القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق المعرفه ومع ما نحتاجه اليوم؟

286

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن الكمال لله وحده عز وجل، وإن العصمة للأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم عليهم أجمعين، فلا عصمة لأحد بعد الأنبياء والرسل، وأما بقية البشر فكلهم يصيبون ويخطئون، ولا يخلو إنسان من نقص وعيب، ولكن هنالك مشكلة تنغص على كثير من الناس حياتهم وهي أن يكون هناك من يترصد للأخطاء والعيوب، ومن تكون عينه دائما مسلطة عليك يراقب حركاتك وسكناتك ويرصد عليك أخطاءك، ولكن أين العفة التى هى من مكارم الأخلاق وإن العفة تعني البعد عما حرم الله من الأقوال والأفعال، وكذلك البعد عن فعل ما يضيع المروءة، وعما ينبغي أن يتنزه عن فعله أمام الناس مما لم يرد نصا بتحريمه، وكذلك الزهد عما في أيدي الناس من حطام الدنيا، وعدم التطلع إلى ذلك، فنحن نحتاج فى هذه الأيام إلى خلق من أخلاق الإسلام وهو الأدب والذوق، فديننا والحمد لله دين يهتم بحسن الخلق، وحسن معاملة الناس، والأدب والذوق دائما مفتاح لكثير من القلوب فبه تنال محبة الناس، وبه تنال القرب منهم، وأما العكس فهو الغلظة والخشونة في المعاملة فأنها تؤدي إلى النفور والشقاق والقطيعة، وإن الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

حينما تعرفوا إلى الله عز وجل فقد سمت نفوسهم، فصاروا كالكواكب الدرية، فصاروا كالنجوم اهتدى الناس بهم لأنهم فهموا الدين خلقا كريما وعدالة وإنصافا ورحمة وحلما وعفوا وكرما وسخاء وورعا وعفافا، فكان كل ذلك حينما فهم الصحابة الكرام الدين وهكذا دخل الناس في دين الله أفواجا، ولقد كان لنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كان أحسن الناس أخلاقا وقد وصفه الواصفون فقالوا ما كان أحد احسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما دعاه أحد من أصحابه أو من أهله إلا قال له لبيك، وقد وصفه بعضهم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أشد الناس لطفا، وما سأله سائل إلا أصغى له، فلم ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يكون السائل هو الذي ينصرف، وما تناول أحد بيده إلا ناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، إياها فلم ينزع حتى يكون صاحبه هو الذي ينزع، ولم يكن أحد يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أقبل عليه بوجهه ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه، وما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه.

وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله عز وجل،
فإننا في حاجة اليوم إلى أن نقف وقفة مع أنفسنا وأولادنا وأهلينا في غرس مكارم الأخلاق والتحلي بها، فنحن نحتاج إلى نولد من جديد بالأخلاق الفاضلة، ونحتاج إلى نغير ما في أنفسنا من غل وحقد وكره وبخل وشح وظلم وقهر ودفن للقدرات والمواهب إلى حب وتعاون وإيثار وعدل ومساواة ورفع الكفاءات، إذا كنا نريد حضارة ومجتمع وبناء دولة، فهل لذلك كله أذن واعية ؟
تعى هذا الكلام، وتدرك ما نحتاجه اليوم؟ فإن الأخلاق الحسنة عنوان سعادة العبد وفلاحه، وما استجلب خير بمثل جميل الخصال ومحاسن الفعال، وإن نصوص الوحيين متواترة على الدعوة إلى المسالك المثلى والمثل العليا، فإن من الصفات العظيمة والمحاسن الجليلة لأفضل الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ما وصفه به ربه تعالى فى كتابه الكريم فى سورة القلم بقوله ” وإنك لعلى خلق عظيم ” وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوجز دعوته في قواعدها بقوله صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” رواه أحمد.

وهكذا فإن صاحب الخلق الزكي ينال المرتبة العليا والمكانة الأسمى، فنبينا صلى الله عليه وسلم يقول ” إن من أحبكم إلى أحاسنكم أخلاقا” رواه الترمذي، فإننا لو نظرنا إلى حياتنا المعاصرة لوجدنا انفصالا بين ما نقرأه ونتعلمه ونتعبد به، وبين ما نطبقه على أرض الواقع، لإن العامل الأكبر في بناء الحضارات وانتشار الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلمن والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة، أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان، فإن هذه الأخلاق دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد الذى يحمله هؤلاء، وغالبا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة وإن العامل الأساسي في قيام الحضارات والفتوحات وبناء الدولة الإسلامية.

