القاهرية
العالم بين يديك

مابين واقع وخيال

334
بقلم: سارة جمال
كانت إحدى أيام التنقيب المتعبة جدًّا، علي الرغم من السعادة التي تغمرني عندما أكتشف شيئًا جديدًا، أو عندما أتخيل نفسي أُعاصر الأحداث المنقوشة على تلك الجدران، بينما أتحسس زخارفها المتقنة جدًّا والمليئة بشقوق أحدثها الزمن، لكنها لم تفقد رونقها وأصالتها، تخيلت نفسي ذات مرة أميرة، وأخرى جارية، وأخري حاكمة للبلاد، ربما في عهد ما قبل الاسرات أو حتى عصر المماليك.
كل مكان تطأه قدماي تتولد بيننا علاقة وطيدة جدًّا، أشعُر في بعض الأحيان أن الأماكن والجدران تعرفُني وأعرفها، تلقاني في حنين وشوق وكأنها تقول مرحبا بكِ، كنت أتأمل إحدى النقوش المرسومة فكانت تفاصيلها تلمس داخلي شيئا مختلفا لا أعلم لماذا ؟!
كانت الوحيدة المرسومة علي جدار كامل متفردة به، تخلط بين حروف عربية وحروف للغة قديمة وحروف وكلمات لاتينية ،علي الرغم من إدراكي لجميع هذه اللغات لم أستطع تكوين جملة واحدة أو حتى كلمة واحدة، كنت غارقة في تفاصيلها وكأنني في حلمٍ بعيد، اخترق حلمي صوت الأُستاذ الدكتور “يوسف” مُنَادِيًا بإسمى ثم أخبرني أنه حان وقت الرحيل..
هَمَمْتُ بإحضار حقيبتي الصغيرة، وذهبنا إلي ذلك الفندق القريب من مكان العمل، مكافئة نفسي عن هذا اليوم المتعب جدًّا بقليلٍ من القهوة الممتزجة برائحة البندق، كعروسٍ مزينة، وسرعان ما ذهبت في نوم هنئ عميق تمامًا من شدة الإرهاق.
وفي غروب الشمس أمام هذا الشاطئ الذي لا يملك نهاية.. تتخلل أشعة الشمس عينيك البنيتين، تلمس يداك وجهي، أتأمل وجهك وإذا بي ألتفت لصوت يقول إنها الثامنة صباحًا يا حياة، أعلم هذا الصوت جيدًا، إنه لطالما برع في إفساد أحلامي ولكن ماذا!! الثامنة!!..
هرولت مسرعة، إنها المرة الأولي التي أستيقظ في هذا الوقت المتأخر علي غير العادة، أسرعت في تجهيز حقيبتي بينما رأسي مُرْتَبِكٌ في ترتيب جميع الأشياء، وبينما أنا في عجلة من أمري، وجدت ظرفا أسود اللون ولكن من أين أتي؟! لا أعلم.. التقطه وكان ملمسه ناعما جدًّا، يبدو من الحرير أو شئ أثمن وألمع، كان لا يحمل أي هوية، تركت جميع الأشياء لأرى ما بداخله، كان يحتوي علي ورقتين ولكن رائحتهما غريبة جدًّا، وكأنه آت من أزمان بعيدة، كانت ألوانه باهتة تمامًا، الكلمات داخله مكتوبة بحبر يقترب لونه من لون الذهب.. تحسسته لأجد أنها بالفعل خيوطا ذهبية وليست حبرًا!
كُتب فيه الآتي :
“مرحبا حياة..تحية طيبة لقلبك الباحث عن كل ما هو قيم وجميل، إليك هذه الدعوة الثمينة إلي لقاء يحل ألغاز عقلك، الذي يسعي للإستكشاف والمعرفة والثقافة، وليس لحب الظهور والرغبة في المال فقط.
هذه الفرصة لا تتسني إلا مرة واحدة فقط.. نتشرف بدعوتك إلي متحف لم تزوريه من قبل، إنه عالم تجدين فيه إجابة عن كل سؤال، وتفسير لكل ما هو غامض أو مشوش، ننتظر مجيئك.”
اعتلت وجهي بلاهة تامة، من هؤلاء؟! وما هذا المتحف؟! ومن المرسل؟!ومن ينتظرني؟! خضع عقلي للكثير من الإحتمالات غير المنطقة والمنطقية ، لا أعلم ما هو قراري أو أين أذهب؟! فتحت الورقة الثانية مسرعة، فكانت بعنوان ..اتبعي هذا المسار فقط، وكان مرسُومًا بداخلها تخطيط لمكان الفندق، شعرت بالقلق أكثر فأكثر ولكن رغم ذلك حملت حقيبتي و قلت جملتي الشهيرة “إن كنا لا نعرف دعنا نستكشف”.. اتبعت المسار المرسوم، ولكن الغريب في الأمر أنه كان يتغير بطريقة ما، كل خطوة أخطوها يتم محوها، أرى فقط خطواتي التالية كأنني بلا ماض و بلا مستقبل، عالقة في هذا الحاضر، كانت الشمس دافئة جدًّا، الغيوم تملأ السماء، كأنها ثوب زفاف أبيض، بينما كنت أنظر داخل هذه الصحراء التي لا تمتلك نهاية أبدًا، جلست في حزنٍ قائلة :
– أيعقل أنها خدعة هذه المرة!! وإذا بي أغمض عيني مودعة شغفا آخر في دموع صامتة.
إهتزت بي الأرض لأجد نفسي في ممر غريب.
– ماذا حدث؟ أين أنا؟ أهذه هزة أرضية أم أنا احلم؟!
كان الممر مُظلما، هممت بالوقوف وأخذتني قدماي لأرى نهايته.. فتحت عيني في ذهول تام لما أراه!! كان بناء قديما جِدًّا أمامي، يعتلي بابه جملة بالذهب الخالص ربما مزينة بالؤلؤ “متحف الكلمات” أسرعت بالدخول هناك لتفهم أين أنا؟ وماذا بداخل المكان؟ وإذا بي أرى لوحة في نهاية المطاف، تشبه هذه اللوحة التي رأيتها البارحة، أيُعقل هذا!
كان الطابق الأرضى تعتلي جدرانه كلمات باللغة العربية، مرسومة بمزيج هائل من الأحرف التي تبدو فخمة تمامًا ناديت قائلة:
– هل من أَحدٍ هنا ؟ هل يسمعني أحد؟!
أظُنني وحدي هنا.. أخذت هذه السلالم الخشبية المتفرعة علي مدار أكثر من عشرين طابقا، حيث كان يحمل كل طابق مزيج من الكلمات والأحرف بلغهٌ مختلفة، وجدتُ جميع لغات الأرض ،ولغات لم أرها من قبل أيضًا، ولكن كان الأمر الأغرب في كل هذا..أن الجدران تختلف مع كل نظرة لتحمل كلمات مختلفة لنفس اللغة ،وجميعها تتصل بالطابق السفلي الذي يختص بالغة العربية.. رجعت مرة أخري للطابق السفلي أتابع كيف يحدث هذا؟ أهذه آلة أم أنني أتخيل؟!.. ومن قلب هذه الصدمة، كان كل شئ يتم في سلاسة غريبة، حيث كانت اللغة العربية قلب تنبض به جميع اللغات، وإذا بي غارقة بين هذه التفاصيل التي لا تنتهي، إلتفت لصوت يقول: “إنها السابعة صباحًا.. حياة “
-تَمَّت
قد يعجبك ايضا
تعليقات