القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن التيس المستعار

305

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن التيس في اللغة هو الذكر من الظباء والمعز والوعول إذا أتى عليه سنة، وإن وجه الشبه بين التيس وبين المحلل هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله، حيث قال، فإن صاحب الماشية يستعير التيس لا لأجل الملك والقنية، ولكن لينزيه على غنمه فكذلك المحلل لا رغبة للمرأة ووليها في مصاهرته ومناكحته واتخاذه ختنا وإنما يستعيرونه لينزوه على فتاتهم، ولقد جاء في الشرع وصف الرجل الذي يتزوج المرأة المطلقة ثلاثا ليحلها لزوجها الأول فقد جاء وصفه بأنه تيس مستعار كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه والحاكم وغيرهما، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال” ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحل” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لعن المحل والمحلل له” وإن وجه التشبيه بالتيس على وجه التحديد دون سائر الحيوانات كما جاء في شرح سنن الترمذي أن الشهوة في التيس كثيرة قلما يفتر عن الجماع، وهكذا فإذا كان النية من الزواج هو تحليلها لزوجها، فهذا نكاح باطل وصاحبه ملعون ونعوذ بالله من ذلك، لأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

 

لعن المحلل والمحلل له وهو نكاح ملعون صاحبه وهو فاسد لا يحلها لزوجها الأول، ولا للثاني الذي نكحها بنية التحليل ولو رغب فيها، ولكن ما يجب على الزوج الذى أطلق عليه التيس المستعار فعله إذا تزوج هكذا؟ فهو أنه يجب عليه أن يطلقها طلقة واحدة لإبطال هذا العقد الفاسد وإزالة شبهته، وبعد ذلك هي مخيرة شاءت تزوجت عليه وإن شاءت تزوجت على غيره بعد خروجها من العدة إذا كان وطئها، فإذا خرجت من العدة بثلاث حيض إن كانت تحيض أو بثلاثة أشهر إن كانت كبيرة لا تحيض أو صغيرة لا تحيض، وإذا خرجت من العدة فهي تنكح من شاءت، وإن الإسلام دين الله الذي اختاره واصطفاه وطهّره، وهو أحق بالتوقير والاحترام والتنزه مما قد يشينه ويعيبه، والمسلمون الذين يلجؤون إلى زواج التحليل يخادعون الله، كأنما يخادعون الصبيان ويتخذون آيات الله هزوا، وهم عاصون لله، مطيعون للشيطانِ، وهم السبب في تعيير الكفار للمسلمين بهذا النوعِ من الزواج الفاسد، وقد شبه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المحلل بالتيس المستعار وسماه السلف بمسمار النار، فيجب علينا جميعا اتباع شرع الله تعالى والوقوف عند حدوده.

 

وأن واجب المسلم هو تحكيم شرع الله في الصغير والكبير مع الانقياد التام له ظاهرا وباطنا فلقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة النساء ” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ” فيجب علينا أن نعلم أن الله تعالى أدرى بما في الطلاق من الفساد، ومع ذلك فإذا طلق الرجل زوجته ، فلا بد بعد ذلك من معاملة المطلق بما حدده الشرعن ولا يجوز أن يزعم المسلم أن مفسدة الانحراف عن الشرع يمكن أن تقارن بأية مفسدة أخرى، فإذا تقرر عندك هذا الأمر، فاعلم أن من طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل العلم، وأنه ليس بينهم خلاف في أن المطلقة ثلاث تطليقات بألفاظ متعددة ترتجع بعد كل تطليقة، لا تحل للمطلق حتى تنكح زوجا غيره لقول الله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ” فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ” وقد روت السيدة عائشة رضى الله عنها‏ أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت‏ إنها كانت عند رفاعة.

 

 

فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فتزوجت بعده بعبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قالت‏‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضاحكا وقال‏ “‏ لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة‏؟‏ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته‏ “‏ متفق عليه، ثم لا يجوز ولا يصح أن يتزوج الرجل المرأة بنية تحليلها، فقد روى ابن ماجه وغيره عن عقبة بن عامر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له” فهذا هو الشرع الذي لا يصح المحيد عنه، وأن قد العلماء حاولوا معالجة الموضوع بشكل يغطي الأدلة من السنة النبوية الشريفة ومن آثار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين على بطلانِ هذا النوع من الزواج، وردوا على من يستندون إلى قول عز وجل ” فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ” في إثبات التحليل، ثم قدموا أدلة جامعة على بطلان هذا الزواج، وأخيرا، فإن التيس المستعار، هو المحلل وصاحب هذا التشبيه هو الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي لعن المحلل والمحلل له.