في العصور والقرون الأولى هو الأخلاق، فكان ذلك يوم أن كان الفرد يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وكان ذلك يوم أن كان الفرد يؤثر غيره على نفسه، وكان ذلك يوم أن كان العدل سائدا في ربوع المعمورة، وكان ذلك يوم أن كانت المساواة في كل شئون الحياة تشمل جميع الطبقات، وكان ذلك يوم أن قدمت الكفاءات والقدرات والمواهب، وهكذا فإن للأخلاق أهمية كبرى في الإسلام، فالخلق من الدين كالروح من الجسد، والإسلام بلا خلق هو جسد بلا روح، فالخلق هو كل شيء، فقوام الأمم والحضارات بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، فإن حسن الخلق يشمل كل جميل من الأقوال والأفعال، فهو كل مسلك مَرضى شرعا وطبعا، في التصرفات كلها والتعاملات جميعها، وحسن الخلق هو الالتزام بالآداب الشرعية الواردة في النصوص من أطايب الأقوال وجميل الفعال وحميد الخلال وشريف الخصال، وحسن الخلق هو كل تصرف يقوم به الإنسان مما يكثر معه مصافوه، ويقل به معادوه، وتسهل به الأمور الصعاب، وتلين به القلوب الغضاب، فإن مواقف صاحب الخلق الحسن في التعامل كلها حسن ورفق وإحسان وتحلى بالفضائل وسائر المكارم.

وإن من حسن الخلق على سبيل المثال لا الحصر هو بسط الوجه وطلاقته وبشاشته، وبذل المعروف وكف الأذى، واحتمال ما يكون من الآخرين من إساءة وزلل، ومنه كظم الغيظ والبعد عن الفضول ومجانبة المعاتبة والمخاصمة واللجاج، ومن حسن الخلق تهذيب الألفاظ وحسن المعاشرة ولطف المعشر والبعد عن السفه ومجانبة ما لا يليق ولا يجمل ولا يسمع لصاحبه في المجالس عيبة ولا تحفظ له زلة ولا سقطة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما “القصد والتؤدة وحسن السمت جزء من خمسة وعشرينا جزءا من النبوة” وإن ذو الأخلاق الفاضلة تجده وقورا رزينا، ذا سكينة وتؤدة، عفيفا نزيها، لا جافيا ولا لعانا، لا صخّابا ولا صياحا، لا عجولا ولا فاحشا، فيقابل تصرفات الناس نحوه بما هو أحسن وأفضل وأقرب منها إلى البر والتقوى، وأشبه بما يُحمد ويرضى، وإن من أعظم أنواع الخلق الحسن، هو خلق الحياء في الأقوال والأفعال، وكما قال ابن القيم، فهو أفضلها وأجلها وأعظمها قَدرا، وإن من أفضل الأخلاق وأجملها هو الإيثار وستر العيوب وإبداء المعروف والتبسم عند اللقاء، والإصغاء عند الحديث، والإفساح للآخرين في المجالس.

ونشر السلام وإفشاؤه ومصافحة الرجال عند اللقاء والمكافأة على الإحسان بأحسن منه، وإبرار قسم المسلم والإعراض عما لا يعني وعن جهل الجاهل بحلم وحكمة، وهكذا كل تصرف طيب يجعل كبير المسلمين عندك أبا، وصغيرهم ابنا، وأوسطهم أخا، فعلينا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين، وما أجمل قول ابن حبان عندما قال، الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق، لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها، وهكذا فلو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس، لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ” رواه مسلم، وقد ضرب العلماء مثالا بهذه النوعية من الناس بالغراب الذي يمر ببستان جميل فيه الثمار والأشجار تجرى من تحتها الأنهار يمر هذا الغراب فلا يخرج من البستان إلا بدودة، أو كالذباب الذي لا يحط إلا على القاذورات فينقل الجراثيم والميكروبات، وهناك من هو كالنحل لا يحط إلا على أطايب الزهر جعلني الله وإياكم منهم.

قد يعجبك ايضا
تعليقات