القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

فى طريق المعرفه ومع الحقد

293

إعداد / محمــــد الدكــــرورى

الحقد داء دفين ليس يحمله، إلا جهول مليء النفس بالعلل مالي وللحقد يشقيني وأحمله، إني إذن لغبي فاقد الحيل سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي، ومركب المجد أحلى لي من الزلل إن نمت نمت قرير العين ناعمها، وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي وأمتطي لمراقي المجد مركبتي، لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي، فإن الشفاء من الحقد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وليس أهنأ في الحقيقة، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب بريء من وسواس الضغينة وثوران الأحقاد، ومستريحا من نزعة الحقد الأعمى، فإن فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش كما يتسرب الماء من الإناء المثلوم، وقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة المائدة ” إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ” ومن هنا يقول تعالى ذكره، إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم، إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم

الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله عز وجل بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله تعالى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا” وهذا حديث متفق عليه، فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابين، متصافين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكلية التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحد منهم أحدا، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إذا فُتحت عليكم فارس والروم، أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف، نقول كما أمرنا الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين.

فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ” رواه مسلم، وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى حديثه هذا، دب، أي نقل وسرى ومشى بخفيه إليكم داء الأمم قبلكم، والحسد أي في الباطن، والبغضاء أي العداوة في الظاهر، وسميا داء لأنهما داء القلب وهي البغضاء، وهو أقرب مبنى ومعنى، أو كل واحدة منهما، ومعنى الحالقة، أي القاطعة للمحبة والألفة والصلة والجمعية، وإن الخصلة الأولى وهى الحسد هي المؤدية إلى الثانية وهى البغضاء، ولذا قدّمت، فيقول صلى الله عليه وسلم لا أقول تحلق الشعر، أي تقطع ظاهر البدن، فإنه أمر سهل، ولكن تحلق الدين، وإن الحسد ضرره عظيم في الدنيا والآخرة، وهكذا فإن البغضاء تذهب بالدين كالموس مع الحلاق التى تذهب بالشعر.

وعن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قال ” سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا يا نبي الله، وما داء الأمم؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” الأشر والبطر، والتكاثر والتشاحن في الدنيا، والتباغض، والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج” ومعنى الهرج هو القتل، ومعنى الأَشر، أي كفر النعمة، والبطر هو الطغيان عند النعمة، وشدة المرح والفرح، وطول الغنى، والتكاثر مع جمع المال، والتشاحن، أي التعادي والتحاقد في الدنيا والتباغض والتحاسد أي هو تمني زوال نعمة الغير، حتى يكون البغي، أي مجاوزة الحد، وهو تحذير شديد من التنافس في الدنيا لأنها أساس الآفات، ورأس الخطيئات، وأصل الفتن، وعنه تنشأ الشرور، ويمكن استبعاد الحقد والحسد بالنظر في أعمال الشخص الطيبة، وأن الله سبحانه وتعالى، هو الذي تفضل عليه بالتوفيق، وأن هذا من الله تعالى، فيتوب الإنسان من حقده وحسده، ويعلم أن هذا من فضل الله وجوده وكرمه، حتى يزول ما في قلبه، ويتأمل ويتبصر وأن هذه الأشياء التي رزقها الله تعالى هذا العبد من صحة.

واستقامة أو جاه طيب أو أعمال صالحة، أو ما أشبهه هذا كله من عند الله سبحانه وتعاله فهو عز وجل القائل فى كتابه العزيز “وما بكم من نعمة فمن الله ” فليعلم أن الله تعالى هو مقسم الأرزاق، وهو الذي بيده كل شيء، فيسأله جل وعلا التوفيق والهداية، وأن يزيل ما في قلبه من الكراهة لأخيه أو الحسد لأخيه، لأن كل شيء بيد الله عز وجل، فعليك أن تسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يصلح قلبك وأن يعيذك من شر الحسد والبغضاء والحقد على إخوانك، وإن كل هذا بيد الله سبحانه وتعالى فهو الذي يصرف الأمور عز وجل يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء سبحانه وتعالى، فإن الوقاية خير من العلاج فعلى المسلم أن يتصف بحسن الخلق في أقواله وأفعاله ومعاملاته، مع الناس كافة وخاصة مع أقاربه، وبصورة أخص مع الزوج، فقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة البقرة “وقولوا للناس حسنا” وليعلم أنه بحسن خلقه وطيب معاشرته مع الآخرين يكسب حبهم واحترامهم، ولا يحصل بينه وبينهم شيء.

من التشاحن والخصام، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ما شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة” رواه الترمذي، وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا” رواه الترمذي وأبو داود وأحمد، وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ” رواه أبو داود، فعلى المسلم الاتصاف بلين الجانب والسهولة في التعامل مع الآخرين، وبخاصة مع الزوج والأقارب حتى يكون من أهل الجنة، ولا يكون من أهل الاستكبار والعتو والتجبر الذين هم أهل النار، والعياذ بالله، وعن حارثة بن وهب قال سمعت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول ” ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر” رواه البخارى ومسلم.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم متضعف هو أن يستضعفه الناس ويحتقرونه، ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، فيقال تضعفه واستضعفه، ورواية أخرى معناها أنه متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، وإن في حال وقوع شيء من هذه المشاحنات فهو أن تؤدي الذي عليك من حق تجاه المشاحن والمخاصم سواء كان زوجا أو أخا أو غيرهما بترك التشاحن والتدابر والهجر والسعي للتصالح معه، فإن قمت بما عليك ثم وجدت منهم جفاء وغلظة فاحتسب الأجرعند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك” ومعنى تسفهم المل، أى تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم، كما يلحقهم الألم في الرماد الحار، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا عباد الله إخوانا فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

قد يعجبك ايضا
تعليقات