 

والمحلل هو رجل تزوج من امرأة طلقها زوجها ثلاث مرات، فحرمت عليه، والغرض من هذا الزواج ليس الإقامة المستقرة الدائمة مع المرأة، وإنما تحليلها لمطلقها، وهذا النوع من الزواج هو أحد مكايد الشيطان وهي مكيدة التحليل، وبسبب هذا النوع من الزواج أصاب المسلمين العار، وعيرهم الكفار به، وأدى إلى فساد كبير، وهو زواج لا ترضى به النفوس الأبية، بل وتنفر منه نفورا شديدا، وترى أنه ليس بزواج صحيح، لأنه لو كان صحيحا لم لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله، فالزواج من سنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وفاعل السنة مقرّب وليس بالملعون، لكن الملعون هو المحلل وهو المشبه بالتيس المستعار، وهو الذي سماه السلف الصالح بمسمار النار، وبسبب هذا النوع من الزواج تتبذل المرأة الحرة المصونة أمام المحللين، وتنظر المرأة هنا إلى محللها نظرة الشاة إلى السكين، التي سيذبحها بها الجزار، وتتمنى أن تموت قبل أن تعيش هذه اللحظة، ويتزوج المحلل من هذه المرأة، بلا زفاف ولا إعلان، وإنما بتكتم وتخف، لا جهاز ينقل، ولا فراش إلى بيت الزوجية يُحمل، ولا تهدى للعروس هدايا من صاحباتها.

 

ولا وليمة تقام، ولا تزين لزوجها لليلة زفافها، ولا مهر تقبضه، ولا نفقة ولا كسوة تعطى لها، ولا عرس يقام للعروسين، إنما يدفع المطلق المهر، ويقوم التيس بجماع مطلقته بأجر أو بلا أجر، وفي اللحظة التي يخلو بها هذا التيس المستعار، يكون المطلق والولي واقفين على الباب ينتظران إلى أن ينجسها هذا التيس بمائه الحرام، ويطيبها بلعنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمى عرسهما بعرسِ التحليل، وهو عرس يفتقد إلى المودة والرحمة التي ذكرها الله في كتابه العزيز، والمحلل إما أن يكون قد قبض أجره سلفا، أو يبقي على المرأة عنده طويلا حتى يأخذ أجره، وعلى المرأة بعد أن ينتهي عرس التحليل أن تعترف بالذي حدث بينهما حتى يتم الطلاق، وحينما يسألها الشهود فلا تستطيع أن تنكر، فيأخذون الأجر منها أو من مطلقها وهم عادة من المستأجرين، وإن الأدلة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطلان هذا الزواج، هو ما روى عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له” وعن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أخبركم بالتيس المستعار؟

 

قالوا بلى، يا رسول الله، قال ” هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له” وهكذا فإن زواج التحليل باطل حتى ولو لم تعلم المرأة، فكيف لو تعاقدت واتفقت أطرافه عليه؟ وفى حديث رواه الإمام احمد أنه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمؤتشمة، والواصلة والموصولة والمحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله” وعن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أنه لعن المحلل والمحلل له” رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحلل فقال صلى الله عليه وسلم ” لا نكاح إلا نكاح رغبة، ولا نكاح دلسة، ولا مستهزئ بكتاب الله لم يذق العُسيلة” والعسيلة هى مصغر عسل، وأنث لأن العسل مؤنث، وقيل إنه يذكر ويؤنث، وقد اختلف في المراد بذلك، فقيل هو إنزال المني، وأن التحليل لا يكون إلا بذلك، وقيل ذوق العسيلة كناية عن المجامعة وهو تغيب الحشفة من الرجل في فرج المرأة، ويكفي منه ما يوجب الحد والصداق، وقيل إن العسيلة هي لذة الجماع، والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا، وعن عمرو بن دينار.

 

وهو من أعيان التابعين أنه سئل عن رجل طلق امرأته، فجاء رجل من أهل القرية بغير علمه ولا علمها، فأخرج شيئا من ماله، فتزوجها ليحلها له، فقال لا، ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سُئل عن مثل ذلك، فقال ” لا حتى ينكحها مرتغبا لنفسه، حتى يتزوجها مرتغبا لنفسه، فإذا فعل ذلك لم تحل له حتى يذوق العسيلة” وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال له امرأة تزوجتها أحلها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال “لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها وإن كرهتها فارقتها، وإن كنا لنعد هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحا” وعن عمر بنِ الخطاب رضي الله عنه أنه قال “لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما” وفي رواية أخرى “لا أوتى بمحلل ولا محللة إلا رجمتهما” وعن عبدالملك بن المغيرة قال سُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن تحليل المرأة لزوجها، فقال “ذاك السفاح” وعن بن شريك العامري قال سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما سُئل عن رجل طلق ابنة عم له، ثم رغب فيها وندم، فأراد أن يتزوجَها رجل يحللها له، فقال ابن عمر رضي الله عنهما “كلاهما زان، وإن مكث عشرين سنة أو نحو ذلك، إذا كان الله يعلم أنه يريد أن يحلها له”.

قد يعجبك ايضا
تعليقات