القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نبذه عن عبد الله بن سبأ ” الجزء الرابع “

231

إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع عبد الله بن سبأ، وقد توقفنا معه عندما جمع من حوله الأنصار له وزحفوا من البصرة والكوفة ومصر إلى المدينة المنورة، ولكن علي تصدى لهم وأوضح أن أي اعتداء على الخليفة إنما هو إضعاف للإسلام وتفريق للمسلمين، فأقنع المتمردين وقفلوا راجعين، وحينها أدرك ابن سبأ أنه على وشك الرجوع خائبا وأن الفرصة أوشكت أن تضيع، لذلك دبر مؤامرة جعلت المتمردين يرجعون ويحيطون ببيت عثمان بن عفان ويحاصروه، ثم تسلق بعضهم الدار، وقتلوا عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن وكان ذلك سنة خمسه وثلاثين من الهجرة وبمقتل عثمان بن عفان كان ابن سبأ قد فتح بابا لفتن أخرى طال أمدها بين المسلمين، ومن المتوقع أن تكون هذه الفتنة هي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم، حين بشر بها عثمان بن عفان بالجنة على بلوى تصيبه، وأما عن السبائية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي بن أبى طالب، وزعم أنه كان نبيا ثم غلا فزعم أنه الله ودعا إلى ذلك قوما من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعلي فأمر بإحراق قوم منهم، ثم خاف من إحراق الباقين.

أن ينتقض عليه قوم فنفى ابن سبأ للمدائن، فلما قتل الإمام علي زعم ابن سبأ أنه ليس المقتول عليا وإنما هو شيطان صور على صورته وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي بن أبى طالب، وكان ابن السوداء في الأصل يهوديا من أهل الحيرة فأظهر الإسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي إنه من محبيك فرفع علي قدره وأجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه عبد الله بن عباس فنفاه إلى المدائن، وكانت هذه فتن عظيمه مثلما حدث فى موقعة الجمل عندما عاد الزبير بن العوام إلي معسكره وقد صمم علي الانسحاب من المعركة والرجوع إلي المدينة بعدما تذكر نبوءة رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أبلغه منذ مايزيد علي ثلاثين عاما بأنه سيقاتل علي بن أبي طالب وهو له ظالم، وبدأ الزبير يلملم متاعه استعدادا للرحيل إذ دخل عليه ابنه عبدالله فقال له إلي أين يا أبت؟ أجاب سأترك القتال وأعود إلي المدينة، فكأن عبدالله لم يستوعب ماسمعه.

فقال ماذا تقول؟ قال الزبير والله لا أقاتل عليا أبدا، فقال له عبدالله ولكنا لم نخرج لقتال علي وإنما خرجنا لدم الخليفة المغدور فهل تجمع الناس للقصاص ثم تتركهم وترحل؟ فأجاب الزبير بإصرار إليك عني فقد أقسمت ألا أقاتل علي وسوف أبر بقسمي، قالها ثم خرج فانطلق عبدالله في أثره محاولا أن يثنيه عن عزمه وصاح به لعلك أخافتك سيوف بني عبدالمطلب، وهو يريد أن يستفزه بأنه خشي من قوة علي ابن خاله، غير أن صيحات عبدالله ذهبت هباء فقد كان الزبير عازما علي الرحيل فانطلق ومعه غلام له قاصدا المدينة، وبينما هما يستريحان في الطريق إذ أقبل عليهما فارس فسلم واستأذن أن يرافقهما في الطريق فوافق الزبير غير أن إحساسا غامضا انتابه تجاه الرجل الذي كان يلقاه لأول مرة فأسر بشعوره إلي غلامه قائلا له والله إني لأري الموت في عيني هذا الرجل، ففزع الغلام وقال له إذا اقتله، فقال الزبير كيف أقتله لشعور لدي ليس عليه دليل؟ ماهكذا أمرنا الله تعالى ولاعلمنا رسوله صلى الله عليه وسلم بل نأخذ حذرنا، وبينما هم في الطريق إذ حان وقت الصلاة فوقف الفارس المجهول وأذن للصلاة

فنزل الزبير وغلامه واستعدوا جميعا لأداء الصلاة وتأخر الفارس والغلام للصلاة خلف حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، فما إن كبّر تكبيرة الإحرام حتي طعنه الفارس بخنجر كان يخفيه في ملابسه ثم انهال عليه طعنا بالسيف حتي أجهز عليه واستلب سيفه ودرعه وعاد من حيث أتي تاركا الغلام مذهولا يرتجف ثم قام بتغسيله ودفنه في مكان غير معلوم من الصحراء بين البصرة والمدينة، فكان الفارس المجهول هو عمرو بن جرموز من شيعة الإمام علي بن أبى طالب وكان قد سمع أن الزبير انسحب من المعركة فتبعه ليقتله وهو يعتقد أن هذا سوف يسر عليا غير عالم، لجهله، أن الإسلام يحرم قتل من ينسحب من الحرب ولو كان من غير المسلمين فما بالك بالمسلم ومابالك بصحابي جليل من آل بيت النبوة وهو حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومن السابقين إلي الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة؟ لذا فقد عاد ابن جرموز فرحا إلي علي ليبشره بقتل قائد جيش مكة، فوصل إلي خيمة علي فأعطي الحارس السيف والدرع وقال له، أعط هذا لأمير المؤمنين وبشره أني قد قتلت الزبير، فلما أمسك الإمام علي بسيف الزبير بن العوام.

