كتب_محمد عدلي
إذا كان لمصر الفرعونية أن تفخر بأهراماتها ، فإن لمصر الإسلامية الحق أن تفخر وتتباهي هي أيضا بمسجد أو مدرسة السلطان حسن، الذي لا يضاهيه أو يماثله أي أثر إسلامي أخر في جميع أنحاء العالم الإسلامي.ولهذا يطلق عليه هرم مصر الإسلامي لما يحتويه من كل غريب ونادر ، كما تمثلت فيه كل مقومات المدرسة الإسلامية من الناحية الدينية والمعمارية.
الموقع.
يقع المسجد في نهاية شارع القلعة(محمد علي سابقا) في مواجهة جامع الرفاعي،كما تطل واجهتها الشرقية علي ميدان صلاح الدين(الرميلة).
نبذة تاريخية عن مشيد المسجد.
السلطان حسن هو السلطان التاسع عشر من سلاطين دولة المماليك .ولد سنة ٧٣٥ هجريا، وكان يدعي أولا بقماري تولي الملك وسنه ثلاثة عشر عاما ولقب بالناصر سيف الدين قماري غير أنه لم يرض بهذا اللقب وسمي نفسه حسن فإستلطفه الناس لصغر سنه وذكائه وفصاحته.
تولي السلطة مرتين الأولي كما ذكرت عندما كان عمره ثلاثة عشر عاما وكان تحت الوصاية من مجموعة من أمراء المماليك أقواهم الأمير شيخون.وبعد أن إنتهت فترة الوصاية أعلن القضاة قدرته علي مباشرة الحكم بنفسه وبدأ يظهر قدراته ويتصرف كسلطان حقيقي إلا أنه وكما نعرف جميعا طبيعة العصر المملوكي وهو عصر صراع علي الحكم بين الأمراء فتم عزله وسجنه لمده ثلاث سنوات وتولية شقيقه صالح الذي لقب بالملك الصالح مكانه.
ولم تلبث أن بدأت الحرب من جديد بين أمراء المماليك ، فخلع الأمراء أخيه وقاموا بتوليته مرة أخري.فعاد قويا هذه المرة بعدما أصبح شابا وذو خبرة ويصفه المؤرخون بأنه كان حازما مهيباوشجاعا ،لم يشرب الخمر قط، ولم يرتكب الفواحش ظاهرا فإختلف عن كثير من أمراء المماليك وكان متدينا شهما يرفق بالرعية فأحبه الناس كثيرا.
ومن مزاياه أنه كان يريد الإستعانة بأولاد الناس (المصريين) ليستعيض بهم عن جنود المماليك لأول مرة في تاريخ هذه الدولة.ولكن أكتشف أمره وعوجل قبل أن يصل لمسعاه ، وكان قتله وزوال ملكه علي يد أقرب الناس إليه من مماليكه وخواصه ، وكانت فترة ملكه في ولايته الثانية حوالي ست سنوات وسبعة أشهر.
إنشاء المسجد (المدرسة).
أمر السلطان حسن ببناء هذه المدرسة سنة ٧٤٧ هجريا وإختار لها هذا الموقع بعد أن هدم ما كان من مبان قديمة وأراد لها أن تكون مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة وإستمر العمل لثلاث سنوات وإحتفل السلطان حسن بإفتتاح المدرسة وصلي فيها الجمعة وأنعم علي البنائين والمهندسين وأقيمت فيها الدروس في حياته أيضا وحدد لها وقفية مؤرخة للصرف عليها وعين بها الموظفين والقراء وفرشها وعلق بها الثريات والمشكاوات الجميلة وعين لها إماما.
ولكن أعمال البناء لم تكن إكتملت عندما قتل السلطان حسن وإستمر البناء تحت إشراف أميره المخلص الطواشي بشير الحمدار.
الوصف المعماري.
تخطيط المدرسة يتفق مع الطراز المملوكي ذي الإيوانات الأربعة المتعامدة التي يتوسطها الصحن المكشوف فتكون معه ما يشبه الصليب، ويتوسط الصحن ميضأة تغطيها قبة من الخشب محمولة علي ثمانية أعمدة من الرخام.ويقطع الصحن محوران متعامدان في نهاية كل منهما إيوان وفي كل زاوية من زوايا الإيوانات الأربعة باب يفضي إلي إحدي المدارس الأربعة المخصصة لدراسة المذاهب الإسلامية الأربعة وهي الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي، وأكبر هذه المدارس هي مدرسة الحنفية وتحتوي بعض إيواناتها علي شريط من الكتابة يحيط بصحنها ، وينتهي هذا النص الكتابي بإسم المهندس الذي أشرف علي عمارة المدرسة وهو محمد بن بيليك المحسني.
ويتميز المسجد بالزخارف الرائعة التي تعد آية في الجمال والإتقان .والتي تحتوي علي العشرات من الآيات القرأنية ،وكانت تتدلي من أسقف إيوانات المدرسة مشكاوات مموهة بالمينا وتنانير نحاسية مصنوعة من النحاس المفرغ والمكفت بالذهب والفضة، محفوظة حاليا بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة.
يتميز المسجد بقبته الرائعة ومئذنته الشامخة الشاهقة الإرتفاع والتي تخطف الأنظار كأطول المئاذن في مصر قاطبة بإرتفاع يبلغ حوالي واحد وثمانون مترا.
تكلف إنشاء المدرس أموالا طائلة قيل إنها ٧٥٠ ألف دينار من الذهب حتي أن السلطان كان يبدو عاجزا عن إتمام بنائه وقال لولا أن يقال أن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع ، من كثر ما صرف عليه بسبب ضخامة البناء وشموخه وإتساع مساحته.
مزار سياحي.
يعتبر المسجد من أجمل المزارات السياحية الإسلامية في مصر ، جعل منه أن يحرص الجميع علي زيارته وكان أبرزهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وزوجته ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وسفيرة الولايات المتحدة في مصر آنذاك خلال الزيارة التاريخية للرئيس الأمريكي لمصر عام ٢٠٠٩.
وفي النهاية يحتاج هذا الأثر الرائع وكذلك المنطقة المحيطة به إلي عناية وإهتمام كبيرين للحفاظ عليه من الإهمال وجعله مزارا سياحيا كبيرا لا يقل روعة عن أهرامات مصر الفرعونية.