فقد كان معروفاََ عند الكثير من الأمم بأسماء مختلفة حتى أصبح الأحتفال به عرف ….
قال تعالى (خُذ العفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأعرِض عن الجَاهِلينَ) …
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)
والإحتفال بشم النسيم عادة قديمة منذ زمن الفراعنة
وقد وضع العلماء قاعدة أصولية من القواعد الشاملة للشرع وهي قاعدة (العادة محكمة )
ولنعلم جميعاََ أن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده، لا نفسيا ولا وجدانيا ولا بدنيا، فالإنسان يحتاج لغيرة للتعايش وللمؤانسة، كما أنه لا يستطيع أن يوفي كل احتياجاته المعيشة منفرداََ ، لذلك يعيش البشر في مجتمعات تجمعها مع مرور الزمن عادات وتقاليد وأعراف، يسجلون تواريخهم وذكرياتهم الجماعية، لذلك نشأت الاحتفالات الإجتماعية التي تجمع كل مجموعة من البشر في مكان واحد لتذكرهم بذكرياتهم وإنتصاراتهم وتاريخهم وأجدادهم، وليتشاركوا المشاعر الإنسانية ومن أمثلة هذا الإحتفال بشم النسيم ،
و لنعلم أنه لم يكن ابدا من شأن المسلمين أن يكون مقصدهم مخالفة أعراف الناس في البلدان التي دخلها الإسلام ما دامت لا تخالف الشريعة، وإنما سعوا إلى الجمع بين التعايش والاندماج مع أهل تلك البلاد، مع الحفاظ على الهوية الدينية.
لذا كان الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه ( فاتح و والي مصر من قِبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه) يخطب المصريين في كل عام ويحثهم على الخروج للإحتفال بقدوم فصل الربيع وذلك في مع نهاية فصل الشتاء وأول فصل الربيع كما أخرجه ابن عبد الحكم في (فتوح مصر والمغرب) ، والدارقطني في المؤتلف والمختلف وما جاء في كتاب فضائل مصر .
أما بالنسبة لمن يقول بأن الإحتفال به بدعة فنقول له
لا بد أولا  من العودة للتعريف بالبدعة:
البدعة هي من الابتداع، بمعنى الاختراع على غير مثال سابق، والإبتداع على قسمين :
_ القسم الأول: البدعة في الدين: هي كل أمر مستحدث في الدين ليس له أصل.. كابتداع شعائر لا أصل لها في الدين أو الإضافة عليها أو النقصان منها، وهذا محرم ومذموم، لأن الأصل في العبادات التوقف، قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)

أما إذا كانت لها أصل فلا تدخل في مفهوم البدعة المذمومة.. وأمن أمثلتها: جمع القرآن في عهد أبي بكر وعثمان، وجمع المسلمين في صلاة القيام جماعة في عهد عمر، والآذان الثاني يوم الجمعة في عهد عثمان رضي الله عنهم جميعا،
القسم الثاني : البدعة في الدنيا مثل إبتداع كل ما هو جديد في حياة الناس ، مثل تخطيط الطرق و الدروب للتسهيل على الناس ، وإختراع الأجهزة التي تسهل الحياة وتقلل المشاقة عليهم وتزيد المعرفة والتواصل ومثل إنشاء المستشفيات والمدارس واستخدام الإنترنت وغير ذلك الكثير ، وهذا يأخذ جميع الأحكام التكليفية كلاً حسب استخدامه ، فإن كان نافعا فهو مباح ، وإن كان ضروريا أصبح واجبا، وإن كان ضارا كان حراما، وهكذا.
أما من قال بحرمة الإحتفال بالأعياد الإجتماعية والوطنية ومنها كما قلنا الإحتفال بشم النسيم بالإجماع فنقول
هو قول غير صحيح فلا يوجد أي إجماع على الإطلاق في هذا الأمر ،
و إذا رجعنا إلى زمن السلف الصالح من الصحابة والتابعين نجد أن كثيرا من الصحابة قد أتوا وعاشوا و استوطنوا بمصر سنوات طويلة وماتوا ودفنوا فيها، وبالتأكيد عاصروا الإحتفال بشم النسيم فهل ذكر أحد منهم حرمة الإحتفال أو عدم جوازه؟ لا…. لم يذكر أي أحد منهم أي تعليق على ذلك الإحتفال ، ولا يوجد أي فتوى من أي صحابي بتحريمه وقد ذكرنا سابقا موقف عمرو بن العاص .
وبالنسبة للتابعين فنذكر منهم الإمام الشافعي وتلاميذه كربيع المرادي وغيرهم عاشوا واستوطنوا مصر،كما أن تلامذة الإمام مالك: ومنهم أشهب و ابن القاسم وغيرهم عاشوا في مصر كذلك وبالتالي فقد عاصرواالإحتفال سنويا، فهل نجد من روي عنهم أو عن أحدهم التحريم أو الكراهة حتى؟
لا…. بل لم يتعرض أي أحد منهم للاحتفال بشم النسيم.
لذا نقول بأن الإحتفال بشم النسيم وغيره من الاحتفالات الإجتماعية والوطنية وإنما هو محض إحتفال وطني قومي يراعي فيه مشاركة سائر أطياف المجتمع ، بما يقوي الرابطة الإجتماعية والانتماء الوطني، وتعم به البهجة والفرحة بين أبناء الوطن الواحد ، ما دام لا ترتكب المعاصي أو مما قد يحدث في هذه المناسبة أو غيرها من أذى و سلوكيات يتجاوز بها أصحابها حدود الشرع أو يخرجون بها عن الآداب العامة

قد يعجبك ايضا
تعليقات