القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن زكاة الذهب والفضة ” الجزء الأول “

213

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

إن المال من زينة الحياة الدنيا، فهو تسر له النفوس، وتفرح إذا أعطيت، وتحزن إذا منعت منه، وليس العطاء دليل الرضا، ولا المنع هو علامة الغضب، ومن عباد الله من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقره الله ما صلح له ذلك، ومن عباده من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغناه الله ما صلح له ذلك، فهو سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع وهو الحكيم الخبير، وإن المتأمل في النظام الإسلامي الاقتصادي والاجتماعي يتبين له أنه أعدل نظام عرفته البشرية، فالأغنياء الموسرون في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وهم يؤجرون على البذل، ويبارك الله تعالى لهم في المال مع الصدقة، وهم يجازون بالإحسان على إحسانهم، فيعطيهم الله تعالى من رزقه، ويطلب منهم القرض الحسن للمحتاجين من خلقه، وتضاعف لهم الأجور في الصدقات، ويحفظ الله أموالهم من الكوارث والنكبات بإخراج الزكاة، وإعطاء الصدقات، وإن الفقراء يحتاجون فلا يجيبون، ويصبرون فيؤجرون، وتضن بهم الحياة وتلاحقهم هجوم الديون وغلته، وقهر الرجال فيشكون الحاجة الى خالقهم وينزلونها به دون خلقه، فيحصل لهم بعد العسر يسر، ومن الهموم فرج.

فكم لهم من الأجر حين يصبرون على شظف العيش وكفاف الحياة، وكم تصفو نفوس الزهاد في الدنيا حين لا يشغل بالهم التجارة في الأسواق، بل يتفرغون للدراسة والتدريس، والعبادة والتزود للآخرة، وإن الزكاة في اللغة هي الإنماء والتطهير، فيقال زكى المال بمعنى نمى أو تطهر، والمراد بالزكاة اصطلاحا كما قال العلماء هو حق في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص، وتعد الزكاة ركنا من أركان الإسلام الخمسة، فقد فرضها الله سبحانه وتعالى، على كل مسلم توفرت فيه الشروط وملك النصاب، فتؤخذ من أصحاب الاموال وترد على فقراء المسلمين ومصارف الزكاة عامة، وتعتبر الزكاة هى عبادة وفريضة مالية يقوم بها الإنسان إيمانا بالله تعالى وتسليما له، ورغبة في تحصيل الأجر والنجاة من العقاب، كما أن الإنسان المسلم عندما يؤدي الزكاة يستشعر أداء الواجب تجاه المجتمع المسلم، وأما عن وجوب الزكاة في الذهب والفضة فإنه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله عز وجل فى سورة التوبة ” والذين يكنزون الذهب والفضه ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ” وأما في السنة النبوية.

فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ” رواه مسلم، وقد أجمع المسلمون في كل العصور على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وإن لوجوب الزكاة في الذهب والفضة لابد من أن تتوفر فيها شروط وجوب الزكاة وهي بلوغ النصاب، ومرور الحول والملك التام، وكونها من مسلم حر، ولكن كيف تزكى الذهب والفضة، فإن نصاب الذهب والفضة هو قيمة خمسة وثمانون جراما من الذهب أو الفضة ومن هنا يكون أن الوزن وهو خمسة وثمانون جرام من الذهب فى سعر الجرام يساوى النصاب، فإذا بلغت النصاب نخرج منها الزكاة بنسبة اثنين ونصف فى المائه أى ربع العشر من إجمالى القيمه الموجود كلها، وتجب الزكاة في الذهب والفِضة إذا بلغت نصابا، سواء كانا نقدينِ أو كانا سبائك، ونصاب الذهب عشرون مثقالا أو دينارا، وهو ما يساوي خمسا وثمانين جراما من الذهب الخالص، ولقد أجمع المؤرخون على أن الشرع نص على أن الدينار الرسمي وزنه 4.25 من الجرامات.