فنظر إليه وبكي وهو يقول لطالما دافع هذا السيف عن وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم التفت إلي من حوله وقال لهم بشروه بالنار فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ” بشروا قاتل ابن صفية بالنار” وفزع ابن جرموز من البشري السوداء وبدا له جرمه مجسدا أمامه فانطلق خائفا وقد علم أن عليا سيعاقبه عقابا شديدا لمخالفته قواعد الإسلام التي تنهي عن قتل المنسحب من المعركة أيا كان لما في ذلك من الغدر المحرم في شرع الله تعالى، فانطلق يعدو محاولا الهرب وبعض الصحابة يتبعونه حتي كاد يقع في أيديهم فشعر باليأس من رحمة الله فأخذ حديدة فضرب بها نفسه منتحرا، فوقف من تتبعوه من الصحابة ينظرون إلي جثته وهم يعتبرون، وقال أحدهم صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم ” بشروا قاتل نفسه بالنار ” وهكذا انتهت موقعة الجمل لصالح جيش علي بعد انسحاب طلحة والزبير قائدي جيش الثأر ثم مقتلهما وإصابة القائد الثالث عبدالله بن الزبير بجروح قاتلة حيث طعنه الأشتر النخعي أحد قتلة عثمان طعنة فلقت رأسه فخر مضرجا في دمائه ثم حُمل بين الحياة والموت إلي أحد بيوت البصرة مع جرحي المعركة

التي أسفرت عن مقتل مايزيد علي ألف من الجيشين أكثرهم من الصحابة والتابعين في فتنة هلل لها أعداء الإسلام ومازالوا يهللون واستغلوها لتزييف الحقائق محاولين تحقيق ما استهدفته السبئية بمؤامرتها لتفجير الإسلام من داخله ولكن الله سبحانه غالب علي أمره، وقد صلي الإمام علي بن أبي طالب علي قتلي الجيشين وأمر بدفنهم ثم وقف باكيا أمام مقابرهم وهو يقول ليتني مت قبل هذا، ولما فرغ قام من فوره متجها إلي الدار التي تقيم فيها أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها بالبصرة، ولقد كان رأى أحمد عطية الله، أن ابن سبأ هو رأس الفرقة السبائية من الشيعة وهو عبد الله بن سبأ وكان من يهود صنعاء وأظهر إسلامه في خلافة عثمان بن عفان ويعرف بابن السوداء وقد انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالا وآراء منافية لروح الإسلام ونابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كانت شائعة في اليمن، وقد برز في صورة المنتصر لحق الإمام علي، وادعى أن لكل نبي وصيا، وأن عليا وصي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كما ادعى أن في علي جزءا إلهيا، فطاف بأنحاء العراق ناشرا دعوته فطرده عبد الله بن عامر من البصرة

فنزل الكوفة وأوغر صدور الناس على عثمان، وانتقل إلى دمشق في ولاية معاوية وفيها التقى بأبي ذر الغفاري وحرضه على الثورة مدعيا أنه ليس من حق الأغنياء أن يقتنوا مالا، وأخرج من الشام فنزل مصر فالتف حوله الناقمون على عثمان وفيهم محمد بن أبي بكر وأبو حذيفة، ووضع على لسان علي أقوالا لم يقلها كادعاء علم الغيب وبعد استشهاد علي قال إنه لم يقتل وسيرجع وبذلك وضع فكرة الرجعة بين الشيعة، وفي هذه المقتطفة التي رواها عطية الله أمور، ومنها أن ابن سبأ جمع إلى عقائده اليهودية معتقدات أخرى فنقلها للتشيع ومنها الرجعة ولكن الرجعة هنا للإمام علي وليست لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، كما هي عند أبي زهرة، ومنها أنه أعطى لعلي جزءا من الألوهية لا كلها، حتى يمكن الجمع بين كونه جزء إله وبين كونه وصيا للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أن كل الثورات على عثمان ومعاوية كانت من فعله، وبنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من أحمد أمين في فجر الإسلام، ومحمد بن يحيى في التمهيد والبيان في مقتل عثمان والزركلي في الأعلام.

قد يعجبك ايضا
تعليقات