القاهرية
العالم بين يديك

مايقصه الْأَجْدَاد للأحفاد

240

بِقَلَم السَّيِّد عِيد
تَمْر السَّنَوَات وَرَاءَهَا السَّنَوَات وأتوق كثيراً لَأَنْ أَكُونَ جداً ثرثاراً رَغِم أَن أَبْنَائِي لَيْس كِبَار لِلدُّرْجَة الَّتِى تجعلنى أَحْلَم بِأَنْ أَكُونَ جِدًّا تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْعَوْدَة للماضى مَمْزُوجَة مَع رَوَائِع الْقَصَص وَالْحِكَايَات .

كثيراً مَا أتوق لَأَنْ أَكُونَ كَبِيرًا فِى السِّنّ شاخت مَعَهُ كُلَّ أَيَّامَ الشَّبَابِ وَلَمْ يَتَبَقَّى مِنْهَا إلَّا الذِّكْرَى .
أَجْمَعَ كُلُّ أحفادي حَوْلِي وأشعل الْحِكَايَات المندثرة عَلَى دفﺀ لَيْلَة صَيْفِيَّةٌ أَوْ لَيْلَةَ شَتْوِيَّة بَارِدَة بِجِوَار المدفئة .
أَحْتَسِي ذكرياتي الْبَالِيَة وَمَعِى كُوب شاى ويداي ترتجفان
سأحدث أحفادي الصِّغَار كَيْف رَبِيت آبَائِهِم وَكَيْف أَحَبَّهُم .
سأحدثهم أَيْضًا بابتسامة عَجُوزٌ تهالكت جَمِيع أَسْنَانِه وَلَم يَتَبَقَّى لَهُ مِنْهَا إلَّا طَقْم أَسْنَان .
سأحدثهم عَنْ أَوَّلِ قِصَّة حُبّ عشتها قَبْل العشرينيات مَع جَدَّتِهِم ، وبضحكة باهِتَةٌ أَزْعُم أَنَّ قُلُوبَ الْفَتَيَات كَانَت تستهوي جَدِّهِم وَلَكِنِّى لِمَ اخْتَارَ غَيْرَ جَدَّتِهِم .

وكأي جَدّ ضهره انحنا وَاسْتَنَد عَلَى عُكَّازَة لَمْ يَشْهَدْ أَحْفَادِه أَيَّامِه ! ! سأزعم بِلَا خَوْفٍ إنَّنِي كُنْت فِي أَيَّامِ شبابى الْأُولَى أَشْبَه حُسَيْن فهمى وَلَم يضاهينى أَحَدٌ فِى الْجَمَال وأننى كُنْت أَسْحَرُ بَنَات الْقَاهِرَة .

سأحدث أحفادي الصِّغَار عَنْ أَيَّامِ كورونا الَّتِي عشناها وَعَن جيشنا الْأَبْيَضُ الَّذِي نفخر بِه وَإِنَّنَا تَعَلَّمْنَا الْكَثِير وَالْكَثِيرُ مِنْ هَذَا الْكَائِن المجهري الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَرَى بِالْعَيْن الْمُجَرَّدَة ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ ، وَلَا تَشُمّ لَهُ رَائِحَةٌ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَازِ سَفَر للتنقل بَيْن بُلْدانِ العالَمِ فَيُصْبِح فِي الصِّين وَيُمْسِي فِي إِفْريقْيا وَأَمْرِيكَا وأوروبا ويجوب قارات الْعَالِمَ لَا يَحْمِلُ فيزة سَارِيَة الْمَفْعُول وَلَا يُقْرَعُ الْأَبْوَاب أَو النَّوافِذ ، يُصِيب الْأَطْفَال وَالشُّيُوخ وَالنِّسَاء وَالشَّبَاب عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ وَالَّذِى أَصَابَ فِي مَقْتَلٍ علاقاتنا ببعضنا الْبَعْض .
عَلِمْنَا الفيروس أَنْ نَقِفَ عَاجِزِين إمَام قَدَّرَهُ اللَّهُ وَأَنَّ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ، عَلِمْنَا أَنَّنَا مَا أُوتِينَا مِنْ الْعِلْمِ إلَّا قليلًا .

سأحدثهم كَيْف تَخَلَّى الِابْنُ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَبُ عَنْ ابْنِهِ خَوْفًا مِنْ الْمَوْتِ بكورونا وكأننا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُو يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أُمِّهِ وَأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ .

سأحدثهم عَنْ الْأَيَّامِ الكادحة فِي الْعَمَلِ مُنْذُ الصِّغَر وَعَن
أساتذتى وزملائي الَّذِين تَعَلَّمْت مِنْهُم .
كَثِيرًا مَا أَتَمَنَّى أَنْ أَكُونَ جِدًّا ظَرِيفًا لَا يُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مُتَوَقّ تَارِيخِه بالإنجازات والنجاحات ليفتخرون بِهَا .
جِدًّا مُخْتَلَفٌ لايشبه أَحَدٌ أَقَصّ عَلَيْهِم الْحِكَايَات ليتعلموا مِنْهَا وَيَعْلَمُون أَوْلَادِهِم أَنَّ دُورَ الْأَجْدَاد فِي حَيَاةِ الْأَحْفَاد مُهِمٌّ يَرْتَكِزُ عَلَى التَّوْجِيهَات البناءة وَالْمَعَارِف الَّتِي استقوها فِي حَيَاتِهِمْ وَأَنَّ مَحَبَّةَ الْأَحْفَاد لاتضاهيها مَحَبَّة فَمَا أَغْلَى مِنْ الْوَلَدِ غَيْرُ وَلَدٍ الْوَلَدِ .

مَع تحياتى جدو سَيِّد

قد يعجبك ايضا
تعليقات