وبناء عليه يكون نصاب الذهب 4.25 ×20 = 85 جراما من الذهب، وأما الفضة، فنصابها بالوزن الحديث هو 2.975 ×200 = 595 جراما من الفضة، ومن هنا نلاحظ أن هذه الأنصبة لا يضبطها إلا الوزن، فمن ملَك من الذهب 85 جراما، وجبت فيه الزكاة ربع العشر 2.5 بالمائة منها، وكذا في الفضة، فمن ملك نصابا من الفضة الخالصة نقودا أو سبائك وهو ما يزن 595 جراما فقد وجبت عليه الزكاة = 2.5 بالمائة، أي ربع العشر، فإذا قدّرت بالجنيهات المصرية فتخرج عن كل مائة جنيه أثنين جنيها ونصف وهو ربع العشر، وما زاد على النصاب فيزكى بحسابِه، وهو قول الصاحبينِ، قالا وما زاد، فبحسابه من غير عفو لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وفيما زاد على المائتين، فبحسابه” وأما عن زكاة الحلي، فقد اتفق الفقهاء على أن الحُلى إذا كان من ذهب أو فضة، وكان غير مباح، كاستعمال الرجل له في غير ضرورة، أو استعماله في الأواني للزينة، فالواجب فيها الزكاة إن بلغت نصابا، وأما الحلي المباح، فاختلفوا في وجوب الزكاة فيه على قولين، فالقول الأول، هو أنه يرى الحنفية أن الزكاة واجبة في الحلي المباح استعماله.

وبهذا القول قال الظاهرية، والشافعية في قول لهم، وبعض الحنابلة، والقول الثاني، هو إن الزكاة غير واجبة في الحلي المباح استعماله، وبهذا القول قال المالكية، وهو قول للشافعية، والحنابلة، والإمامية، وقد استدل أصحاب القول الأول القائلين بالوجوب بالمنقول والمعقول، وأما المنقول، فقوله تعالى فى سورة التوبة ” والذين يكنزون الذهب والفضه ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ” فظاهر الآية يُقيد وجوب الزكاة في النقدينِ الذهب والفضة، ويدخل فيه الحلي المتخذ منهما، وأما عن الدليل من السنة الشريفة هو ما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، بسندهم إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتانِ غليظتان من ذهب، فقال لها ” أتعطين زكاة هذا؟ ” قالت لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أيسرّك أن يُسوّرك الله بهما يوم القيامة سوارينِ من نار؟ ” قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم ” هما لله ورسوله ” ففي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة إذا بلغا نصابا.

ولكنه قد اعترض على الاستدلال من السنة، بأن حديث المسكتين قد ضعّفه أكثر من واحد من أهل الدراية بالحديث، منهم الترمذي، فلا يصح الاحتجاج به، ولكن كان هناك رأى آخر، بأن هذا الحديث قد صحّحه كثير من أهل المعرفة بالحديث، منهم ابن القطان، فقد قال فيه إسناده صحيح، وقال فيه المنذرى، إسناده لا مقال فيه، وقد وثق رجال هذا الحديث ابن المديني وابن معين، ومن المعقول هو القياس على التبر بجامعِ أن كلا منهما جنس الأثمان غالبا، والتبر تجب فيه الزكاة، فكذلك تجب في الحلي المباح، وقد اعترض على الدليل بإبداء الفرق بين الأصل وبين الفرع، فلا يصح القياس ووجه الفرق أن التبر لم يستعمل استعمالا يُخرجه عن وجه النماء، فإذا لم يترك كان كنزا، بخلاف الحلي، وبأن استعمال الحلي لم يُخرجه عن وجه النماء حكما، وهذا كاف في وجوب الزكاة، وعلى هذا فالفرق إن وجد فغير مؤثر، وأما عن أدلة من قال بعدم وجوب الزكاة على الحلى، فإنهم قد استدلوا بالسنة والمعقول، وإن من السنة الشريفة هو ما رواه الدارقطني بسنده إلى جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ليس في الحلي زكاة”

فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الزكاة عن الحلي، وعدم وجوبها فيه، وقد اعترض عليه بأن الخبر المذكور ليس مرفوعا للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي سنده ابن يعقوب وهو مجهول، وعلى هذا فالخبر غير ناهض للحجية، وأما الادلة من المعقول، وهو أن الزكاة إنما تجب في المال النامي أو المُعدّ للنماء، والحلي ليس واحدا منها لأنه خرج عن النماء بصناعته حليّا يُلبس ويستعمل كالثياب، وقد اعترض عليه بإبداء الفرق بين الحلي والثياب ونحوها، فإنها لم تخلق إلا للاستعمال، بخلاف الحُلى فإنه من الذهب والفضة، وهي جنس الأثمان، ومع وجود الفرق لا يستقيم القياس، وإن الراجح هو وجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ نصابا، لقوة أدلة الحنفية ومن وافقهم، كما أن التهديد والوعيد الوارد في الأدلة التي استدل بها الحنفية كافى في وجوب الزكاة، وهكذا فقد تكرر هذا السؤال من كثير من الناس عن حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة وما ورد في ذلك من الأدلة، ولا ريب أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات